أبواب الدولار العراقي مفتوحة لإيران “برا وجوا”

أبواب الدولار العراقي مفتوحة لإيران “برا وجوا”

فشلت القيود التي حاول الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فرضها على تداول الدولار في العراق، وعاد مصرف الرافدين إلى ضخ الدولار في الأسواق وتسليمها إلى فروع البنوك التي تتعامل مع إيران.

يقول مراقبون إن القيود التي قصدت تقليص التحويلات النقدية من الدولارات، لحصرها ضمن الاحتياجات المحلية العراقية، فشلت في الحد من عمليات تهريب الدولار إلى إيران. كما أن إيران تعمدت قطع إمدادات الغاز عن العراق لإجباره على تحويل قيمتها نقدا.

وعاد المصرف العراقي إلى فتح نافذة التصريف بأن عرض ما يزيد على 100 مليون دولار يوميا على البنوك التي تتعامل مع إيران، والشركات التي تستورد بضائع من إيران.

وشهدت عروض الدولار تفاوتا ملحوظا، بحسب الكميات الورقية من الدولار التي تصل إلى العراق من الولايات المتحدة.

إيران تتحكم بكل مفاصل السوق في العراق والتجارة البينية تشكل إحدى أهم وسائل تهريب الدولار

وعلى سبيل المثال، فقد طرح المصرف المركزي العراقي نحو 219 مليون دولار يوم الخامس عشر من يناير 2023، بينما طرح أكثر من 73 مليون دولار في اليوم التالي، و61 مليون دولار في اليوم الذي تلاه، إلا أنه عاد ليعرض ما يقارب 100 مليون دولار في الأيام التالية عندما استقرت التحويلات النقدية من الولايات المتحدة.

وبينما باع المصرف الدولار بنحو 1450 دينارا فإن سعر الدولار تجاوز 1650 دينارا بين البنوك وشركات الصرافة المحلية.

ويتم تسجيل عائدات النفط العراقي لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ويجري تيسير معظم التعاملات التجارية العراقية مع الخارج إلكترونيا بإشرافه المباشر، وذلك لكي تضمن الولايات المتحدة عدم وصول تحويلات رسمية إلى إيران أو سوريا، في إطار العقوبات المفروضة عليهما، إلا أن العديد من البنوك المحلية في العراق، التي تشتري الدولار (النقدي في الغالب) من المصرف المركزي، تقوم بتحويله إلى إيران نقدا، مما يعد عملا من أعمال التهريب وغسيل الأموال.

وتشير الدلائل إلى أن حكومة محمد شياع السوداني تحاول التعامل مع القيود الأميركية بوسائل أكثر تنوعا مما ظل مألوفا حتى الآن، ومنها شراء أوراق مالية وإعادة بيعها مقابل تحويلات نقدية مباشرة، وتنفيذ عقود بيع للنفط إما مقابل تلك الأوراق أو عن البيع عن طريق التهريب للحصول على أوراق نقدية كما تفعل إيران نفسها.

وفي خضم ما تتعرض له إيران من ضغوط أدت إلى انهيار قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار، فقد أصبح الحصول على دولارات جزءا من المعركة “ضد الاستكبار العالمي” من وجهة نظر الجماعات الموالية لإيران في العراق والتي تهيمن على حكومة السوداني.

وأكد رئيس تحالف الفتح هادي العامري وزعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي مساء الاثنين “دعم إجراءات الحكومة في وصول الدولار برا وجوا إلى إيران لدعم موقفها أمام الاستكبار العالمي الولايات المتحدة”.

وذكر بيان لمكتب العامري أن الأخير استقبل في مكتبه ببغداد الخزعلي وأن “اللقاء بحث آخر المستجدات السياسية والاقتصادية، وتم التأكيد على الاستمرار في دعم الحكومة لإنجاح برنامجها الداعم لمشروع المقاومة واستمرار تدفق الدولار إلى إيران برا وجوا لدعم مطاولتها أمام الشيطان الأكبر الولايات المتحدة”.

