هل يستطيع نتنياهو حمل 3 بطيخات في يد واحدة؟

هل يستطيع نتنياهو حمل 3 بطيخات في يد واحدة؟

مثلما في حالات سابقة، فإن الهجوم في إيران هذا الأسبوع هو الآخر يشعل الخيال. وهذا لا يعود فقط إلى حقيقة أن الإيرانيين أصيبوا بمفاجأة تامة أمام ما بدا كضربة دقيقة لذخر استراتيجي يملكه، بل قدرة المهاجمين على الربط بين المعلومات والسلاح للوصول إلى حملة ناجحة في جبهة العدو الداخلية.
لم تكن هناك حاجة إلى وقت طويل كي يوجه إصبع الاتهام لإسرائيل. صحيح أن هناك من ادعى أن الولايات المتحدة هي التي تقف خلف العملية، لكن واشنطن تنكرت وأشارت “بتسريب للصحافيين” إلى إسرائيل. هذا يدل على استراتيجية أمريكية شائقة: من جهة، لا تريد واشنطن الصدام مع إيران علناً كي لا تخاطر بضرب ذخائرها في الخليج الفارسي، وبالمقابل تتعاون مع إسرائيل بكل وسيلة – من تبادل المعلومات والتعاون العملياتي وحتى المناورات المشتركة (بما فيها مناورة كبرى أجريت في المنطقة قرب موعد الهجوم تماماً)، بينما العدو المشترك الواضح والمعلن هو إيران.
يخيل أن إسرائيل لم تتأثر من المسؤولية شبه الرسمية التي ألقيت على “الموساد” باعتباره المسؤول عن الهجوم. وهذا لا يعود فقط إلى وجود دول قليلة جداً قادرة على تنفيذ هجوم موضعي كهذا في قلب إيران، ولا بأن إيران ستتهم إسرائيل في كل شيء – من هجمات عسكرية، وتشجيع الاحتجاج، وتصاعد التضخم المالي. فضلاً عن كل هذا، ترغب إسرائيل في تطوير صورة علنية من اتخاذها سياسة عنيفة ضد إيران، على أمل أن تساعدها هذه في خلق ردع مهم في مسألة النووي.
الهدف: ضعضعة الأمن الإيراني
احتلت المسألة الإيرانية مكاناً مركزياً أيضاً في المحادثات التي أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن هذا الأسبوع في البلاد. تحاول إسرائيل إقناع الولايات المتحدة، ومن خلالها الغرب كله، لاتخاذ سياسة عنيفة أكثر تجاه إيران، حالياً بنجاح محدود. المهنيون على جانبي الأطلسي يرون هذا التهديد، لكن القيادات السياسية تحلل معانيه بشكل مختلف.
تعتقد إسرائيل بأن الأشهر القادمة حرجة لكبح الإيرانيين. وتلقى الأمور إسناداً على خلفية المعطى الذي كشفه رئيس الأركان المنصرف أفيف كوخافي، بأن إيران تستخدم مجموعة سلاح سرية. ومع أنه أوضح بأن الأعمال المحظورة هذه تنفذ على نار هادئة، لكن وجودها ضوء أحمر مزدوج: أولاً، لأن إيران تتخذ خطوات فاعلة للتقدم ليس فقط في مسار جميع اليورانيوم المخصب، بل ونحو القنبلة نفسها؛ وثانياً، لأنها تدل على أن إيران تقدر بوجود مجال مناورة لها للعمل دون أن تدفع ثمناً على ذلك، وبكلمات أخرى – أن الردع الدولي تجاهها محدود.
هذه هي نتيجة الحرب في أوكرانيا؛ فعقب تزويد المسيرات في روسيا، والتي يفترض أن ينتج بعضها في المصنع الذي تعرض للهجوم هذا الأسبوع، وضع إيران في بؤرة مصالح موسكو، ودروس الحرب – وعلى رأسها حقيقة أن السلاح النووي يعطي للدولة حصانة، وأخذه منها يعرض استقلالها للخطر – عززت إيمان طهران بأن النووي ضمانة لحكم خالد، وربما لتوسيع الثورة الإسلامية وتحقيق أهداف استراتيجية أخرى. إذا ما كان لإيران لا سمح الله سلاح نووي، فإن الميزان الإقليمي كله سيتغير، ودول أخرى، من السعودية ومصر وحتى تركيا، سترغب في التسلح بالنووي، ما يجعل الشرق الأوسط بيت مجانين كبيراً.
