غزو روسيا لأوكرانيا يقترب من إكمال عامه الأول يوم الـ24 من فبراير (شباط) الجاري، ولا شيء يوحي بأن عمر الحرب سيكون قصيراً.
موسكو تحشد على ثلاث جبهات لهجوم كبير في الذكرى السنوية الأولى وصولاً إلى ما يسمى “هجوم الربيع”، وكييف تستعد لا فقط للدفاع بل أيضاً لشن هجوم واسع بعد الشتاء.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يكرر ومعه رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين السخرية من حديث “الغرب الجماعي” عن إلحاق “هزيمة استراتيجية بروسيا”، لكن وقائع الحرب خلال عام تؤكد بالمقابل أن رهان روسيا على “نصر استراتيجي” على الغرب في أوكرانيا هو مهمة مستحيلة، فما لم يحصل في بدء الحرب لن يحصل في حرب استنزاف.
وحين تقول موسكو إن كل سلاح يرسله الغرب إلى أوكرانيا “لن يمنعها من تحقيق أهدافها لكنه يقود إلى إطالة أمد الحرب”، فإن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يعلن في مجلس الوزراء أن “الجهة الوحيدة التي تستفيد من إطالة أمد الحرب هي روسيا”، وأقل ما يشكو منه الكرملين هو أن أميركا تمسك بقرار الحرب ولا تضغط على كييف للجلوس إلى طاولة مفاوضات تؤدي إلى تسوية تنهي الحرب.
لكن اللعبة صارت أكبر من الحرب التي كانت منذ البدء أكبر من أوكرانيا، فالغرب الأميركي والأوروبي الذي أصر على تحديد نوعية الأسلحة التي يرسلها لئلا يتجاوز “الخطوط الحمر” مع روسيا ويعطي كييف ما يمكنها من قصف العمق الروسي بدأ يتجاوز هذه الخطوط بالتدرج، فألمانيا وعدد من دول الـ “ناتو” تقدم دبابات “ليوبارد-2” إلى أوكرانيا، وواشنطن تقدم بعد طول تمنع دبابات “أبرامز” وصواريخ بعيدة المدى لقصف أهداف على مسافة 150 كيلومتراً بعد صواريخ “هيمارس” التي يصل مداها لـ 80 كيلومتراً وصواريخ “باتريوت” الدفاعية، والوعود تكبر بتقديم مقاتلات جوية حديثة إلى الجيش الأوكراني.
والمعنى البسيط لذلك أن تورط الـ “ناتو” في حرب أوكرانيا لم تعد تغطيته ممكنة بالقول إنه لا يزال بشكل غير مباشر، وليس هناك شيء اسمه تورط ونصف تورط على طريقة حبلى ونصف حبلى، فالحرب صارت ولو بالواسطة بين روسيا والـ “ناتو”، وأي هزيمة لأوكرانيا هي هزيمة لحلف الأطلسي، وأي هزيمة لروسيا هي هزيمة أمام الـ “ناتو” لا أمام كييف.
وخيار الغرب صار حتمياً، وهو إما العمل الجدي لبدء التفاوض على تسوية وإنهاء الحرب ونزف الدماء والمال والسلاح، وإما الذهاب في الحرب إلى النهاية من دون خطوط حمر، ذلك أن مستشار النمسا في القرن الـ 19 مترنيخ كان يقول كما يقتبس عنه الدكتور هنري كيسينجر “من المستحيل وقف معركة بين طرفين لأن طرفاً سيعاند وتستحيل زحزحته، والحل هو إدخال طرف ثالث، وعندما يصبح الوضع اثنين في مقابل واحد يمكن أن تتوقف المعركة”. والطرف الثالث هو إما دخول الـ “ناتو” مباشرة في الحرب إلى جانب أوكرانيا، وإما دخول الصين في الحرب إلى جانب روسيا، ولا شيء من الأمرين يبدو وارداً، فالرئيس فلاديمير بوتين يستغل الاحتفال بالذكرى الـ 80 لانتصار الاتحاد السوفياتي على الغزو النازي في معركة ستالينغراد ليقول “هذا أمر لا يصدق لكنه حقيقي، ونحن مهددون مجدداً بدبابات ليوبارد ألمانية، ومرة أخرى يريد خلفاء هتلر محاربة روسيا على الأراضي الأوكرانية باستخدام باندر توسني”، في إشارة إلى أنصار المتطرف القومي الأوكراني ستيبان بانديرا الذي تعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، لكن في التشبيه مبالغة ومراوغة، فبوتين ليس ستالين وروسيا ليست الاتحاد السوفياتي وأولاف شولتز ليس هتلر وفولوديمير زيلينسكي حفيد الضابط السوفياتي الذي قاتل النازيين ليس ستيبان بانديرا، فضلاً عن أن روسيا هي التي غزت أوكرانيا وأن بوتين ترك ستالينغراد تعود لاسمها القديم فولفوغراد من دون أن يستعيد الاسم الذي احتفل بذكرى انتصاره على النازية.
وإذا كانت هناك “نازية جديدة” فإن هزيمتها تحتاج إلى الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وأميركا التي هزمت نازية هتلر وفاشية موسوليني لا إلى بوتين وروسيا وحدهما ولا إلى “فاغنر” يفغيني بريغوجين والذئاب القيصرية وديمتري روغوزين.
اندبندت عربي