وتمتلك جماعات الحشد الشعبي بنوكا خاصة بها. وهي تتلقى أموالا حكومية بصفة رسمية لتغطية مرتبات أعضائها وتسليحها فضلا عن تعاملاتها الخاصة مع إيران. ويجري تحويل جانب من هذه الأموال إلى دولارات لتحويلها إلى إيران، إما إلى حسابات تابعة للحرس الثوري الإيراني، أو لحسابات شخصية تابعة لقيادات الميليشيات.

إيران تتحكم بكل مفاصل السوق في العراق والتجارة البينية تشكل إحدى أهم وسائل تهريب الدولار

وقام المصرف المركزي بتوسيع عدد منافذ البنوك لبيع العملة الأجنبية من 10 إلى 20 بنكا، لتلبية الطلب المتزايد على الدولار، وهو طلب إيراني بالدرجة الأولى.

وتشكل التجارة البينية إحدى أهم وسائل تهريب الدولار إلى إيران. فالشركات التي تخضع لسيطرة الميليشيات تستورد من إيران معظم البضائع التي تعرض في الأسواق العراقية، لكي يتم تحويل عائداتها إلى إيران في النهاية. وهي أعمال تبدو “مشروعة” من الناحية القانونية، إلا أن الهدف الرئيسي منها هو إيجاد وسائل لتمويل إيران.

ويبلغ حجم صادرات إيران من البضائع غير النفطية إلى العراق 8.9 مليار سنويا بحسب مدير عام الجمارك الإيرانية محمد رضواني فر، الذي قال الخميس الماضي إن صادرات البلاد من السلع غير النفطية حققت رقما قياسيا بلغ 45.3 مليار دولار خلال 10 أشهر فقط.

ولم تقنع الضغوط التي مارسها مصرف الاحتياط الفيدرالي على التحويلات النقدية خلال الأسابيع الماضية، إيران بأن العراق عاجز فعليا عن تسديد فاتورة الغاز، فقررت قطع إمدادات الغاز كليا، الأمر الذي تسبب بنقص في معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية بمعدل 7500 ميغاواط، منها 4500 ميغاواط في بغداد، وذلك من إجمالي 24 ميغاواط يستهلكها العراق.

الحكومة العراقية تحاول التعامل مع القيود الأميركية بوسائل أكثر تنوعا مما ظل مألوفا حتى الآن

ولقد تذرعت إيران بإجراء أعمال صيانة على الأنابيب، وذلك على غرار ما تذرعت به روسيا، عندما قررت تقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا في خضم العقوبات والعقوبات المتحدة بسبب الحرب في أوكرانيا.

وأعلن وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل أن “المفاوضات مع السعودية والأردن وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي قطعت أشواطا متقدمة للوصول إلى الربط الثنائي للطاقة الكهربائية”. إلا أن إيران لا تشعر بالقلق من هذا الجانب لأنها تمتلك نفوذا على الحكومة العراقية، يسمح لميليشياتها، في أي وقت من الأوقات، بأن تقطع إمدادات الكهرباء المستوردة من الخارج لصالح بقاء الاعتماد على الغاز الإيراني، لكي يواصل التدفق، كما يتدفق الدولار إلى إيران “برا وجوا”.

ويقول مراقبون إن الاحتياطي الفيدرالي يستطيع الآن أن يكتشف أنه خاض معركة خاسرة لأن إيران تتحكم بكل مفاصل السوق في العراق، ما يجعل محاولاته تفشل بالنظر إلى أن هذه السوق سوف تصاب بالشلل مما يسبب أزمة أكبر من مجرد أزمة انخفاض سعر الدينار في مقابل الدولار.

وفضلا عن البنوك التي تنجز معاملاتها لصالح إيران وتحويلات الميليشيات التابعة لإيران، فإن هذه الميليشيات تستطيع أن تفرض على الحكومة المشاركة في المعركة “ضد الاستكبار العالمي” بتيسير التحويلات إلى إيران.

العرب