ترى بعثة الأمم المتحدة لدى العراق أن إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية خلال الفترة المقبلة أمر مهم وأن البلاد بحاجة إلى دعم دولي وداخلي لتنفيذه، خصوصاً بالنسبة إلى أزمة تراجع قيمة الديناروالقيود التي فرضها البنك الفيدرالي على بيع الدولار منذ شهرين.
هذا الأمر كان واضحاً في إحاطة رئيسة بعثة “يونامي” بالعراق جنين بلاسخارات أمام مجلس الأمن الدولي عندما حذرت من عواقب تأخير الإصلاح الاقتصادي والنقدي والمالي الذي تبدو البلاد بحاجة إليه وطال انتظاره.
وأشارت إلى موجة القلق الواضحة في العراق خلال الآونة الأخيرة إثر ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، مما زاد الضغط على النساء والرجال العراقيين بشكل يومي.
وكان البنك المركزي العراقي اتخذ إجراءات بضغط من البنك الفيدرالي الأميركي والمنظمات الدولية لتغيير آلية بيع الدولار، خصوصاً مبالغ الاستيراد والتصدير، وجعلها منسجمة مع التطورات المالية والمصرفية في العالم، مما أدى إلى زيادة سعر الصرف إلى حدود 1800 دينار للدولار الواحد بزيادة كبيرة عن السعر السابق الذي يبلغ 1470 ديناراً.
هذه الدعوات الجدية إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية بعدما بلغت الأوضاع في العراق مستويات خطرة تهدده بعودة الاحتجاجات من جديد في غالبية مناطقه، وجدها نواب ضرورة لا بد منها للحفاظ على استقرار البلاد.
إنقاذ الاقتصاد
في السياق، أكد عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر على ضرورة إجراء جملة إصلاحات لإنقاذ الوضع الاقتصادي وقال إن “الإصلاحات التي تتحدث عنها الأمم المتحدة والتي المفترض أن تنفذ تتمثل في ضرورة إرسال الموازنة وتطبيق المنصة الإلكترونية ومحاربة الفساد وتحديث النظام الاقتصادي المعمول به”، مبيناً أن “هذا النظام متبع منذ ستينيات القرن الماضي وموازنتنا عبارة عن موازنة بنود”. وأضاف أنه منذ تأسيس الحكومة العراقية عام 1921 والموازنة عبارة عن موازنة بنود والعالم بأجمعه تجاوز هذا النظام، مشدداً على ضرورة هيكلة النظام المالي الذي يعد أهم النقاط التي ينبغي العمل عليها، وكذلك تحسين السياسة المالية والنظام المصرفي، فليس من المعقول سرقة 3.75 تريليون دينار (2.5 مليار دولار) واكتشافها بعد أشهر ليدل ذلك على وجود نظام نقدي فاشل في الدولة العراقية.
وأشار كوجر إلى أن كل دول العالم تطبق نظام “سويفت” ما عدا الدول التي هي خارج النظام النقدي العالمي، مشيراً إلى أن هناك إمكانية لتطبيق هذا النظام في العراق على رغم شكوكنا بوجود رغبة في ذلك.
تحرير ميزان المدفوعات
من جهة أخرى، كشف مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح عن توجه البلاد نحو تحرير أوسع لميزان المدفوعات ورفع القيود المفروضة والمقيدة على كثير من معاملاته مع الخارج لأسباب موروثة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تتضمن تحرير التحويلات بالعملة الأجنبية بشكل مرن ومنظم عبر النظام المالي الدولي الرصين والمؤسسات المصرفية الدولية الرفيعة المستوى.
وقال صالح إن هذا الأمر سيوفر مساحة عالية من الحوكمة والشفافية في علاقات العراق المصرفية والمالية مع العالم الخارج، ويحقق استقراراً أوسع في سوق الصرف، مبيناً أنه من الضروري أن تتناسب هذه الإجراءات مع احتياطات البلاد بالعملة الأجنبية التي لامست 115 مليار دولار وهي الأعلى في تاريخ العراق المالي.
