الحكومة العراقية في مواجهة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. لمن ستكون الغلبة؟

الحكومة العراقية في مواجهة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. لمن ستكون الغلبة؟

بغداد – زادت تحركات العراق الأخيرة على المستوى الاقتصادي من نسب التفاؤل بإمكانية أن ينجح في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، أو الحد منهما إلى مستويات أقل مما كان عليه بعد استفحالهما كثيرا بعد عام 2003، لا سيما مع ارتباطها بـ”الفساد السياسي” عبر إصلاحات القطاع المصرفي.

وخلال الأيام الماضية، ترأس وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وفدا اقتصاديا ومصرفيا رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى واشنطن، وبحث من خلالها جملة من الملفات التي وصفت بـ”المهمة”، ومنها ما يتعلق بتطوير وإصلاح السياسة النقدية، ومواجهة التحديات الراهنة في المستويين النقدي والمصرفي، وما تعكسه هذه الإجراءات من إصلاح للنظام المصرفي عبر مكافحة الفساد وغسيل الأموال.

كما رحبت الولايات المتحدة الأميركية بهذه التحركات على هامش لقاء جمع براين نيلسون مساعد وزير الخزانة الأميركية مع محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق في إسطنبول مطلع الشهر الجاري.

وأقر المسؤول الأميركي بتفاني العراق “الراسخ” في تحسين معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعرض التعاون المستمر في تحديث القطاع المصرفي.

وعن لقائه بالعلاق، قال نيلسون في تصريحات صحفية إنه جاء لبحث إصلاحات القطاع المصرفي، وسبل الوفاء بالالتزام المتبادل بمكافحة غسل الأموال، ومجابهة تمويل الإرهاب.

الانضمام لإغمونت
ومن تلك الخطوات الإيجابية انضمام العراق مؤخرا إلى عضوية مجموعة “إغمونت” (Egmont) لوحدات التحريات المالية، لتعزيز جهود مكافحة الفساد وغسيل الأموال.

وتضم المجموعة 167 دولة، وتعمل على تسهيل تبادل المعلومات الخاصة بالسجلات الإجرامية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب على الصعيد الدولي، من خلال تزويد المكتب بشبكة اتصالات آمنة مع دول العالم، بما يسهم بمتابعة حركة الأموال دوليا وتعزيز إجراءات التحقيقات المالية، وصولا لعمليات استرداد الأموال والأصول.

وجاءت تحركات العراق الأخيرة بعدما وصلت عملته المحلية إلى حافة الانهيار بوصولها إلى أدنى مستوى قياسي لها أمام الدولار منذ 18 عاما، وتراجعها إلى نحو 1700 دينار مقابل الدولار الواحد في مبادلات السوق غير الرسمية مطلع الشهر الجاري، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، مما دفع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاتخاذ قرار عاجل برفع قيمة الدينار إلى 1300 مقابل الدولار واعتماده في الموازنة المالية للعام الجاري 2023.

تفاؤل حكومي
وتفاؤلا منه بانضمام العراق إلى تلك المجموعة، يقر مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي بأن البلد في أمسّ الحاجة للانضمام إلى عضوية “إغمونت”.

وأوضح أنها “شبكة دولية تعمل على تعزيز التواصل والتفاعل بين وحدات التحريات المالية في العالم، والتي يمثلها على المستوى الوطني مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

ويترأس محافظ البنك المركزي العراقي اللجنة العليا لمكافحة غسل الأموال وأموال الإرهاب، والتي تصدر اللوائح الرقابية والتعليمات ذات العلاقة، استنادا إلى قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والذي اعتمده العراق عام 2015.

وبحسب حديث صالح للجزيرة نت، فإن تقوية روابط التعاون بين بغداد ومؤسسات الامتثال الدولية تقتضي أن يكون العراق عضوا فاعلا في “إغمونت” لتهيئة تعاون دولي أفضل لمصلحة البلد والعالم في مكافحة غسل الأموال والأنشطة المرتبطة به.

ويعد العراق عضوا فاعلا في منظمة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام 2004، وهو أمر يؤهله -وفقا لصالح- للانضمام إلى المجموعة الدولية “إيغمونت” ذات العلاقة والفاعلية في مكافحة غسل الأموال.

