ثمة عاملان رئيسان ساهما في تقليص ثم تبدل أولويات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في ما يتعلق بالتعامل مع إيران، الأول التعنت والمراوغة الإيرانية أثناء مباحثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، أما الثاني فهو الحرب الروسية – الأوكرانية، والضرورة الملحة لاتخاذ خطوات فعالة للتعامل مع برنامج الطائرات من دون طيار الإيرانية التي تصل إلى الروس لتهاجم أوكرانيا، إذ باتت طريقة الحصول على مكوناتها وتصنيعها وإمدادها لروسيا الأولوية الأمنية الملحة للإدارة الأميركية وشركائها في أوروبا، لذا ستتناول السطور المقبلة الجهود المبذولة من قبل واشنطن لتعطيلها، لا سيما بعد اكتشاف أن نحو 82 في المئة من مكونات الطائرات المسيرة جاءت من شركات أميركية.
المسيرات الإيرانية أولوية
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا التي لها تداعيات على أمن أوروبا والعلاقة مع روسيا، عملت إيران على توظيف الحرب بأن يكون لها دور نشط أوسع خارج إقليم الشرق الأوسط، لتمتد أوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة واشنطن إلى الساحة الأوروبية، وعملت على توسيع الشراكة العسكرية مع روسيا وإمدادها بالطائرات المسيرة التي تهاجم بها البنية التحتية الأوكرانية، هنا تحولت المسيرات الإيرانية إلى تحد للأمن الأوروبي والموقف الأميركي ضد روسيا.
ومع استمرار تدفق العسكريين الإيرانيين والمسيرات الإيرانية إلى شبه جزيرة القرم والتعاون مع روسيا، فرضت بعض الدول الأوروبية وواشنطن عقوبات على أشخاص وكيانات إيرانية مرتبطة بتصنيع المسيرات الإيرانية، بينما عملت إيران على نفي مساندة روسيا في الحرب، ثم زعمت على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان أنها منحت المسيرات لروسيا قبيل اندلاع الحرب، وأخيراً صوت البرلمان الأوروبي على إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، بل وتدرس بعض الدول الأوروبية حالياً إمكانية تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية.
وتعمل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي منذ يونيو (حزيران) الماضي على تعديل قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات CAATSA، إذ وافقت اللجنة على قانون رقم 6089 المتعلق بإيقاف الطائرات من دون طيار الإيرانية. ويستهدف التعديل منع إيران وأية جماعات إرهابية أو ميليشيات متحالفة معها من الحصول على طائرات من دون طيار.
صناعة أميركية
عندما فحصت الطائرات الإيرانية التي سقطت في أوكرانيا، تبين أن 82 في المئة من مكوناتها تم تصنيعها بواسطة شركات مقرها الولايات المتحدة، فشكلت إدارة بايدن فريق عمل للتحقيق في كيفية وصول المكونات الأميركية والغربية، بما في ذلك الإلكترونيات الدقيقة الأميركية الصنع، إلى المسيرات الإيرانية التي تطلقها روسيا بالمئات على أوكرانيا.
من بين المكونات معالجات صنعتها شركة تكساس إنسترومنتس للتكنولوجيا ومقرها دالاس، إضافة إلى محرك من إنتاج شركة نمساوية، مما يعني أن المنتجات المخصصة للاستخدام المدني يمكن تعديلها بسهولة للأغراض العسكرية، وغالباً ما تقع خارج حدود العقوبات وأنظمة مراقبة الصادرات، بل إن كثيراً منها يتم بيعه عبر الإنترنت. كما تستخدم إيران شركات واجهة لشراء معدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يكون لها استخدام مزدوج، مثل المحركات النمساوية تلك، التي يمكن لطهران استخدامها بعد ذلك لبناء طائرات من دون طيار.
ويضم فريق التحقيق ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والعدل والتجارة والخزانة، ويشرف مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض على هذا الجهد كجزء من نهج شامل أكبر للتعامل مع إيران، وأصبحت قضية الطائرات من دون طيار ملحة بشكل خاص بالنظر إلى الحجم الهائل للمكونات المصنوعة في الولايات المتحدة.
تعمل الولايات المتحدة الآن على تعقب سلاسل التوريد الخاصة بصناعة الإلكترونيات الدقيقة والرقائق وأشباه الموصلات والأجهزة الصغيرة، التي تعتمد بشكل كبير على الموزعين والبائعين من أطراف أخرى، وباتت وواشنطن تدرك أن العقوبات قد لا تكون كافية لمنع إيران من الحصول على التكنولوجيا الغربية لبناء طائراتها من دون طيار، وأن هناك حاجة إلى مزيد من المراقبة لكيفية توريدها لوقف توزيعها، ثم اتخاذ خطوات في ما يتعلق بضوابط التصدير لتقييد وصول إيران إلى التقنيات الحساسة.
اندبندت عربي