حرب أوكرانيا عجلت ذروة الإنتاج النفطي والتحول نحو الطاقة المتجددة

حرب أوكرانيا عجلت ذروة الإنتاج النفطي والتحول نحو الطاقة المتجددة

جاءت توقعات بريتيش بتروليوم الطاقية ضمن طبعة 2023، لتجعل هذا الوقت مناسبا لإعادة النظر في مشكلة ذروة الإنتاج النفطي والتحول نحو الطاقة المتجددة.

وتقدم التوقعات ثلاثة سيناريوهات. فبينما تجادل بأننا بعيدون اليوم من الناحية العملية عن المسار الذي من شأنه أن يوصل العالم إلى “صافي الصفر” بحلول 2050، إلا أن سيناريو الزخم الجديد الأساسي يقدم بعض التشجيع حيث أنه يتوقع وصول الانبعاثات إلى ذروتها قبل ما افترضته نسخة 2022. ويتماشى هذا مع أحدث توقعات الطاقة العالمية الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع ذروة الطلب في 2025.

ويقول المحلل السياسي أليستر نيوتن في تقرير لمؤسسة عرب دايجست الاستشارية “عندما كتبت لأول مرة عن ذروة النفط في عرب دايجست في سبتمبر 2019، اختلفت التوقعات حول توقيتها بشكل كبير. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا زاد من تعكير الأوضاع”.

أليستر نيوتن: الغزو الروسي لأوكرانيا عكر أوضاع الطاقة في العالم

وكان من المفاجئ إعلان برنارد لوني الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم، بعد أقل من أسبوع من صدور التقرير، أن الشركة كانت تبطئ انتقالها بعيدا عن النفط والغاز بالنسبة للأهداف المحددة في 2020. لكن كما لاحظ توم ويلسون وديريك بروير في إصدار العاشر من فبراير من مجلة فاينانشيال تايمز، لم يواجه لوني سوى القليل من الخيارات حيث استمر سعر سهم شركة بريتيش بتروليوم في التراجع، مقارنة بمنافسيها من شركات النفط الكبرى التي ارتفعت تقييمات حصصها حتى 2022 على خلفية أسعار النفط والغاز المتضخمة بسبب الحرب.

ويقول نيك ستانسبيري، وهو أحد المساهمين في بريتيش بتروليوم “لا أعتقد بالتأكيد أن ما نراه في شركة بريتيش بتروليوم يخبرك أنه من الخطأ أن تحاول شركة نفط كبيرة تغيير نموذج أعمالها بالطريقة الصحيحة لجعله مناسبا للمستقبل… لا يزال المستثمرون غير واثقين من ذلك اليوم، ويرجع ذلك جزئيا إلى الافتقار إلى اليقين والوضوح حول الشكل الذي سيبدو عليه نظام الطاقة في المستقبل”.

وتفاقم هذا “الافتقار إلى اليقين والوضوح” من خلال استجابة الغرب لغزو روسيا لأوكرانيا. وشجع هذا نهج المدى القصير المتأصل بالفعل بين المستثمرين. لذلك، ليس من المستغرب أن تستمر أمثال إكسون موبيل (التي تحظى آفاقها السنوية للطاقة باهتمام أقل بكثير من شركة بريتيش بتروليوم على الرغم من أنها تستحق الدراسة أيضا) في المجادلة بقوة (في وقت ينخفض ​​فيه الاستثمار في المشاريع الجديدة) بأن النفط والغاز الطبيعي يظلان جزءا مهما من مزيج الطاقة لعقود مما يعزز الحاجة إلى استمرار الاستثمار.

