جاءت زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى الصين الشعبية في الرابع عشر من شباط 2023 في وقت تتعاظم فيه الأحداث في الشرق الأوسط وتتأزم العلاقات الدولية على أنقاض الحرب الروسية الأوكرانية، وهي دعوة سبق وأن قدمها الرئيس الصيني جين بينغ لرئيسي خلال قمة شنغهاي التي عقدت في مدينة سمرقند بدولة أوزبكستان في أيلول 2022 ، تعتبر الزيارة دعم لسياسة إيران في التقارب مع الدول الآسيوية وجنوب شرق آسيا مقابل توسيع دائرة العلاقات السياسية الصينية مع الشرق عبر خطة شاملة للتعاون طويل الأمد مع دول المنطقة وتحقيق التوازن الاستراتيجي في الجوانب الاقتصادية والتبادلات التجارية ضمن توجه دولي وإقليمية يضمن المصالح المشتركة لجميع بلدان الشرق الأوسط والوطن العربي.
للزيارة أبعاد سياسية كونها تاتي بعد التوتر الذي حصل بين البلدين في ضوء الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بزعماء الخليج العربي والبيان الرسمي الذي صدر عن هذه اللقاءات في كانون الأول 2022 والذي دعى إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي وإيجاد حل سلمي لقضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ) في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر القوانين الدولية والسياسات التي تحكم العلاقة بين دول العالم وملاحظة الأنشطة السياسية التي تزعزع حالة الأمن والاستقرار والتصدي للجماعات الإرهابية والمسلحة ومنع انتشار الصواريخ البالستية وضمان حرية وسلامة الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي والالتزام بالقرارات الاممية والشرعية الدولية، فاجأت هذه القرارات القيادة الإيرانية لطبيعة العلاقات الإستراتيجية التي تربطها مع الصين وشعرت بحرج كبير في الأوساط السياسية داخل منظومة الحكم الإيراني مما أدى إلى استدعاء السفير الصيني وتقديم احتجاج رسمي حول البيان الصادر عن اجتماع الرياض، سارعت القيادة الصينية لتدارك الانزعاج الإيراني وأرسلت نائب رئيس الدولة لطهران والتقى الرئيس الإيراني وقدم توضيح رسمي حول أبعاد اجتماع الرياض مؤكدا ثبات العلاقات الوطيدة مع إيران ولم يكن أمام النظام الإيراني إلا أن يقبل بهذا التوضيح ولكي تستمر العلاقة بين البلدين التي أحوج ما تكون لها طهران بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي قوضت الكثير من الدور الدولي والإقليمي لإيران ، وكذلك تتم الزيارة بعد تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية داخل المدن الإيرانية من قبل عموم الشعوب الإيرانية وتنامي حدة الخلافات مع الشركاء الأوربية(المانيا فرنسا بريطانيا ) على ضوء الأحداث الداخلية الإيرانية وسياسة العنف والقسوة المستخدمة ضد الشباب المنتفض وتزايد العقوبات الأوربية على عدد من الكيانات والشخصيات الإيرانية والقرار الاخير لمجلس الاتحاد الأوروبي بدرج الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية وحالة التصدع في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الاوربين بخصوص البرنامج النووي الإيراني وبيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول زيادة إيران لتحصيل اليورانيوم بنسبة 60% والدعم العسكري الذي قدمته إيران لروسيا في مواجهتها لاوكرانيا بتزويدنا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة.
ولكن طبيعة وأهداف السياسية الصينية انها تسعى لمكانتها الاقتصادية وتحقيق أهدافها في تطوير مشروعها القائم على مبادرة(الحزام والطريق ) واعتبار إيران ممر استراتيجي مهم لتحقيق هذه الأهداف وأنها أصبحت الشريك التجاري الأول لأيران رغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية بحيث أن الصادرات الصينية لأيران بلغت 13مليار دولار من البضائع والمواد الصناعية الاستهلاكية مقابل صادرات البترول والمواد البتروكيماوية الإيراني الصين والتي بلغت 14مليار دولار خلال عام 2022 وحسب تصريح ممثل وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني وتحقيق نمو تجاري بنسبة 43% في حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين وتم توقيع سبع اتفاقيات تجارية، كما وان إيران ترتبط بعلاقات واسعة مع الجانب الصيني في مجالات الطاقة والنقل والزراعة والتجارة والاستثمار عبر الاتفاقية الاقتصادية التي وقعت في آذار 2021 وتم تحديد أمدها ب25 سنة وتشمل مجالات سياسية واقتصادية تستثمر خلالها الصين (400) مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل أن تمد إيران الصين بامدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للنفط الإيراني وكذلك تتضمن 280 دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران واستثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار لتحديث البيئة التحتية للنقل والتصنيع في إيران وهذه الأهداف الصينية تدخل ضمن مشروع الحزام والطريق، ورغم العديد من الطلبات والضغط السياسي الأمريكي للصين بالكف عن التعامل مع إيران إلا أن الصينين استمروا في سياستهم وعلاقتهم المتميزة مع الجانب الإيراني باعتبار أن النفط والغاز من أهم الركائز الأساسية في العلاقة بين البلدين.
