الإعلام في كردستان العراق طرف محوري في أزمة سياسية

الإعلام في كردستان العراق طرف محوري في أزمة سياسية

فاقم اتساع رقعة التشهير والكراهية في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أزمات إقليم كردستان الذي يعيش أصلا ظروفا سياسية وضائقة مالية صعبة، على خلفية تصاعد الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم.

كردستان العراق – حذّرت رئيسة البرلمان الكردستاني ريواز فائق من انعكاسات خطيرة لاتساع رقعة التشهير والشتائم في الإعلام على المجمتع الكردي، مشيرة إلى أن “معجم الكراهية والشتائم يكاد يتحول إلى تقاليد اجتماعية سائدة وعرف قائم في إقليم كردستان العراق”.

ودافعت رئيسة البرلمان الكردستاني، التي تنتمي إلى الاتحاد الوطني، خلال مؤتمر انعقد في السليمانية تحت عنوان “نحو مستقبل أفضل للصحافة وحرية الرأي” عن القوانين والتشريعات الخاصة بالإقليم، معتبرة أن لدى إقليم كردستان أفضل القوانين للتظاهرات والصحافة والوصول إلى المعلومات، لكن لديهم مشكلة مع تنفيذها من قبل السلطتين القضائية والتنفيذية. وشددت في الوقت ذاته على أن بعض القوانين تحتاج إلى تعديل لتتماشى مع الأحداث، مبينة “نحن في أزمة على المستوى المجتمعي، حيث نتعرض للإهانة ونحن في خطر”.

ويبرز الإعلام طرفا محوريا في تصاعد الخلافات الكردية ـ الكردية على امتداد إقليم كردستان العراق بين الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني الذي يحكم في محافظتي أربيل ودهوك، وحزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه بافل طالباني ويسيطر على محافظة السليمانية.

وعلى وقع استمرار الخلافات والأزمة السياسية بين الحزبين الرئيسيين تظهر أزمة تنذر بتفكك المجتمع الكردي، لاسيما وأن هناك العشرات من الصفحات والمجموعات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي مدعومة ماليا وسياسيا، تعمل وفق أجندة سياسية مدروسة للنيل من الخصوم وتسقيطهم من خلال نشر الأدلة والوثائق المزورة غالبا.

وينتقد صحافيون في إقليم كردستان من جانبهم أداء الصحافة لأنها تخضع للأجندات السياسية وتسعى لتحقيق مآرب الأحزاب أكثر من دورها في توحيد الكرد ورأب الصدع.

وبحسب الكثير من المراقبين، فإن أحزاب السلطة والمعارضة تلجأ في العادة إلى استخدام الصفحات الإلكترونية كوسيلة للتسقيط والنيل من الخصوم السياسيين وسط احتدام الحساسيات المفرطة بينها.

وفي سياق آخر، نوّهت ريواز فائق بأن “تصريحاتها تلك ينبغي ألا تفسر بالتدخلات الداخلية في شؤون القضاء، لابدّ أن يشعر ويطمئنّ الصحافيون من نزاهة وحيادية السلطات القضائية في حسم الشكاوى والدعوى المرفوعة في المحاكم”.

وحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، تراجع العراق 9 مراتب إلى الوراء في مؤشر حرية الصحافة للعام الماضي، وحل بالمرتبة 172 بين 180 دولة ومنطقة، وقبلها كان في 163.

ورصد تقرير المنظمة للعام الماضي، تسجيل كردستان “الانتهاكات الأخطر” على مستوى العراق باستمرار سجن صحافيين بتهم “التجسس وتخريب النظام” أو “التآمر على حكومة الإقليم”، إذ جاءت أربيل ثانيا بـ73 انتهاكا بعد بغداد التي شهدت أعلى الانتهاكات بـ80 حالة.

وأصبحت مفردات على غرار “اغتيال وسجن واحتجاز وتضييق” تتكرر في البيانات التي تصدرها المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة بشأن أوضاع الإعلاميين في إقليم كردستان العراق، رغم أن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي لم يفتأ القائمون عليه يؤكدون تمسكهم بالديمقراطية واحترامهم لحقوق الإنسان وحرية التعبير.