لكن الأمر يستحق بذل الجهد للنظر من خلال “الحاجب الدخاني” المتولد عن الهيدروكربونات إلى المستقبل غير البعيد على النحو التالي:

انخفض استهلاك البنزين بنحو ستة في المئة مقارنة بذروة ما قبل الوباء في الولايات المتحدة، حتى قبل أن نبدأ في رؤية أي تأثير من قانون خفض التضخم، وذلك وفقا لتقرير صدر في السابع من فبراير من إدارة معلومات الطاقة الذي حدد أن هذا هو الاتجاه الذي يجب أن يستمر. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا سيخلف آثارا كبيرة حيث أن سائقي السيارات الأميركيين يستهلكون حاليا حوالي 9 في المئة من إجمالي إنتاج النفط العالمي.

وتتكتل مجموعة واسعة من العوامل وراء هذا الرأي، بما في ذلك التوقعات بأن أسعار السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة من المقرر أن تنخفض بحلول نهاية هذا العام لتتناسب مع أسعار السيارات “التقليدية”. وسيمتص النمو في الطلب على المنتجات البترولية، وخاصة البتروكيماويات، بالتأكيد بعض الفائض الناشئ. لكن الخبراء مثل آلان ستروث من “ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس” مازالوا يرون أن انخفاض الطلب الأميركي الإجمالي على النفط سيكون حتى في غضون العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.

مصادر الطاقة المتجددة تمثل 90 في المئة من الزيادة في قدرة التوليد العالمية خلال هذه الفترة

وتحاول المفوضية الأوروبية مطابقة قانون خفض التضخم من خلال قانون “نت زيرو اندستري” المقترح الذي يوفر 250 مليار يورو على الأقل لشركات التكنولوجيا النظيفة. وتسعى كذلك إلى تقديم هدف مضاعفة قدرة الاتحاد الأوروبي للطاقة الشمسية المركبة من 2030 إلى 2025. وعززت ألمانيا هدفها لسنة 2030 لحصة الطاقة المتجددة في توليد الطاقة من 65 في المئة إلى 80 في المئة. وتبقى أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، مع تواصل تركيزها قصير المدى على الفحم والغاز الطبيعي المسال.

وتبقى الصين مدفوعة جزئيا بالحاجة الملحوظة إلى قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي من الطاقة مع استمرار تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة. وحددت في العام الماضي هدفا للحصة من قدرة التوليد المتجددة لتعادل إجمالي توليد الطاقة في اليابان، أي ألف تيراواط في الساعة.

ويشير مقال نُشر في الثالث عشر من فبراير في مجلة الإيكونوميست إلى أن حزم الإنفاق الهائلة في الولايات المتحدة وأوروبا تبقى ضخمة وكافية لتسريع انتقال الطاقة بمقدار خمس إلى عشر سنوات. ويجب أن تؤدي زيادة الاستثمار والأهداف الأكثر إحكاما إلى إنشاء قدر هائل من قدرة التوليد المتجددة.

وأخيرا، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع قدرة الطاقة المتجددة العالمية بمقدار 2400 جيغاواط بين 2022 و2027، وهو ما يعادل إجمالي قدرة الطاقة المركبة في الصين اليوم. كما أنه أعلى بنسبة تقارب 30 في المئة من توقعات الوكالة في 2021… ومن المقرر أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 90 في المئة من الزيادة في قدرة التوليد العالمية خلال هذه الفترة.

ويرى نيوتن أن كل هذا المنطق يبرز في “جنون” لوني. فهو من ناحية يتعرض لضغوط من الحكومات والمساهمين، وقد تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا من أجل “الاستثمار في نظام الطاقة اليوم”. ويخاطر من ناحية أخرى (وعلى غرار أقرانه في شركة بريتيش بتروليوم) بالتراجع عن منحى التحول الذي انحدر بحدة بسبب تلك الحرب نفسها. وسيحدد الوقت وحده ما إذا كان لوني قد ضبط هذه المرة “الأجواء” إلى درجة الحصول على التوازن “الصحيح” والقدرة على اصطحاب المستثمرين معه. ولن ننتظر طويلا لمعرفة ما إذا كانت الإيكونوميست على حق.

العرب