تفاهمات أولية بين الحوثيين والسعودية تقود إلى رفع القيود عن ميناء الحديدة

تفاهمات أولية بين الحوثيين والسعودية تقود إلى رفع القيود عن ميناء الحديدة

استقبلت جماعة الحوثي إجراء تخفيف القيود عن السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة بالترحاب. وقالت إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، معربة عن أملها في أن تقود إلى المزيد من الخطوات كإلغاء لجنة “أونفيم”. لكنّ مراقبين يرون أن البناء على ما تحقق يبقى رهين ما ستسفر عنه جولات التفاوض الجارية.

صنعاء – ترى أوساط سياسية يمنية أن فسح المجال أمام السفن للدخول إلى ميناء الحديدة يندرج ضمن تفاهمات أولية بين جماعة الحوثي والمملكة العربية السعودية.

وتوضح الأوساط أن هذا الإجراء قد يهيئ لرفع كلي للقيود عن ميناء الحديدة، وهو أحد المطالب الرئيسية للجماعة الموالية لإيران، لكن الأمر يخضع لما ستسفر عنه جولات التفاهم في قادم الأيام.

وأعلنت جماعة الحوثي الأحد عن دخول سفن إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها (غرب) دون أن تتعرض للاحتجاز أو التأخير، معتبرة أن الخطوة “تعزز فرص السلام”.

وجاءت الخطوة في أعقاب تحركات أممية وأميركية مكثفة بين مسقط والرياض في سياق جهود الدفع بعملية السلام في اليمن.

وقال حسين العزي نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها إن “العبور المباشر لكل السفن التجارية إلى ميناء الحديدة دون احتجاز أو تأخير خطوة في الاتجاه الصحيح”.

وأشار العزي في تغريدة له على تويتر إلى أن الخطوة “تحتاج إلى تعزيز وتوسيع عبر إلغاء آلية ‘أونفيم’ (آلية أممية للتفتيش)”.

وتعمل آلية “أونفيم” الأممية من جيبوتي على تفتيش السلع والبضائع المتجهة إلى الموانئ التي تسيطر عليها جماعة الحوثي للتحقق من عدم انتهاك الحظر الدولي على إمدادات السلاح.

ودعا العزي “الجميع إلى مزيد من العمل الإيجابي والإصرار المشترك على تعزيز فرص السلام”، دون مزيد من التفاصيل.

وضاعفت جماعة الحوثي في الأيام الأخيرة من ضغوطها لاسيما على الأمم المتحدة بشأن تخفيف القيود على ميناء الحديدة، واتهمت الجماعة الأمين العام للمنظمة الأممية ومبعوثه الخاص إلى اليمن هانس غروندبيرغ الأسبوع الماضي بالامتناع عن إدخال المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة.

ووجهت الجماعة حينها ما وصفته بالإنذار الأخير للأمم المتحدة، قائلة إن سلوكها “سيكلفها الكثير”.

ودعت جماعة الحوثي إلى وقف التعطيل الذي تمارسه “أونفيم” فورا أو إلغاء دورها وترك التحالف العربي يعترض السفن وسيكون لكل حادث حديث، حسب قولها.

واعتبرت “أما أن تعيق الأمم المتحدة سفن اليمنيين نيابة عن دول التحالف فهذا مرفوض وغير مقبول بالمطلق”.

ويقول متابعون إن الحوثيين يسعون لفرض ميناء الحديدة كمنفذ وحيد لاستيراد السلع الغذائية للمناطق الخاضعة لسيطرتها لتحقيق جملة من المكاسب في مقدمتها تحصيل المزيد من الموارد المالية عبر الرسوم الضريبية والجمركية ورسوم الفحص والجودة وغيرها من التكاليف والضرائب المحصلة.

ويشير المتابعون إلى أن الهدف أيضا من إصرار الحوثيين هو حرمان السلطة الشرعية من الاستفادة من موارد مالية تحصلها في حال تم الاستيراد عبر الموانئ الواقعة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

ويعتبر المتابعون أن من الدوافع الأساسية الأخرى تسهيل عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، بعد أن ضاقت المنافذ الأخرى جراء الرقابة الدولية المشددة التي أحبطت في الأشهر الأخيرة العديد من محاولات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر مسالك بحرية.

