فرضت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حظر تجوال كاملاً في مدينة الرقة أمس الثلاثاء، وذلك في سياق حملة تفتيش واسعة للمنازل، بحثاً عن أسلحة ومطلوبين بدأت قبل أيام في عموم المحافظة، التي تحظى منذ العام الماضي باهتمام كبير من قبل الأميركيين.
وشرعت “قسد” أمس الثلاثاء بحملة تفتيش واسعة النطاق في منازل المدنيين داخل مدينة الرقة، مع فرض حظر تجوال يبدأ صباحاً وينتهي في المساء، عقب حملة مشابهة جرت الأحد والاثنين في مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي.
وبحسب شبكات إخبارية محلية، سُجّلت العشرات من حالات السرقة من المنازل التي فُتِّشَت في مدينة الرقة وأريافها خلال الساعات الـ72 الماضية من قبل عناصر “قسد”، مشيرة إلى أن السرقات هي مبالغ مالية بالعملات الأجنبية والمجوهرات والأجهزة الإلكترونية.
حملة أمنية بشعار ملاحقة “داعش”
وكانت “قسد” قد بدأت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، عملية أطلقت عليها اسم “الانتقام لشهداء الرقة”لملاحقة خلايا تنظيم “داعش”، في مناطق الرقة والطبقة والمنصورة والكرامة وصرين (ريف حلب الشمالي الشرقي).
لكن إبراهيم. ع، وهو أحد النشطاء في ريف الرقة، رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن “قسد تحاول من خلال هذه العملية لفت الانتباه الإعلامي والشعبي عن الجريمة التي ارتكبها أحد عناصرها الشهر الماضي في مدينة الرقة بقتله امرأة حاملاً وابنتها”.
ولم ينكر أن هذه القوات ضبطت أسلحة ومخدرات وقبضت على مطلوبين خلال الحملة، غير أنه لفت إلى حدوث حالات سرقة في أثناء التفتيش، وترويع للمدنيين، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الفلاحين تضرر بسبب الحصار الذي يُفرض على المدن مثل الطبقة والرقة، بسبب عدم قدرة هؤلاء الفلاحين على إدخال محاصيلهم إلى الأسواق.
ناشط: “قسد” تحاول من خلال العملية لفت الانتباه الإعلامي والشعبي عن الجريمة التي ارتكبها أحد عناصرها الشهر الماضي في الرقة
وأشار إلى أن “قسد” فرضت حصاراً مطبقاً على مدينة الطبقة و”لم يعد أحد يستطيع الدخول إليها، حتى المرضى”، مضيفاً: “هناك استياء وغضب لدى أهالي المحافظة بسبب تجاوزات “قسد” بحقهم، وعدم مراعاة العديد من التقاليد في هذه المحافظة التي تحكم أهلها أعراف عشائرية، وتجاوزها يولّد غضباً واسعاً”.
وكان عنصر من “قسد” قد قتل مع شريكة له، منتصف الشهر الماضي، امرأة في العقد الثالث، كانت حاملاً، طعناً بآلة حادة، وابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات. ويطالب الأهالي بإعدام القاتل الذي اعترف بجريمته مع شركاء له بدافع السرقة.
وأكد كاتب في مدينة الرقة، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المحافظة “خالية من أي خلايا من التنظيم”، مشيراً إلى أن المحافظة “تحتاج اليوم إلى مشروعات إعمار ما تهدم من أبنيتها ومراكزها الحيوية، وليس إلى حملات ترويع لسكانها”.
وأمل أن يكون الاهتمام الأميركي بمحافظة الرقة “مقدمة لإعادة الإعمار وخلق فرص العمل للتخفيف من تبعات الأزمات المعيشية التي يعاني منها الناس”، مضيفاً: “آن الأوان ليكون لأهل الرقة دور حقيقي في إدارة شؤون المحافظة”. ورأى أن غياب هذا الدور يفتح الباب أمام عودة النظام التي يرفضها أغلب السكان لأنها تعني المزيد من الموت في المحافظة التي عانت كثيراً منذ عام 2014.
وبيّن الكاتب أن الرقة “كانت سلّة غذاء سورية، لكن سكانها يعانون اليوم حتى في توفير رغيف الخبز، على الرغم من أنهم ينتجون عشرات آلاف الأطنان من القمح سنوياً”، مضيفاً: “الأولى بقسد القيام بحملات ضد الفساد في مفاصل المحافظة الإدارية”.
اهتمام أميركي بالرقة
إلى ذلك، طفا على السطح أخيراً اهتمام أميركي بمحافظة الرقة، بعد انسحاب القوات الأميركية منها أواخر عام 2019 على خلفية عملية عسكرية تركية ضد “قسد” في منطقة شرق نهر الفرات. وزار مدينة الرقة السبت الماضي المبعوث الأعلى للولايات المتحدة في شمال سورية، نيكولاس غرينجر، والتقى العديد من الفعاليات المدنية والعشائرية.
زار المبعوث الأميركي في شمال سورية، نيكولاس غرينجر، مدينة الرقة، والتقى العديد من الفعاليات المدنية والعشائرية
وذكر الرئيس المشترك لمجلس الرقة المدني، محمد نور الذيب، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المجلس طرح على المسؤول الأميركي “التحديات التي تواجهنا في ظل نقص الإمكانات وبنية تحتية مدمرة”، مشيراً إلى أن مدينة الرقة “تضم نحو مليون نسمة، وهذا يولد أعباءً أمنية وخدمية ثقيلة”.
ولفت إلى أن المسؤول الأميركي “أكد أن زيارته رسالة واضحة بأن الأميركيين موجودون في المنطقة، وأن الشراكة في محاربة “داعش” ما زالت مستمرة”، مضيفاً: “طالبنا بدعم قطاعات الصحة والتربية، والكهرباء، وتأهيل البنى التحتية، والانتقال من الدعم الإسعافي الموجود اليوم من خلال السلل الغذائية إلى دعم مشروعات لبناء الاستقرار في المحافظة من الناحتين الاقتصادية والأمنية”.
وأشار إلى أن المسؤول الأميركي التقى عدداً من شيوخ العشائر والوجهاء في المحافظة، لافتاً إلى أنه جرت إثارة انخفاض منسوب نهر الفرات بسبب حجب الجانب التركي للمياه، كذلك أثار الشيوخ مع المسؤول الأميركي المخاوف من التمدد الإيراني في سورية.
وكانت القوات الأميركية قد أقامت العام الماضي قاعدة عسكرية تضم مهبط طيران، في مقرات الفرقة 17 التي كانت تابعة لقوات النظام والواقعة على الطرف الشمالي لمدينة الرقة. وأقامت قاعدة أخرى جنوب مدينة الرقة أواخر العام الماضي، إضافة إلى وجود استخباراتي في مدينة الطبقة.
وفي السياق، رأى الناشط المدني في محافظة الرقة فراس ممدوح الفهد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “زيارة المسؤول الأميركي مؤشر إيجابي على تغيير في الرؤية الأميركية لمنطقتنا”.
وأشار إلى أن الزيارة التي “أعقبت فتح قواعد أميركية عديدة في مناطق الرقة المختلفة، تؤكد أن إدارة الرئيس جو بايدن اتخذت قرار إبقاء القوات الأميركية لفترة طويلة في مناطقنا لتعزيز دعم الاستقرار للمنطقة ودعم مجلس الرقة المدني، وإعادة هيكلته”.
العربي الجديد