إسرائيل معنية بضعضعة الأمن الإيراني من خلال الهجمات. صحيح أن العملية الأخيرة لم توجه ضد المشروع النووي، لكنها كانت جزءاً من معركة مرتبة ومعلنة، غايتها ضرب إيران في كل مكان وبكل وسيلة. هذه السياسة تتشارك فيها حكومات إسرائيل الأخيرة كلها: أرجلها عند شارون وأولمرت وفي حكومات نتنياهو السابقة، وتواصلها لدى بينيت ولبيد وفي الحكومة الحالية. من يعتقد أن الهجوم في أصفهان يدل على تغيير في السياسة، يعد خارج المهنة. لأن المطلوب لها أشهر من الإعداد – من جمع المعلومات وحتى تحسين القدرات العملياتية، التي حسب الادعاء الإيراني، تمت من الأراضي الكردية في العراق.
ليس على الخبز وحده
يمكن الافتراض بأن الأمريكيين لم يتفاجأوا بهذا الهجوم. ليس لمجرد العلاقات الحميمة التي تحرص الدولتان عليها في مثل هذه الأمور، نتيجة التعاون، والتعلق المتبادل والثقة العالية فحسب، بل لأن أحداً في القدس ما كان ليتجرأ على المخاطرة بحادثة زائدة في أثناء زيارة بلينكن. ليس لأن إسرائيل بحاجة لضوء أخضر من واشنطن، لكن معقول أنها تلقت على الأقل غمزة وابتسامة صغيرة – إن لم يكن قبل العملية، فبالتأكيد بعدها.
لكن الضيف اهتم بأمور أخرى. مع كل الأهمية التي توليها إسرائيل لإيران، فإن واشنطن قلقة أكثر مما يحصل عندنا. بخلاف الانطباع الذي حاولت إسرائيل خلقه، اهتم الأمريكيون بموضوع الحوكمة والديمقراطية، وبتوسع. فهو يطرح في كل اللقاءات، وكي يتأكد من أن إسرائيل تدرك الرسالة، أبقى بلينكن في البلاد فريقاً من وزارة الخارجية لأجل الرقابة.
يمكن خوض نقاش كامل حول هذا النشاط الأمريكي، وكم هو مشروع في إطار تدخل دولة في شؤون دولة سيادية أخرى. هذا نقاش أكاديمي مشوق، لكه نقاش من طرف واحد. لا شيء كتب أو قيل هنا يقنع الأمريكيين للتعفف عن هذا التدخل؛ هم يرون هذا كجزء من حمايتهم لمصالحهم، وقد فعلوا وسيفعلون هذا في دول أخرى أيضاً (وأحياناً بتشجيع متحمس من إسرائيل).
صحيح أن الأمريكيين لا يقولون هذا صراحة، لكنهم ينظرون إلى صورة واسعة تضم إيران والفلسطينيين، ودول الخليج والحوكمة. وفي هذا غير قليل من السذاجة؛ فالزيارة الحالية أيضاً ختمها وزير الخارجية الأمريكي، مثلما فعل كل أسلافه في العقود الثلاثة الأخيرة، في لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، على أمل أن يقوم الطرفان بخطوات لبناء الثقة. هذه كلمات مهمة، لكنها منقطعة عن الواقع المتصلب الذي سجل الشهر الأكثر دموية منذ سنين. ستكون هناك حاجة لأكثر من أمل لتغييره، وينبغي للمرء أن يكون متفائلاً كي يؤمن بأن هذا قد يحصل في المستقبل المنظور ودون أن يمر قبل ذلك بمسار التصعيد والدم.
ولا تزال هناك حاجة للنظر إلى سياق الرسالة الأمريكية الواسع. يخيل أن إسرائيل تفوت هذا أو تأمل بأنها مع ذلك ستتمكن من عمل كل شيء: أن يديروا معركة مع إيران، وفي الوقت نفسه أن يتخذوا خطوات من جانب واحد في “المناطق” [الضفة الغربية] وأن ينفذوا انقلاباً قضائياً أيضاً. كما هو الحال دوماً، الواقع سيلطم وجه إسرائيل. فالتأجيل الذي لا ندري كم عدده لإخلاء الخان الأحمر، يدل على أن الواقع أقوى من كل الوعود.
لا حاجة لإسرائيل بأن تمتنع عن اتخاذ سياسة، لكن عليها أن تعمل بعقل ومسؤولية. إلغاء الخبز للسجناء الأمنيين أمر مهم، لكن يبدو أنه مفيد لصورة وزير الأمن القومي أكثر مما لنوم سكان غلاف غزة ليلاً. واقع متفجر على نحو خاص في كل الجبهات يجدر بالحكومة أن تقرر فيه سلم أولويات واضح، وتأمل بموجبه، وألا تحمل على عاتقها مسائل أكثر من قدرتها على الاحتمال.

القدس العربي