تدرك حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وكبار قادة الجيش والقوات الأمنية حاجة البلاد إلى بقاء القوات الأمريكية بـ”مهام استشارية” لفترة زمنية محددة لإعادة تأهيل القوات العراقية وتعزيز قدراتها على منع تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والحيلولة دون إعادة بناء قدراته العسكرية.
ولا يزال مقاتلو التنظيم ينتشرون في مناطق ريفية وصحراوية في كل من الجارتين سوريا والعراق بأعداد تتراوح بين ستة آلاف وعشرة آلاف مقاتل معظمهم من السوريين والعراقيين، بحسب تقرير لمجلس الأمن الدولي في يوليو/ تموز 2022.
ووفق ما تنشره منصات إعلامية مقربة من تنظيم الدولة “داعش”، تراجعت قدرات التنظيم على تنفيذ هجمات عنيفة في العامين الماضيين إلى حدود ما بين 20 و30 هجوما في الشهر على ثكنات ومواقع للقوات الأمنية والحشد الشعبي ومتعاونين مع السلطات.
وتتبنى قوى “الإطار التنسيقي”، التي تقود حكومة السوداني وتمثل أجنحة سياسية لمجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، إخراج القوات الأمريكية من العراق باستخدام القوة العسكرية أحيانا وعبر قنوات دبلوماسية في أحيان أخرى.
وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2020 أصدر مجلس النواب العراقي، الذي يمثل الشيعة الأغلبية فيه، قرارا يطلب من الحكومة الاتحادية التقدم بطلب رسمي إلى حكومات الدول التي تتواجد لها قوات عسكرية لسحبها من العراق.
وهو قرار يرى خبراء قانونيون أنه “غير ملزم” للحكومة العراقية التي لم تتقدم بمثل هذا الطلب في تلك المرحلة برئاسة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بين مايو/ أيار 2020 وأكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وخلال رئاسته للوزراء تعرض الكاظمي لضغوط كبيرة من الأجنحة العسكرية لقوى “الإطار التنسيقي” عبر تنفيذها مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على المرافق الدبلوماسية الأمريكية والقواعد العراقية التي تستضيف قوات أمريكية وأرتال الدعم اللوجستي لهذه القوات.
لكن جميع العمليات ضد القوات الأمريكية توقفت بعد أن أعلن رئيس التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، في يونيو/ حزيران 2022، سحب نوابه الـ73 من البرلمان، مما فتح الباب أمام “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة بالرغم من خسارته للانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، شكّل السوداني حكومته بتكليف من “الإطار التنسيقي” لتنتهي أزمة سياسية استمرت منذ إجراء الانتخابات وتطورت أحيانا إلى مواجهات مسلحة.
وجدد السوداني موقفه الداعم لاستمرار تواجد قوات التحالف الدولي في الحرب ضد “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، لممارسة مهام استشارية، وذلك في مقال له نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية قبيل زيارة بدأها لباريس الخميس.
وفي لقاء مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، دافع السوداني أيضا عن وجود قوات أمريكية في بلاده ولم يحدد جدولا زمنيا لانسحابها، مؤكدا أهميتها في مكافحة “داعش”.
ويعتقد السوداني أن العراق سيظل بحاجة إلى تلك القوات حتى تحقيق أهدافها في رفع القدرات القتالية للقوات العراقية وسد احتياجاتها من التدريب والتجهيز، وأن بلاده لم تعد بحاجة إلى قوات قتالية أجنبية وإنما قوات بمهام استشارية فقط.
كما يعتقد أن “القوات الأمنية العراقية وصلت إلى مرحلة متقدمة في قدرتها على محاربة الإرهاب”، وفق بيان لمكتبه بعد استقباله الثلاثاء قائد القوات المشتركة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الأدميرال ستيوارت مونش.
ويلتزم “الناتو” بتعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية من خلال تقوية المؤسسات الأمنية وتقديم الاستشارات وتدريب الضباط والجنود.
وعبر نحو 500 فرد، تقدم بعثة الحلف في العراق منذ 2018 خدمات تدريبية غير قتالية للمساعدة في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب ومنع عودة “داعش”.
وعلى ما يبدو فإن حكومة السوداني بصدد إعادة صياغة علاقاتها مع قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية عبر سلسلة من المباحثات مع الأمريكيين وقادة التحالف وقادة بعض الدول المشاركة في التحالف مثل فرنسا.
وفي 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، أكد منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك دعم بلاده لإنجاح الحكومة العراقية برئاسة السوداني واستمرار تقديم المشورة للجيش في قتاله ضد “داعش”.
ويمتلك العراق قوات تتجاوز مليون فرد في وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي وقوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان شمال البلاد، وانخرطت جميعها في قتال “داعش” بين 2014 و2018.
وبعد انتهاء العمليات القتالية الكبرى نهاية 2017 وخسارة “داعش” جميع مناطق سيطرته في العراق، انتقلت استراتيجيات الحرب على التنظيم من القتال المباشر إلى عمليات الملاحقة في مناطق تواجده في عدد من محافظات غرب وشمال غربي العراق.
ولا يزال نحو 2000 عسكري أجنبي، معظمهم من الأمريكيين، يعملون في العراق بقيادة التحالف الدولي وينتشرون في قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار (غرب) وحرير في أربيل (شمال)، وفق تقديرات.
وتتهم عواصم إقليمية وغربية، في مقدمتها واشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية منها العراق، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.
وتشير تقارير إعلامية محلية إلى وجود خلافات بين السوداني وقادة قوى “الإطار التنسيقي” سواء حول أسلوب إدارة الدولة أو العلاقات بين العراق وإيران أو العلاقات بين بغداد وواشنطن والتواجد العسكري الأجنبي أو الأمريكي في العراق.
قد لا تعترض إيران، جارة العراق، على تطوير علاقات حكومة السوداني مع الولايات المتحدة بما يخدم إعادة ترتيب علاقات طهران مع العواصم العربية الحليفة لواشنطن أو علاقات طهران بالأخيرة.
لكن قوى “الإطار التنسيقي” الحليفة لإيران أو المقربة لها تحاول فرض رؤيتها على حكومة السوداني الذي جاءت به إلى السلطة وضمان عدم خروجه عن دائرة توجهاتها في الإصرار على خروج الأمريكيين من العراق بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس في غارة أمريكية في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
ومن المتوقع أن تزداد حدة الخلافات بين قوى “الإطار التنسيقي” والسوداني الذي قد يرى أن علاقاته بالولايات المتحدة ودول الجوار العربي والإقليمي الحليفة لها تشكل ضمانة لاستمراره بالسلطة وتنفيذ برنامجه الحكومي.
ويواجه السوداني اعتراضات من مجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، مثل كتائب حزب الله العراق وحركة النجباء، على خلفية رغبته في استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق، وهو ما قد يؤدي إلى ازاحته من السلطة.
كما أن علاقات السوداني بالسفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي ولقاءاته المتعددة بها بعد تسلمه رئاسة الحكومة تثير جدلا واسعا في أوساط القوى الشيعية التي ترى أن مثل هذه العلاقات ستجعل من السوداني حليفا للولايات المتحدة بدلا من إيران.
وتخشى هذه القوى الشيعية تكرار ما كانت عليه علاقات واشنطن ببغداد في عهد الكاظمي، والتي أثارت ردود أفعال من الأجنحة العسكرية لقوى “الإطار التنسيقي” تمثلت في مئات الهجمات على المصالح الأمريكية ودول حليفة للولايات المتحدة في المنطقة.
(الأناضول)