ورجح أن تشهد البلاد استقراراً في سوق الصرف خلال الأيام المقبلة.
مهلة ضرورية
بدوره رأى المتخصص في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش “ضرورة التفاوض مع البنك الفيدرالي الأميركي من أجل طلب مهلة وإجراء إصلاحات داخلية”. وقال إن “دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ على عدد من الدول منها إيران وسوريا ولبنان ضيق الخناق على الدولار العراقي”.
وأعرب عن أسفه “من وجود شخصيات غير مناسبة في مراكز رسم السياسة المالية العراقية وعدم وجود إصلاحات حقيقية، مما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف الرسمي في البلاد بنسب كبيرة وولد حالاً من التذبذب النقدي وعدم الحرص على الدينار”.
وأضاف أن زيادة سعر الصرف تعود لغياب تنسيق حقيقي مع الفيدرالي الأميركي الذي بدا واضحاً بعد تطبيق المنصة واستبعاد مصارف وطلب فواتير شراء وبيع.
وشدد حنتوش على ضرورة التفاوض مع الفيدرالي الأميركي وطلب مهلة لا تقل عن سنة للسيطرة على السوق، فضلاً عن إجراءات داخلية تتمثل في معالجة موضوع المخلص والتجار الذين لا يمتلكون فواتير، على رغم أنهم تجار حقيقيون.
وأشار إلى أن التجار يتخوفون من الضرائب والمنافذ الحدودية والجمارك ومسجل الشركات، مما يعمل على الاتجاه نحو المخلص الذي يعمد إلى دفع رشى.
السلم الأهلي
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي إن الأمم المتحدة تعتقد بأن سوء الوضع الاقتصادي يؤثر في السلم الأهلي في العراق.
وأوضح أن “الحياة الاقتصادية في البلاد مرتبطة بسلة العملات العالمية، أهمها الدولار الذي أسهم خلال الأيام الماضية في خلق حال من الاحتقان بالشارع بسبب ارتفاعه بالتزامن مع إجراءات حكومية للمعالجة”.
وأضاف أن الأمم المتحدة ممثلة ببلاسخارت وغيرها أشارت إلى أن الإجراءات والإصلاحات من قبل الحكومة العراقية بحاجة إلى تعزيز، لا سيما في قضية السيطرة على المنافذ الحدودية وبعض الموانئ وعلى المؤسسات الاقتصادية، خصوصاً شركات التحويل المالي.
دينار مكدس
وأوضح الفيلي أن تطبيق نظام “سويفت” الأميركي أحرج جهات كثيرة كانت تحول الأموال من دون رقابة واتجهت إلى شراء الدولار من الأسواق، مبيناً أن كثيراً من القوى تمتلك منازل كاملة مكدسة بالعملة العراقية وبدأت تدفعها باتجاه السوق وهي تشتري الدولار الأميركي بصورة كبيرة.
وتابع أن الإجراءات الحكومية المتمثلة في ضرب عصابات تهريب الدولار أسفرت عن القبض على عدد من تلك العصابات وهناك عدد من عمليات المتابعة في الوسط والجنوب وغيرها، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تريد أن يذهب العراق باتجاه إجراءات أوسع تتعلق بالسيطرة على المنافذ الحدودية غير الرسمية.
ولفت إلى أن المصادر تتحدث عن وجود أكثر من 24 معبراً غير رسمي يتم من خلالها تهريب الأموال، مما يؤدي إلى وصول الدولار العراقي لدول الجوار ودول ما وراء الجوار، مبيناً أن ما يرسل من قبل الفيدرالي الأميركي إلى بغداد يذهب لجيوب الفاسدين بمؤسساتهم الاقتصادية ما وراء تلك الحدود.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك تنسيق عال مع الإقليم لمتابعة الطرق غير الرسمية التي يسلكها مهربو الدولار، لافتاً إلى أن حجم الأموال المهربة كان واضحاً بعد انخفاض المبيعات من 300 مليون دولار إلى حدود 50 إلى 70 مليون دولار، مما يعني أن ثلثي الأموال كانت تتجه للتهريب.
اندبندت عربي