أثار قرار #واشنطن برفع عقوباتها عن #سوريا لمدة ستة أشهر مقبلة بهدف إفساح المجال للتدخل الإغاثي في أعقاب كارثة #زلزال السادس من فبراير (شباط) الحالي جدلاً بين مؤيد ومعارض.
ومع هبوط الطائرات المحملة بالمساعدات من مختلف الدول العربية والأجنبية، أو القادمة من قبل منظمات الأمم المتحدة، ومهما بدت ذات طابع إنساني وإغاثي، لكن الأوساط السياسية والشعبية تعقد عليها الآمال كبداية إذابة الجليد بين سوريا والعالم بأسره بعد القطيعة منذ عام 2011 فترة الحراك الشعبي في البلاد.
قيصر والزلزال
العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا ليست حديثة العهد، بل تمتد إلى السبعينيات من القرن الماضي، وتحديداً في عام 1979، إذ اقتصرت على عقوبات اقتصادية كمنع التصدير وعدم أهلية تلقي المساعدات الأميركية أو شراء المعدات العسكرية منها، الأمر الذي دفع إلى تدهور اقتصادي في البلاد، خصوصاً بعد تعمق العلاقات مع روسيا الاتحاد السوفياتي، ولم تتوقف القرارات في عهود رؤساء الولايات المتحدة حتى 18 من أغسطس (آب) عام 2011.
وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قد قرر تجميد أصول الحكومة والمصارف وحظر الواردات من البترول والمعدات أو أي شكل من أشكال التعاملات مع سوريا، إلى أن أصدر مجلس الشيوخ الأميركي قانون حماية المدنيين في سوريا، أو ما يسمى “قيصر” في منتصف ديسمبر (كانون الأول) عام 2019 استهدف الصناعات السورية، وكذلك الكيانات الإيرانية والروسية التي تقدم دعمها للنظام السوري.
ومنذ ذلك الحين باتت التوريدات القادمة من الدول الحليفة للنظام السوري في تراجع، لا سيما أن قانون قيصر أو “سيزر” يعاقب كل المتعاملين من دول وشركات، وحتى أفراد في وقت تراجع فيه الإنتاج وانخفض التصدير علاوة على خروج منابع الثروات النفطية والأراضي الزراعية في الشمال الشرقي عن السيطرة مع بداية الحرب، وعدم التمكن من تأهيل الآبار النفطية الواقعة وسط وغرب البلاد والخاضعة لسيطرة النظام، مما ألحق تدهوراً متلاحقة ومتسارعاً بعملة البلاد (الليرة) وهربت الاستثمارات إلى الخارج خصوصاً بعد الأزمة المالية والمصرفية في لبنان، حيث كانت الحديقة الخلفية للتعاملات التجارية.
وفي السادس من فبراير (شباط) الجاري، ضربت كارثة الزلزال جنوب تركيا وشمال سوريا، مما أسفر عن مقتل 43 ألف شخص من أنقرة ودمشق التي تركز عدد ضحايا في حلب واللاذقية وإدلب وحماة، وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً يجيز السماح لمدة 180 يوماً في سوريا حول جميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال، والتي كانت محظورة وفق تضمن لوائح العقوبات منذ عام 2011 تجميد الأصول السورية في أميركا.
سوريا ما بعد الكارثة
في غضون ذلك تتجه الأنظار إلى رفع العقوبات حتى الثامن من أغسطس (آب) 2023 بدوافع تدخل دولي لتقديم مساعدات للمتضررين وإلى الاستفادة القصوى بعد أن فتح الباب لإيصال وتطوير القطاعات الطبية والهندسية وغيرها من الشؤون المتعلقة بالإغاثة.
يقول الباحث في الشؤون السياسة الخارجية مضر إبراهيم لـ”اندبندنت عربية” لعل الرفع الموقت للعقوبات يكون متنفساً اقتصادياً في ظل الركود المتواصل بالبلاد إذا ما أحسنت استثمار القرار.
يضيف، “رفع العقوبات يبني عليه الكثير فيما لو تشكل ضغط منظم من النخب والمنظمات الإنسانية والإعلامية والمؤثرين في التواصل الرقمي، وصولاً إلى رفع نهائي لهذا القانون الذي يمنع أي خروج لسوريا من حالة الحصار الاقتصادي المطبق، وعندها يتوافد الراغبون في الولوج للسوق من المستثمرين العرب وسواهم كثر، ربطاً بالموقع الحيوي لسوريا وثرواتها الزراعية والصناعية واليد العاملة ومرونة التصدير لأوروبا من خلال تركيا ومرافئ اللاذقية وطرطوس وأيضاً للخليج العربي وأسواقها والترانزيت مروراً بالجغرافية السورية”.