ولفتت رئيسة البرلمان الكردستاني إلى أن مفهوم حرية الرأي، وما يوجد على المستوى الشعبي، يعد “ذبحا لحرية التعبير”، منتقدة قذف الشخصيات السياسية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، رغم قولها إن “هذا شيء طبيعي بسبب انعدام الخدمات الأساسية”، مؤكدة “لكن ليس من الطبيعي التهجم على أساتذة الجامعات وشتمهم”.

وقالت فائق “تحت ذريعة الحرية هناك مخاطر على خصوصيات الفرد في المجتمع الذي ينقسم على أساس المناطق والجماعات”، وطالبت بالإصغاء لمحتوى تقارير القنصليات المتواجدة في الإقليم والمنظمات الأوروبية والدولية المعنية بشؤون الحرية والتعبير، التي تتعلق بقضية الحريات العامة والحريات الصحافية في إقليم كردستان، خاصة أن تلك التقارير تتضمن حقائق ومعلومات كثيرة حول الحريات العامة.

كما أوضحت ريواز فائق أن كل التقارير الخاصة بوضع الصحافة وحرية التعبير لن تحل بإنكارها، وأن الإنكار المستمر لن يحل الوضع.

وأعلن مركز “مترو للحريات الصحافية” في وقت سابق عن وقوع 431 انتهاكا بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في إقليم كردستان العراق خلال عام 2022، وهو رقم لا يتناسب مع الصورة العامة للحريات الإعلامية والمدنية التي تقول سلطات الإقليم إنها تغطي مشهد الحياة العامة، وتتميز عن باقي مناطق العراق.

وأكد مركز “مترو” المعني بالدفاع عن حقوق الصحافيين، الذي يتخذ من السليمانية مقرا رئيسيا له، في تقرير سنوي له حول العمل الصحافي، “وجود مظاهر مختلفة من انتهاك الحريات الإعلامية، مثل الاعتقالات من دون أمر قضائي، العنف، مهاجمة الفرق الإعلامية، الحجز، الترهيب والتهديد، والتمييز في التعامل مع الإعلاميين وعدم تزويدهم بالمعلومات”، مذكرا أن تلك الممارسات تخل بجودة العمل الإعلامي وتوجد معوقات أمام الإعلاميين لأداء مهامهم بحرفية وأمان.

وتوزعت الانتهاكات الإعلامية التي حدثت عام 2022 بين 195 حالة منع للتغطية الصحافية و68 مصادرة وكسر لأدوات الصحافيين، ومعها 46 اعتداء بالضرب والتهديد والاستهزاء بالصحافيين، و64 حالة اعتقال وحجز من دون أمر قضائي، فيما تعرض 26 صحافيا للضرب والتجريم، وأُغلقت قناة تلفزيونية واحدة، إضافة إلى ثلاث مداهمات لمنازل الصحافيين، فضلا عن انتزاع 16 تعهدا خطيا من إعلاميين، وتعرّض 6 مواقع إعلامية لهجوم وتشويش إلكترونيين.

وتراجعت خلال السنوات الماضية الصحافة الورقية في إقليم كردستان، فيما زاد عدد الفضائيات والقنوات التلفزيونية الأرضية والإذاعات، بحيث تجاوز العشرات، وغالبيتها مملوكة وممولة من الأحزاب السياسية في الإقليم، والبعض منها معارضة، إلى جانب زيادة المواقع والصفحات الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفق مراقبين، فإن المؤسسات والإعلاميين في الإقليم يطالبون السلطات الحكومية والبرلمانية بالمزيد من الضغوط على الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية للتعاون مع الجهات الإعلامية، من دون تمييز سياسي في ما بينها، ومدّهم بالمعلومات والحقائق، فيما يطالب الإعلاميون في الإقليم بتأسيس محكمة خاصة بالقضايا الإعلامية في الإقليم، قادرة على الفصل في دعاوى القدح والذم والتظلم التي يمكن أن تكبح عمل الإعلاميين في الإقليم.

العرب