سيطر الحذر على تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارته إلى فرنسا، وقبلها إلى ألمانيا، بشأن الملفات السياسية الإقليمية، وخاصة موضوع إيران، فيما تركّز حديثه مع المسؤولين الفرنسيين والألمان على التعاون الاقتصادي.
ويعزى الحذر الذي يبديه السوداني تجاه القضايا الإقليمية إلى الخوف من تأويل تصريحاته بشكل يسيء إلى علاقته مع التحالف البرلماني والسياسي الذي يمثله الإطار التنسيقي، ومن ورائه إيران، ما يخلق له مناخا سلبيا يعوقه عن تنفيذ سياساته الحكومية، وخاصة ما تعلق بالاتفاقيات الخارجية مثلما هو الأمر مع ألمانيا وفرنسا.
ورغم أن صعود السوداني إلى رئاسة الحكومة كان باقتراح ودعم من الإطار التنسيقي، إلا أن تحركاته ومواقفه الخارجية يتم التعامل معها بحساسية بالغة وفق معادلة: إما مع إيران وإما ضدها.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد سعى خلال زيارته إلى إيران في نوفمبر الماضي لطمأنة طهران بأنه حليف لها وحظي باستقبال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ثم المرشد الأعلى على خامنئي، وتعهد في طهران بعدم السماح بـ”تعرض أمن إيران للتهديد من قبل الإرهابيين والانفصاليين في إقليم كردستان”.
السوداني تمت تزكيته من الإطار التنسيقي، إلا أن مواقفه يتم التعامل معها بحساسية ووفق معادلة مع إيران أو ضدها
ويظهر استقباله من المرشد الأعلى أنه يحظى بثقة عالية لدى المسؤولين في إيران. لكن ذلك لم يمنع من توجيه الانتقادات له من أطراف حزبية وميليشيات موالية لإيران بسبب حديثه عن العمق العربي للعراق، وخاصة سعيه لتمتين العلاقة مع الولايات المتحدة، وتنفيذ مطالبها من ذلك الرقابة الشديدة على حركة الأموال في البنوك العراقية.
وثارت ضجة في إيران والعراق بسبب استعمال السوداني في الدورة الـ25 لكأس الخليج لكرة القدم مصطلح الخليج العربي واعتباره في تصريحات لاحقة “العراق جزءا من المنظومة العربية” وأنه “حريص على ديمومة العلاقة مع دول الخليج العربي”.
وجعلت أزمة الدولار رئيس الوزراء العراقي يسير على حبل مشدود بين الولايات المتحدة وإيران بسبب القيود الأميركية على نظام التحويلات (سويفت) التي بدا أن الهدف منها تطويق إيران.
وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في نوفمبر الماضي بفرض قيود أكثر صرامة على التحويلات الدولية بالدولار للبنوك العراقية التجارية، في خطوة قال مسؤولون أميركيون وعراقيون إنها “تهدف إلى الحد من غسيل الأموال والتحويل غير القانوني للدولار إلى إيران وغيرها من الدول التي تخضع لعقوبات شديدة”.
وفي فرنسا وقبلها ألمانيا كان حديث السوداني مركّزا بشكل كامل على الاتفاقيات الاقتصادية التي كانت عنوان الزيارتين. ويقول مراقبون إن السوداني لا يريد أن يبدي أيّ توافق في المواقف السياسية بينه وبين البلدين في ظل العقوبات الأوروبية على إيران على خلفية الاحتجاجات الأخيرة ومعارضة القبضة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين والمضي في سياسة الإعدامات.
ولا شك أن الحذر متبادل من الطرفين، فالفرنسيون والألمان يعرفون أن تنفيذ أيّ اتفاقيات مع العراق يحتاج إلى موافقة إيران قبل ذلك، وأن صدور موقف مشترك ضد سياستها سيعني تضرر صورة السوداني والمصالح الغربية في آن واحد لما تمتلكه طهران من نفوذ قوي في العراق، ولذلك كان الأسلم قصر التصريحات على الاتفاقيات دون سواها.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء العراقي في ختام الزيارة تعزيز تعاون بلديهما خصوصًا في قطاع الطاقة، إثر لقاء مساء الخميس في باريس جرى خلاله توقيع “اتفاقية الشراكة الإستراتيجية”.
وبعد شهر من مشاركته في مؤتمر إقليمي لدعم العراق، أكد الرئيس الفرنسي استثماره في هذا البلد الذي يكتسي أهمية كبيرة في الشرق الأوسط وقد زاره ماكرون مرّتين منذ وصوله إلى الحكم عام 2017.
وفي ديسمبر الماضي، دعا ماكرون خلال هذا المؤتمر في الأردن، بغداد كي تأخذ مسارًا آخر غير “النموذج الذي يمليه الخارج”.
وجاء في إعلان مشترك نُشر ليل الخميس – الجمعة، أن السوداني تمنّى “تعزيز التعاون الثنائي في مجال الدفاع”، علمًا أنه لم يتمّ الإعلان عن أيّ تعهّد في هذا الصدد.
وعبّر ماكرون والسوداني عن رغبتهما المشتركة في “رفع مستوى التعاون الفرنسي – العراقي في مجال الطاقة والنقل”.
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي مساء الخميس، أنه جرت خلال اللقاء “مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين العراق وفرنسا، التي انطوت على محاور متعددة في المجالات الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرّف، والتبادل الثقافي، فضلاً عن محاور أخرى تتعلق بإدارة الأزمات ومكافحة الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة، وفي حماية البيئة وتعزيز حقوق الإنسان والتعليم”.
وعشية الزيارة، أعرب السوداني عن أمله في “أن يكون هناك تعاون أمني بين البلدين (…) ولاسيما في مجال التدريب وتطوير القدرات الأمنية العراقية وكذلك في مجال شراء السلاح”.
ويسعى السوداني الذي وصل إلى الحكم منذ ثلاثة أشهر، في جميع الاتجاهات للبحث عن شركاء للمساهمة في إعادة بناء قطاع الطاقة في العراق وخصوصًا شبكة الكهرباء المتهالكة ضحية الفساد المستشري في البلاد.
وجدّدت باريس وبغداد وفق نصّ الإعلان “التزامهما باستكمال المشاريع الكبرى” خصوصًا “تجديد الشبكة الكهربائية في العراق والربط الكهربائي بالأردن”، و”كذلك مشروع بناء مترو مرتفع في بغداد”، بفضل “خبرة” شركات فرنسية مثل “جي أي غريد فرانس” و”شنايدر إلكتريك” و”ألستوم”.
وأضاف نص الاعلان أن “في ما يخصّ الطاقات البديلة، فقد أبديا (ماكرون والسوداني) التزامهما بتنفيذ مشروع يشمل طاقات عديدة لتوتال إنيرجي”.
العرب