والأهداف الصينية تتمثل في استغلال علاقتها مع إيران كونها تمثل ورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على مكاسب في ساحات التنافس التي تظهر في العديد من مناطق العالم حيث المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وان الصين تعتبر أن موقع إيران الاستراتيجي يمثل لها حالة محورية بالنسبة لطريق الحرير الصيني وممر أساسي لنقل البضائع الصينية لدول وسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا مقابل وصول المواد الخام للصين وبالتالي أن الصين ترى أن أيران تمثل لها أهم الموردين للنفط إذ تمتلك احتياطي يقدر ب158مليار برميل وهي أكبر موردي النفط بعد السعودية وجزء من السياسة الصينية في تنويع مصادر الحصول على الطاقة إضافة إلى التسهيلات المقدمة من إيران في إيصال النفط وطرق الدفع المالي في أوقات الحصار الاقتصادي ،كما أن الصين تعتبر أن أيران تمتلك إطلالة على مسطحات مائية مهمة في ( الخليج العربي والبحر العربي والمحيط الهندي وبحر قزوين ) وهي حلقة الوصل بين الشرق والغرب وممر طبيعي للتجارة الدولية وهذا يتيح للصين موقع استراتيجي مهم في منطقة الشرق الأوسط ، ولهذه الاسباب كان الدور الصيني الفاعل الذي كان سببا رئيسيا مع روسيا في قبول إيران ومنحها العضوية بمنظمة شنغهاي للتخفيف عن عزلتها السياسية وتوسيع علاقتها الإقليمية وخاصة مع الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى والتي تمت في 16ايلول 2021 عند زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى دولة طاجيكستان لحضور جلسات قمة الذكرى العشرين لتأسيس المنظمة، وحظي انضمام إيران لمنظمة شنغهاي باهتمام سياسي داخل الأوساط الإيرانية بحيث قال المتحدث باسم هيئة الرئاسة في البرلمان الإيراني(نظام الدين موسوي ) في مقابلة مع وكالة أبناء الطلبة الإيرانيين أنه(بانضمام إيران إلى منظمة شنغهاي اكتملت أضلاع مربع القوة في الشرق ونشهد قيام نظام عالمي جديد )وهو يشير إلى روسيا والصين والهند كونهم يتمتعون بمكانة اقتصادية وعسكرية ومعرفة في العالم وان إيران وما تملكه من مصادر الطاقة وتأثيرها في المحيط الإقليمي وان التعاون بين هذا المربع الدولي سيكون في جميع المجالات وبطاقة إنتاجية وإعداد سكاني يمثل (3) مليار نسمة .
وأهمية الزيارة للصين تحدث عنها الرئيس جين بينغ أثناء استقباله الرئيس الإيراني بقوله( إن بلاده تدعم الجانب الإيراني في ما يتعلق بحماية حقوق إيران المشروعة، وتشجع على التوصل إلى حل سريع ومناسب للقضية النووية الإيرانية وستواصل الصين المشاركة البناءة في المفاوضات بشأن استئناف الاتفاق النووي الإيراني) .
تشكل الزيارة الإيرانية عمق استراتيجي وتطور سياسي في العلاقة بين البلدين وحاجة ملموسة للطرفين في مواجهة العديد من الأزمات السياسية كونها حصلت في وقت حساس لكلا البلدين، فالصين تواجه تحديات كبيرة بسبب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة على جميع الصعد التجارية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية ولعل آخر فصول التوتر أزمة المنطاد التي تسببت في إرجاء زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين،
أما بالنسبة لإيران فهي تعاني تحت وطأة العقوبات والضغوط الغربية بسبب تعاملها الصارم مع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد العام الماضي فضلاً عن تعليق المحادثات النووية مع القوى العالمية ومع كل هذه الأحداث فإن الصين وإيران ماضية لتوقيع اتفاقيات مشتركة في جميع المجالات وعلى الأصعدة كافة في تطور سياسي واضح وتكامل اقتصادي داعم للعلاقات بين كل من روسيا والصين وإيران التي اختارت سياسية التوجه للشرق.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية