بعد أن تجاوزت الولايات المتحدة الحد القانوني للديون في 19 يناير/كانون الثاني الجاري ببلوغها 31.4 تريليون دولار، بدأت وزارة الخزانة الأميركية في تفعيل إجراءات استثنائية لمواصلة سداد التزامات الحكومة، وتعد هذه الإجراءات أدوات محاسبة مالية تحد من بعض الاستثمارات الحكومية لتتمكن من مواصلة سداد فواتيرها، لكن بدون رفع السقف بحلول يونيو/حزيران المقبل.
وحذرت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) في تقرير لها من مغبة تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية لا تُبقي ولا تذر.
ونظرا لأن الديون الأميركية هي التي تحرك الاقتصاد العالمي بأسره، فقد تكون العاقبة أزمة اقتصادية عالمية عارمة، وفق وصف التقرير، الذي يتساءل: كيف سيمكن للصين -وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم- النجاة من الانهيار في حال حدوثه؟ وتساءل أيضا ما إذا كان تخلف واشنطن عن سداد ديونها سيمنح بكين فرصة لاستحداث نظام مالي عالمي جديد أقل اعتمادا على الدولار.
ورغم أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها أمر غير محتمل، فقد قال رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي أمس الأحد إنه سيلتقي الرئيس جو بايدن بعد غد الأربعاء لمناقشة رفع سقف الدين الاتحادي مع وضع الإنفاق الحكومي تحت السيطرة، مضيفا أن الجمهوريين لن يسمحوا بتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وفق ما أوردت وكالة رويترز.
ويقول تقرير المجلة الأميركية إنه حتى إذا أخفق الكونغرس في التوصل إلى اتفاق، فإن إدارة الرئيس جو بايدن لديها من الخيارات ما يمنع التخلف عن السداد، بدءا من الحيل المحاسبية وصولا إلى قرار تجاهل سقف الديون.
وفي حالة التخلف عن السداد، سترتفع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأميركية بشكل كبير لأن المستثمرين سيطالبون بسعر أعلى مقابل تحملهم مخاطر عدم استرداد أموالهم، بل ربما لن تكون تلك السندات قابلة للاستخدام كضامنة للسداد وذلك لأن قيمتها الأساسية لن تكون واضحة، كما يقول تقرير فورين بوليسي.
ووفقا لتقرير المجلة الأميركية، فإن أي انهيار للاقتصاد العالمي سيلحق ضررا كبيرا بالصين، رغم أن أداء اقتصادها أفضل قليلا من معظم اقتصادات البلدان الأخرى، ذلك لأنها تدير نظاما ماليا مغلقا يعتمد بشكل أساسي على المدخرات المحلية ومحميا من التقلبات الناجمة عن عدم الاستقرار المالي العالمي، من خلال فرضها ضوابط على رؤوس الأموال.
ومع ذلك، فإن تأثير تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها يظل “مدمرا”-يضيف التقرير- فقد أدى القصور في تمويل التجارة، وانهيار الطلب العالمي إبان أزمة 2008-2009 إلى تراجع الصادرات الصينية بنحو 20%، وفقدان ما يزيد على 20 مليون عامل وظائفهم.
ويرى التقرير أن حكومة الصين كان بوسعها قبل 15 عاما، التعامل مع الأزمة بإطلاق برنامج تحفيز اقتصادي ضخم ممول بالديون، لأن مستوى ديون البلاد عند 140% من الناتج المحلي الإجمالي، كان منخفضا نسبيا وكانت ما تزال لديها احتياجات كبيرة للبنية التحتية والإسكان.
واليوم، مساحة المناورة باتت أضيق بكثير، فقد ارتفع الدين الصيني إلى ما يقرب من 300% من الناتج المحلي الإجمالي، وشيدت الدولة منشآت بنية تحتية ومساكن أكثر بكثير من الطلب.
وعلى الرغم من حدة التبعات الاقتصادية على الصين بسبب تخلف الولايات المتحدة عن السداد، إلا أنها لن تهدد على الأرجح سلطة الحزب الشيوعي الصيني.
حول إمكانية إنشاء الصين نظاما ماليا بديلا مبنيا على عملتها المحلية، في حال تخلفت الولايات المتحدة عن السداد، يعتقد التقرير أن سوق سندات الحكومة الصينية ليست كبيرة بما يكفي، أو أنها لا تتمتع بسيولة كافية، أو غير مندمجة مع بقية العالم بالقدر الذي يمكّنها من أن تحل محل سندات الخزينة الأميركية.
ويبلغ حجم التداول اليومي لسوق السندات الحكومية الصينية 30 مليار دولار، أي حوالي 5% من متوسط سوق سندات الخزينة، وقد سعت الصين جاهدة إلى تدويل عملتها الرنمينبي بعد أزمة 2008-2009 التي عزتها إلى اعتماد النظام المالي العالمي إلى حد كبير على الدولار الأميركي، غير أن تلك الجهود لم تؤت ثمارها، وفق التقرير.
وإذا أرادت دولة ما استحداث نظام بديل لسوق السندات الأميركية، وللعملة الأساسية في العالم (الدولار الأميركي)، فإن المشكلة التي ستواجهها تكمن في أن عليها تحمل المخاطر التي تنطوي عليها هذه الخطوة، وفق التقرير.
ويعتقد تقرير فورين بوليسي أن السبب الذي يجعل سوق سندات الخزينة الأميركية جزءا من النظام المالي العالمي لا غنى عنه، هو أن الولايات المتحدة مستعدة لتحمل مخاطر مالية لا تجرؤ عليها أي دولة أخرى -حتى ولو كانت كبيرة مثل الصين- وأثبتت طوال عقود مضت أنها قادرة على إدارتها بأمان.
المصدر : رويترز + فورين بوليسي