وأجبرت جماعة الحوثي مؤخرا أصحاب الشاحنات المحتجزة في مراكزها الجمركية المستحدثة منذ أيام على التعهد بعدم الترسيم في منافذ الدخول بسعر الدولار الجمركي الجديد الذي فرضته الحكومة المعترف بها دوليا وعدم الاستيراد مجددا من ميناء عدن والتحول إلى ميناء الحديدة.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن جماعة الحوثي حذرت التجار وسائقي الشاحنات من أنه في حالة الاستيراد عبر ميناء عدن سيتحملون المسؤولية عن الإجراءات التي قد يتم وفقها مصادرة بضائعهم.

وأضافت المصادر أن الجماعة عممت إجراءاتها في المنافذ الجمركية التابعة لها في الراهدة جنوبي تعز وفي عفار التابعة للبيضاء، إضافة إلى جمرك نهم بصنعاء.

وكان نشطاء تحدثوا في وقت سابق عن إقدام عناصر من الحوثيين على احتجاز الشاحنات المحملة بالبضائع بهدف إجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة.

وأبدى النشطاء استغرابهم من خطوة حكومة معين عبدالملك مؤخرا في رفع سعر الدولار الجمركي الذي من شأنه أن يضاعف من سعر السلع في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الشرعية، والذي يصب بشكل غير مباشر لصالح الحوثيين.

وكان جماعة الحوثي أعلنت في مقابل الضغوط على التجار لمنعهم من استيراد البضائع من موانئ الحكومة، عن حزمة من الحوافز والمغريات من بينها تخفيض في الرسوم الجمركية بنسبة 50 في المئة وتسديد نصف المبلغ نقدا والنصف الآخر بشيك وتحديد سعر صرف الدولار الجمركي بـ250 ريالاً لجذب رجال المال والأعمال للاستيراد عبر ميناء الحديدة.

ويرى مراقبون أن الجماعة حريصة على أن يكون ميناء الحديدة هو الجهة الوحيدة التي تمر منها البضائع صوب مناطقها، وهذا أيضا يندرج في سياق تعزيز الانفصال، وأن ضغوطها على التحالف صوب رفع كامل للقيود عن ميناء الحديدة وإلغاء آلية “أونفيم” تندرج في هذا السياق.

جماعة الحوثي تضاعف من ضغوطها على الأمم المتحدة بشأن تخفيف القيود على ميناء الحديدة، وتتهم هانس غروندبيرغ بالامتناع عن إدخال المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة

واتفقت الأمم المتحدة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتحالف العربي بقيادة السعودية في سبتمبر 2015 على إقامة نظام للتفتيش يسهل مرور السلع إلى اليمن، ويحول في الآن ذاته دون وصول أسلحة مهربة إلى الحوثيين.

ومنذ ذلك الحين أصبح على كل السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين التقدم بطلب إلى الأمم المتحدة يتضمن بيانات شحناتها وقوائم بآخر الموانئ التي زارتها.

وسجل في الأشهر الأخيرة تشدد أكبر في أعمال التفتيش، الأمر الذي أثار استفزاز الحوثيين، ويرى متابعون أن توجه التحالف العربي لتخفيف القيود عن ميناء الحديدة يعكس حصول اختراق في المفاوضات مع الجماعة عبر الأمم المتحدة وسلطنة عمان، ودور الوسيط الأميركي تيم ليندركينغ.

وكان محمد عياش قحيم محافظ الحديدة الموالي للحوثيين قد أشار قبل أيام إلى انفراجه وشيكة. وأكد قحيم في تغريدة على توتير ‏بأن هناك بشرى سارة خلال الأيام الثلاثة القادمة، مشيرا إلى بدء دخول بواخر الحديد والأخشاب والإسمنت والكلنكر عبر ميناء الحديدة.

ومنذ نهاية هدنة في الثاني من أكتوبر 2022 استمرت ستة أشهر باليمن، تتواصل جهود أممية ودولية وإقليمية لتجديدها وسط تبادل الحكومة والحوثيين الاتهامات بشأن المسؤولية عن الفشل في تمديدها.

ويرى متابعون أن اللافت في الوساطات الجارية حاليا هو حصرها بين الحوثيين والسعودية، في تغييب واضح للسلطة الشرعية التي يقودها مجلس القيادة الرئاسي.

ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، وتصاعد النزاع منذ مارس 2015 بعد تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة الجماعة المدعومة من إيران.

العرب