وقبل عام 2003، لم يعرف العراق كثيرا عمليات غسيل الأموال التي بدأت بالاستفحال بعد الاحتلال الأميركي، ووصلت إلى مستويات عالية جدا لا سيما مع ارتباطها بأنشطة “غير مشروعة” أسهمت في تهريب الأموال إلى خارج الحدود لغسلھا وعودتھا مرة أخرى في “صورة مشروعة” مثل العقارات أو مقتنیات عینیة أخرى كالذھب.

وعلى أرض الواقع، جاءت أولى خطوات العراق للحد من هذه الظاهرة من خلال تأسيس مكتب مكافحة غسل الأموال في أبريل/نيسان 2007، والذي تتلخص مهامه في جمع المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية وتحليلها، وخلق قنوات من التعاون والتفاعل مع الجهات المحلية والدولية ذات العلاقة لمكافحتها.

خسائر العراق
والتهمت عمليات غسل الأموال الكثير من واردات العراق المالية طيلة سنوات ما بعد 2003، لكن الفضيحة التي عُرفت باسم “سرقة القرن”، التي أهدرت 2.5 مليار دولار بشكل غير قانوني من حساب مصرفي للحكومة العراقية وتم غسلها من خلال بنوك خاصة، تعدّ كبرى حالات الفساد عبر غسيل الأموال في البلاد.

ووفقا لتقارير سنوية سابقة، عُدّت التحويلات المالية الدولية والمحلية إحدى أكثر الأدوات استخداما لغسل الأموال للأعوام 2019 و2020 و2021. وتبدو هذه الأرقام متطابقة إلى حد ما مع ما تحدث عنه عضو لجنة النزاهة النيابية في مجلس النواب العراقي النائب هادي السلامي بشأن خسائر العراق من عمليات غسل الأموال.

ويشير النائب العراقي إلى إحدى تلك الحالات، وهي أنه في عام 2020 فقط باع البنك المركزي 40 مليار دولار أميركي في مزاد بيع العملة، والتي يفترض أن تقابلها القيمة ذاتها من الاستيرادات بـ40 مليار دولار، لكن قيمتها بلغت 14 مليار دولار فقط، وهذا يعني أن قيمة عمليات الفساد قُدّرت بنحو 23 مليار دولار أميركي في العام المذكور.

وفي عام 2021 بلغ حجم العملة المبيعة في المزاد 30 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة الاستيرادات 13 مليار دولار فقط، والفارق بينهما -حسب السلامي- يمثل ما يخسره العراق من عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يُطالب النائب السلامي الحكومة العراقية والبنك المركزي بالالتزام بشروط وقوانين المجتمع الدولي الخاصة بمنع تهريب العملة لمنع اصطدامها بطرق يعتبرها “غير مناسبة” من أجل تحقيق مصالح الشعب.

وعن أبرز الآليات الواجب اتخاذها لبتر عمليات غسل الأموال أو الحد منها، يؤكد عضو النزاهة النيابية ضرورة وجود سياسة نقدية خاصة بالبنك المركزي، وسياسة مالية خاصة بوزارة المالية، داعيا البنك المركزي إلى سحب إجازات المصارف المتورطة في عمليات تهريب العملة أو غسل الأموال من خلال المضاربة، وكذلك الحال مع بعض المكاتب والشركات.

النائب هادي السلامي يُطالب الحكومة العراقية والبنك المركزي بالالتزام بالقوانين الدولية لمنع تهريب العملة (الجزيرة)
خطوات متواضعة
وعن احتمال أن تُمهد الخطوات الأخيرة للحكومة العراقية والبنك المركزي الخاصة بمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الطريق لمزيد من تدفق الدولار إلى البلاد، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور كوفند شيرواني إن تلك الخطوات “متواضعة”، وإنها ما زالت في بدايتها، وقد لا ترتقي إلى مستوى الطموح المطلوب لتحقيق النتائج المنتظرة.

ويستدل شيرواني على رأيه باستمرار عمليات تهريب العملة الصعبة مع وجود شح فيها في الأسواق، وهذا ما عزز من ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق أمام العملة المحلية.

ويشير الخبير الاقتصادي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن عمليات غسل الأموال وتهريبها لا تتم أغلبها عبر الحوالات التي انخفضت بمقدار 70%، وإنما تتم بصورة نقدية.

وعن تأثير ذلك على استقرار العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، يحذر شيرواني من أن استمرار عمليات غسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج سيزيد من تراجع الدينار العراقي أمام الدولار مع تأثيره على ما هو موجود من كميات العملة الصعبة في الأسواق الموازية مع استمرار الطلب عليها.

المصدر : الجزيرة