قدم حقل العلاقات الدولية العديد من المفاهيم لوصف العلاقات الإيجابية القائمة بين دولتين أو أكثر فى مراحل ما، بدءا من مفهومى الصداقة والتعاون، وانتهاء بمفهوم «التحالف»، مرورا بمفهوم الشراكة الاستراتيجية وغيرها. لكن عندما تحرص القيادات السياسية على استخدام تعبيرات مثل الأخوة والأشقاء فإن مفاهيم العلوم السياسية تصبح غير كافية لوصف طبيعة وعمق هذه العلاقات.
قوة العلاقات المصرية- السعودية تستند إلى مصادر عدة تتجاوز الروابط التقليدية المتعلقة بالقواسم المشتركة فى مجالات التاريخ والدين واللغة والثقافة… إلخ. أهم تلك العوامل فى تقديرى أن مصر والمملكة يشكلان معا وحدة أو مساحة استراتيجية واحدة. ويُطلق مفهوم الوحدة أو المساحة الاستراتيجية الواحدة على مجموعة الدول التى تجمعها معا مجموعة من المصالح أو مصادر التهديد الواحدة، الأمر الذى يفرض عليها درجة أكبر من التنسيق والحركة المشتركة؛ فمع الاعتراف بأن المملكة تشكل مع باقى دول مجلس التعاون الخليجى «وحدة» أو «مساحة استراتيجية» واضحة، تجمعها قيم ومصادر تهديد مشتركة محددة ومعروفة، لكن هذا لا ينفى القول بأن مصر والمملكة تشكلان أيضا مساحة استراتيجية متمايزة تجمعهما مصالح مشتركة ومصادر تهديد مشتركة. فرغم ما يبدو أن البحر الأحمر يمثل مسطحا مائيا يفصل بين البلدين، لكنه فى الحقيقة يجمعهما معا فى إطار هذه المساحة الاستراتيجية الواحدة. ارتباط البحر الأحمر بعدد من الممرات والمسطحات المائية المهمة، يخلق، بل يفرض، مساحات مشتركة للحركة والتعاون بين مصر والمملكة للتعامل مع ما تمثله هذه المسطحات من فرص للتعاون المشترك أو مواجهة مصادر التهديد المحتملة المرتبطة بهذا المسطح المائى الشديد الأهمية، خاصة فى ظل تزايد الأهمية النسبية للمسطحات المائية كمسارح للحركة الدولية فى المرحلة الراهنة فى تطور النظام العالمى، وصولا إلى ربط المنطقة بمسرح المحيطين الهادئ والهندى (الإندو – باسيفيك)، الذى أصبح واحدا من أكثر المسارح الدولية سخونة.
لا ترتبط «المساحة الاستراتيجية» الواحدة بارتباط البلدين بهذا المسطح المائى، لكنها تتأكد أيضا بفعل مصادر التهديد التقليدية فى المنطقة، بما فى ذلك مصادر التهديد المرتبطة بسلوك بعض القوى الإقليمية غير العربية فى منطقة الخليج العربى. فرغم ما يبدو من «خصوصية خليجية» لهذا التهديد، لكنه فى واقع الأمر يتجاوز الإطار الخليجى، خاصة فى ظل امتداد هذا التهديد إلى منطقة البحر الأحمر نفسها من خلال وكلاء هذا الفاعل الإقليمى.
أضف إلى ذلك، أن مصادر التهديد المرتبطة بهذا الفاعل تتجاوز منطقة الخليج العربى بفعل سياساته الإقليمية داخل عدد من الدول العربية. إن موازنة حقيقية لهذا التهديد، سواء فى البحر الأحمر، أو منطقة الخليج العربى، أو فى المنطقة العربية، لا يمكن أن تتم إلا عبر تنسيق مصرى – سعودى – خليجى.
هكذا، فإن تعبيرات مثل أمن منطقة الخليج خط أحمر، أو أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، لا تصبح مفردات إنشائية فى قاموس الدبلوماسية المصرية، بقدر ما تعكس واقعا استراتيجيا حقيقيا يحكم حركة مصر والمملكة مع أشقائهما داخل مجلس التعاون الخليجي.
البعد الأمنى ليس فقط هو المصدر الوحيد فى قوة وتميز علاقات مصر والمملكة. هناك بعد آخر يتعلق بالمسار الراهن فى تطور البلدين، إذ تنتمى القيادات السياسية على الجانبين إلى ما يُعرف بالقيادات الإصلاحية التحديثية، من خلال ما يطرحانه من مشروعات ورؤى إصلاحية، تتجاوز المكون التنموى الاقتصادى لتشمل أبعادا اجتماعية وفكرية. هناك مصلحة مصرية فى نجاح مشروع الإصلاح والتحديث داخل المملكة، لأسباب عديدة. إن هذا المشروع، ومن خلال ما يتضمنه من إعادة تعريف لدور بعض المؤسسات الدينية، والعلاقة بين هذه المؤسسات والمجتمع السعودى.. إلخ، يتوافق مع المراجعات الجارية لإرث موجة الربيع العربى، خاصة فيما يتعلق بمشروعات الإسلام السياسى، وما ارتبطت بها من مخاطر انهيار الدولة الوطنية، وإعادة تعريف الهوية العربية، بالإضافة إلى مخاطر تحول بعض التيارات الدينية التقليدية إلى العنف، فى سياق التنافس القائم بين هذه التيارات، وصراعاتها على الدولة والمجتمع.
إذا كانت ثورة يونيو 2013 المصرية قد خدمت المنطقة كلها من خلال قطع الطريق على هيمنة الإسلام السياسى وخطف الدولة العربية، وقطع الطريق على تحولات أكثر خطورة فى الخريطة الفكرية والتنظيمية للتيارات الدينية، فإن مشروع التحديث الجارى داخل المملكة يقدم خدمة إضافية للمنطقة فى الاتجاه ذاته من خلال إصلاح وتجديد الخطاب الدينى، وإعادة ضبط العلاقة بين المؤسسة الدينية والمجتمع. فى هذا السياق، كان من الطبيعى أن يولى مشروعا التحديث فى مصر والمملكة أهمية كبيرة لقضية تجديد الخطاب الدينى، وأن يوليا اهتماما بشريحتى الشباب والمرأة؛ فكلاهما يمثل ركيزة مهمة فى أى مشروع إصلاحى، خاصة عندما يتعلق الأمر بإصلاح الأبنية الاجتماعية والثقافية.
خلاصة القول، إن ما يجمع مصر والمملكة اليوم بات يتجاوز روابط التاريخ واللغة والدين والثقافة، مع أهمية كل ذلك. هناك مصالح استراتيجية تفرضها الجغرافيا السياسية، تعزز بدورها مصالحهما الجيو – اقتصادية المشتركة على المستويين الإقليمى والدولى، ويعززها فى الوقت نفسه – فى مفارقة تاريخية مهمة – مشروعان تحديثيان وطنيان.
مركز الأهرام للدراسات