تقول أوساط سياسية عراقية إن المؤشرات الواردة من واشنطن في اليوم الثاني من زيارة وفد عراقي رفيع المستوى، للتوصل إلى تفاهمات جديدة بشأن شروط البنك الفيدرالي الأميركي حيال التحويلات المالية بالدولار، لا تبشر بخير.
وتلفت الأوساط إلى أن المؤتمر الصحفي الذي جرى بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره العراقي فؤاد حسين لم يتضمن أي بوادر عن توجه أميركي لتخفيف تلك الشروط أو تنفيذها بشكل متدرج، وأن تصريحات بلينكن لم تخرج عن دائرة الكلام العام المكرر عن حرص بلاده على تعزيز الشراكة مع العراق.
وتشكل هذه الزيارة غير محددة المدة أهمية كبيرة بالنسبة إلى العراقيين، لعودة إنعاش عملتهم المحلية التي شهدت في الأسابيع الأخيرة تراجعا خطيرا، الأمر الذي تسبب في موجة غلاء غير مسبوقة، أدت إلى خروج مسيرات احتجاجية.
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي فرض إجراءات مشدد على التحويلات بالدولار، وقال مسؤولون أميركيون وعراقيون إنها “تهدف إلى الحد من غسيل الأموال والتحويل غير القانوني للدولار إلى إيران وغيرها من الدول التي تخضع لعقوبات شديدة”.
وتتضمن الإجراءات تركيز منصة إلكترونية -بدأ البنك المركزي العراقي تطبيقها في أوائل ديسمبر الماضي- تتطلب تفاصيل دقيقة عن الحوالات الخارجية التي تجري من العراق.
ومن بين المطالب العراقية للإدارة الأميركية تأجيل العمل بهذه المنصة إلى حين تمكن المستخدمين من معرفة كيفية التعامل معها، لكن واشنطن تتحفظ على ذلك، معتبرة أن هذه المشكلة تعود إلى العراقيين لأن الاتفاق بشأنها جرى منذ نحو عامين.
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الأميركي في واشنطن شكر وزير الخارجية العراقي الولايات المتحدة “لدعمها العراق في حربه ضد تنظيم داعش”، وأكد على “مواصلة العمل معاً على أساس بناء الاقتصاد العراقي”، مردفا “نحن بحاجة إلى دعمكم في مختلف المجالات، وسنواصل تعاوننا”.
من جهته قال بلينكن “نعمل على تعزيز الاقتصاد العراقي وإعادة دمجه بالمنطقة وفق اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي تربط البلدين”، موضحا “نركز الآن بشكل مكثف للغاية على البعد الاقتصادي لتلك الاتفاقية”.
وفي عام 2008 أبرمت واشنطن وبغداد اتفاقية “الإطار الاستراتيجي” التي مهدت لخروج القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011 بعد ثماني سنوات من الاحتلال.
وذكر بلينكن أنه “سيتم التركيز بشكل خاص على الطاقة والكهرباء في اتفاقية الإطار الإستراتيجي”، مضيفا أن العراق “يمكنه ويجب عليه أن يكون مستقلا في مجال الطاقة”.
وأشار إلى أن “الرئيس الأميركي (جو بايدن) أجرى محادثة جيدة جدا مع رئيس مجلس الوزراء العراقي قبل أيام، موكداً المضي قدما في تعزيز الشراكة الإستراتيجية التي توحد العراق والولايات المتحدة”.
ولم يأت بلينكن في تصريحاته على ذكر القضية الرئيسية المتعلقة بمسألة الدولار، في مؤشر على أن الإدارة الأميركية لم تتجاوب مع المطالب العراقية، وهو ما تلقفته على ما يبدو قوى الإطار التنسيقي الموالية لإيران، التي عادت لشن حملة على واشنطن متهمة الأخيرة بشن حرب اقتصادية على العراق.
وقال النائب عن تحالف الفتح عقيل الفتلاوي إن البنك الدولي والإدارة الأميركية يستخدمان منصة سويفت لفرض إرادتهما وابتزاز العراق، مضيفا أن الولايات المتحدة تجاوزت مرحلة الهيمنة العسكرية واتجهت نحو الهيمنة الاقتصادية عن طريق تلك المؤسسات تحت الغطاء الأممي.
واعتبر أن “تلك المؤسسات نموذج سيء للهيمنة وتجويع الشعوب”، وتابع أن “الولايات المتحدة في الوقت الحاضر مازالت العنصر المقيد والضاغط على الاقتصاد العراقي خاصة بعد خروج العراق من البندين السابع والسادس”.
ودعا الفتلاوي الحكومة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لفك الارتباط بالفيدرالي الأميركي، وأشار إلى أن “الحكومة بدأت فعليا خطواتها بهذا الاتجاه لرفع القيود التي يتحكم فيها الفيدرالي الأميركي” .
ويرى مراقبون أن ردود فعل أعضاء تحالف الفتح يعود إلى الإحراج الكبير الذي تسببه لهم الإجراءات الأميركية، لناحية سبل تهريب الدولار إلى راعيتهم إيران.
ويشير المراقبون إلى أن الولايات المتحدة ليست في مسار لتغيير مواقفها من الإجراءات المتخذة، لسبب بسيط هو أنها لا تثق بالمنظومة الحالية التي تحكم العراق والتي تدين بالولاء لطهران.
وكانت الحكومة العراقية سعت إلى اتخاذ جملة من إجراءات بناء الثقة مع واشنطن قبيل زيارة وفدها، من بينها شن حملة على المتورطين في تزوير إيصالات توريد وهمية، تسمح بتحويل مبالغ كبيرة من العملة الصعبة إلى الخارج، وحظر شركات مالية وبنوك من التعامل مع البنك المركزي عبر نافذة بيع العملة الصعبة.
وخلال الأيام الأخيرة تكبد الدينار العراقي خسائر كبيرة تجاوزت 30 في المئة من قيمته أمام الدولار، وشهدت السوق العراقية ارتفاعاً خطيرا في مستويات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، مقارنة بما كانت عليه قبل أقل من شهر.
وتخشى الحكومة العراقية ألا تجد إجراءاتها المتخذة حتى الآن أثرا في استعادة استقرار الدينار، الأمر الذي قد يولد ردود فعل شعبية غاضبة.
وكانت بغداد وعدد من المحافظات العراقية قد شهدت في الأيام الماضية مظاهرات احتجاجية، ردا على ارتفاع سعر الدولار.
صحيفة العرب