في المقابل، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، مايكل ماكول والسيناتور جيمس ريش، في بيان لهما، أن هذه الخطوة تقوض السياسة الأميركية القائمة منذ فترة طويلة في المنطقة عبر السماح بالمعاملات المباشرة مع النظام السوري، وهو ما “يعني سرقة المساعدات، وصفعة للشعب السوري” بعد تفويض واسع منحتها الخزانة الأميركية (أوفاك) دعماً لجهود الإغاثة الفورية لسوريا، والتي سميت الرخصة العامة 23 الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
في حين قدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث أثناء جولته في مدينة حلب 13 من فبراير الحالي إكمال جهود الإغاثة والمساعدة والاستجابة الإنسانية خلال ثلاثة أشهر، وأعلن أن “خطة الأمم المتحدة الآن هي تقديم المساعدة في سوريا، وسنبدأ بزيادة المعدات والآليات. الناس هنا في حلب عانوا سنوات عديدة من الحرب، ويقاسون مرة أخرى من مأساة حقيقية يجب على العالم أن يسمعها”.
الحاجة إلى مزيد من الانفراجات
من جهته، لم يقابل الفريق الموالي للنظام رفع العقوبات بكثير من الارتياح واعتبروها مضللة للرأي العام الدولي، حيث طالب المجتمع الدولي ومنه الاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات لزيادة من وتيرة الرفع الجزئي.
ويجزم مراقبون عن حاجة البلاد إلى تأمين المعدات والأجهزة اللازمة والآلات الضخمة، لكن في المقابل يرى الأكاديمي والمتخصص في الاقتصاد السياسي، في تصريحات خاصة، أن القرار قابل للتمديد، ولا بد من التعامل مع الشركات لإجراءات مناقصات خاصة بالمجال الطبي ودعوة الدول العربية إلى كسر حالة الجمود والتعاون الجديد مع تكثيف العمل الدبلوماسي”.
ويعتقد أن الرخصة (23) الصادرة عن الخزانة الأميركية يمكن أن تستفيد منها الحكومة بشكل واسع عبر وسطاء لها من رجال الأعمال وشخصيات متمثلة في شركات تجارية، بحيث يمكن الاستفادة من الجانب الجيولوجي على سبيل المثال بحقول النفط تحت بند المساعدات الواصلة بما يخص الزلزال على رغم أن رفع العقوبات لم يشمل القطاع النفطي، ولهذا من الوارد أن تحدث عمليات التفاف في عدد من القطاعات خلال هذه المدة.
وتابع، “لدى العاصمة السورية فرصة ذهبية بتحسين واقعها الاقتصادي على رغم المأساة التي يعيشها المتضررون من الزلزال، وتدهور اقتصادها بشكل غير مسبوق، وصولاً إلى تحسين العلاقات السياسية، لا سيما الحديث عن زيارات رسمية من دول عربية كانت بينها وبين دمشق قطيعة تمثلت بزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. والتخفيف من الرقابة على شركات الصرافة والمصارف سيتيح يسراً بتدفق الأموال للشركات والمصارف باستثناء البنك المركزي الذي ما زال معاقباً”.
فرصة وضغط دولي
في المقابل، يشكك مراقبون من تمديد رفع العقوبات ويعتقدون أن حماس دول الاتحاد الأوروبي بالاتجاه نحو سوريا وهبوط طائرات مساعدات على أرضها بطيئاً، وليس بالمستوى المطلوب إنسانياً، ولن يعطي فرصة للنظام السوري من تحقيق أي نصر سياسي على حساب الإغاثة، لكن الضغط الدولي منذ الأيام الأولى أرغم أميركا على التحرك لاتخاذ قرار حتى بعد مرور أربعة أيام.
وكان نائب وزير الخزانة الأميركي، والي أدييمو قال في بيان، إن “برامج العقوبات الأميركية لا تستهدف المساعدة الإنسانية المشروعة بما في ذلك جهود الإغاثة في حالات الكوارث، ولطالما كانت حكومة الولايات المتحدة لديها التراخيص العامة المعمول بها وتسمح بالأنشطة لدعم المساعدة الإنسانية بما في ذلك بمناطق يسيطر عليها النظام السوري، والتي تقدمها الأمم المتحدة”.
ومع هذا تنكب الجهود اليوم لمساعدة المتضررين من الزلزال المدمر، وعلى رغم الجهود التي تبذلها المنظمات الأممية بالشراكة مع الوسط الإغاثي المحلي في الداخل السوري تبقى الحاجة تفوق المتوقع، فمئات الأبنية السكنية هدمت في اللحظات الأولى للكارثة، مع تضرر آلاف الأبنية الآيلة للسقوط بالتالي قد لا يكفي بشكل فعلي مدة نصف عام من رفع العقوبات، بالتالي قد يتطلب الأمر تمديداً جديداً ومطالبة بإقرار ترخيص جديد لدخول الآليات والشركات الأجنبية لإعادة إعمار المباني المتضررة.
اندبندت عربي