رأى تقرير لصحيفة «نيوزويك» الأمريكية أن اكتشاف منطاد تجسس صيني في المجال الجوي الأمريكي يعيد الولايات المتحدة إلى وضعية تشابه الحرب الباردة حين كانت المناطيد والقمر الصناعي سبوتنيك السوفييتية تدق أجراس الإنذار لدى الأمريكيين، وخصوصا لكونه اكتُشف في مونتانا، وهي منطقة تضم واحدا من ثلاثة مواقع تحت أرضية للصواريخ النووية الأمريكية.
دفعت الحادثة الأخيرة بعض المتخصصين بالشأن الصيني للحديث عن العودة لاستخدام إحدى أدوات الحرب الباردة في حقبة تجدد التنافس بين القوى العظمى، كما جعلت بعض الساسة الأمريكيين المحافظين يطلقون تصريحات عن «الخطر الوجودي الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني» على أمريكا، فيما وجد الرئيس السابق دونالد ترامب في الواقعة مناسبة لمهاجمة سياسة الرئيس الحالي جو بايدن، متسائلا عن سبب عدم إسقاطه المنطاد.
كان الحدث مناسبة لمعرفة أن الصين تقوم بهذه العمليات منذ سنين طويلة، وللإشارة إلى التوجّس الأمريكي الكبير من سياسات بكين، وخصوصا حين يتعلق الأمر بالتجسس عبر المجال الجوي، أو عبر تقنيات الانترنت الحديثة، مثل «الجيل الخامس» من الانترنت، وشركات تصنيع الهواتف النقالة، وحتى التطبيقات الالكترونية مثل «تيك توك».
شركة التطبيق الشهير اعترفت، في كانون أول/ديسمبر الماضي أنها استخدمت التطبيق للتجسس على مراسلين صحافيين أمريكيين للتوصل إلى معرفة مصادر تقاريرهم، وأن المعلومات تلك وصلت إلى مقرات الشركة في الصين واستخدمت لملاحقة الإعلاميين، وأدى هذا الكشف إلى استقالة المدير الصيني الذي أشرف على العملية، وإلى طرد المسؤول عن مراقبة المحتوى في أمريكا، وإلى متابعة التحقيق معها من قبل لجنة الاستثمار الخارجي في الكونغرس، كما ساهمت حادثة المنطاد الأخيرة في تجديد الهجوم على التطبيق، واتهامه بكونه يشكل خطرا أمنيا، وأن على السلطات حظره، وقد قدمت مسؤولة أمريكية عن ولاية فلوريدا مشروع قانون لمنعه بالفعل.
الأغلب أن التطوّر الهائل في وسائل المراقبة والتجسس عبر التقنيات المذكورة يجعل من استخدام المنطاد، وكشفه، طريقة لإعلان القوة الصينية أكثر من كونه أداة مهمة للتجسس، وتزامن هذا الكشف مع موعد الزيارة التي كانت مقررة (وتم تأجيلها بسبب الحادثة) لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن إلى بكين، يمكن اعتباره ضغطا صينيا غير تقليدي، وهو أمر تقوم الإدارة الروسية باستخدامه بطرق متكلّفة، مثل تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعماء أوروبيين بالتصفية بصاروخ، كما أكد بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وآخرون، أو عبر تأخر بوتين قصدا عن الاجتماع، أو عبر إدخال كلب خلال اجتماع لزعيم الكرملين مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، لمعرفته برهاب الكلاب عندها!
أمام تأكيد الأمريكيين بأن المنطاد هو أداة مراقبة يستخدم تكنولوجيا عالية، وحديث بعض المختصين العسكريين عن كونه يعمل على مراقبة حركة المعلومات على شبكة الهواتف النقالة، قدّمت وزارة الخارجية الصينية «تفسيرا» لوجود المنطاد باعتباره أداة لتجميع المعلومات حول الطقس وأنه انحرف بعيدا عن مساره المحدد بسبب الرياح وإمكانيات التحكم الضعيفة فيه، وهو تفسير يمكن تشبيهه بالتبريرات الروسيّة لحوادث مشابهة (الإعلام الرسمي الصيني اعتبره «نظرية مؤامرة») غير أن الاعتذار الذي رافقه، وكذلك امتناع إدارة بايدن عن إسقاط المنطاد، يعني أن الطرفين لا يريدان رفع وتيرة التصعيد بينهما.
تشير الواقعة إلى وجود أسباب عديدة لدى واشنطن وبكين لتصعيد النزاع بينهما، يقف على رأسها موضوع تايوان، وكذلك الدعم الصيني لروسيا وإيران وكوريا الشمالية، ورغم أن تجديد ولاية ثالثة للزعيم الصيني شي جيبينغ يمكن أن يدفع أكثر بهذا الاتجاه، فإن هناك «رياحا» أخرى، تقف المصالح الاقتصادية الكبرى في مقدمتها، يمكن أن تحرّك «منطاد العلاقات» نحو أماكن أقل توترا.
القدس العربي