ثلاث خطوات تعيد بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي

ثلاث خطوات تعيد بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي

في خضم المفاوضات الشاقة بين المفوضية الأوروبية وبريطانيا عام 2018 بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي، قال مسؤول بريطاني محبط لأعضاء فريق المفوضية في المفاوضات برئاسة ميشال بارنييه “تخليّوا أن بلادنا لم تكن موجودة، وظهرت فجأة من قلب البحر وتأسست أمام شواطئكم. فما هي العلاقة المثالية التي تريدونها معنا؟”.

وهذا السؤال الذي ورد في كتاب ستيفان دي رينك مساعد بارنييه يعود مجددا بعد مرور ثلاث سنوات على إنزال علم بريطانيا من أمام مقر المفوضية الأوروبية ببروكسل بعد خروجها من الاتحاد، لكن هذه المرة يعود السؤال بنبرة أكثر ودية.

ويقول المحلل السياسي ليونيل لوران إن خطر نشوب حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب الخلاف حول تجارة أيرلندا الشمالية تراجع بشدة أمام خطر الحرب الحقيقية في أوكرانيا، بل وربما يتم تحقيق اختراق في هذا الملف ذي الحساسية السياسية خلال الأسبوع المقبل.

ويبذل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا جهدا من أجل تسوية ملف أيرلندا الشمالية. فبريطانيا التي عانت من الفوضى في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس والتكلفة الاقتصادية للخروج من الاتحاد الأوروبي تتواصل بجدية مع الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من الحرب الدائرة على حدوده الشرقية وأزمة الطاقة غير المسبوقة التي ضربته في العام الماضي.

هناك أسس لعودة بريطانيا إلى الاتحاد لكن الخطر الذي ما زال الأوروبيون يرونه هو سياساتها الداخلية

وليس هذا فحسب، بل ظهرت أصوات مهمة تتحدث علانية عن مدى إمكانية عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي. ومؤخرا تحدث بارنييه علانية، كما فعل بعض أعضاء البرلمان الأوروبي وعمدة لندن صادق خان عن الموضوع.

لكن هذا تحول عنيف تماما. فمن غير المفيد بالنسبة إلى تفكير صانعي السياسات الانتقال من النقيض إلى النقيض. وربما كان الأفضل الحديث عن “مصالحة” تدريجية بين الجانبين. فالاتحاد الأوروبي تغير منذ خروج بريطانيا.

وفي حين كبد هذا الخروج الجانبين تكاليف باهظة، فإن بروكسل نجحت في المضي قدما بدون لندن. كما تم ملء الفراغ الذي تركته بريطانيا في البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي، وكذلك في الميزانية الأوروبية والتي أصبحت أكبر من المعتاد الآن. كما اتضح أن المخاوف من وجود بريطانيا غير الخاضعة لقواعد الاتحاد الأوروبي على أعتاب الاتحاد لا أساس لها.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يستطع حتى الآن تعويض القوة الصلبة والناعمة التي خسرها بخروج بريطانيا منه بالكامل، فإنه في اقتصاد أوروبي أكبر تكاملا وتعاون أمني أكبر، لم يعد الدبلوماسيون الأوروبيون يتعلقون بعودة بريطانيا إلى الاتحاد.

وفي الوقت نفسه أصبح الجدل في بريطانيا بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي غير صحي. فالرأي العام أصبح رافضا لتأثيره الاقتصادي.

وتصوّر بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والداعي الأقوى إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2018 أن تحرير بلاده من قواعد الاتحاد سيضيف 4 في المئة على الأقل إلى إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا على مدى خمس سنوات. لكن جون سبرنغفورد المحلل الاقتصادي في مركز الإصلاح الأوروبي يرى أن الاقتصاد البريطاني سيكون أقل بنسبة 5.5 في المئة من حجمه لو ظلت بريطانيا داخل الاتحاد، وأن حصيلة الضرائب انخفضت منذ الخروج من الاتحاد بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (48 مليار دولار).

ويقول جوناثان فول المسؤول البريطاني السابق الذي عمل 38 عاما في المفوضية الأوروبية والذي يرى أن هناك أسسا لعودة بريطانيا إلى الاتحاد، إن “الخطر الذي ما زال الأوروبيون يرونه هو السياسات الداخلية لبريطانيا (…) فهم يقولون لماذا نندفع للدخول في اتفاقيات جديدة يمكن للطرف الآخر التبرؤ منها مرة أخرى على المدى المتوسط؟”.

ولذلك فالأفضل هو أن تعتمد العلاقات البريطانية – الأوروبية على عملية متعددة الخطوات.

والخطوة الأولى هي تسوية أهم مشكلة قائمة حاليا وهي العلاقات التجارية مع أيرلندا الشمالية باعتبارها جزءا من بريطانيا العظمى، وفي الوقت نفسه ترتبط بعلاقات شديدة التشابك مع جمهورية أيرلندا (الجنوبية) عضو الاتحاد الأوروبي.

وعلى بريطانيا التخلي عن إستراتيجية حافة هاوية الحرب التجارية والالتزام بتطبيق اتفاقيات الحدود الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في 2020، وهو أمر أصبح في المتناول في ضوء التطورات الأخيرة.

وأما الخطوة الثانية، فتتعلق بضرورة إزالة السموم من التسوية المنتظرة لملف أيرلندا الشمالية لإقناع غلاة المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي في البرلمان البريطاني ومؤيدي بريطانيا من أعضاء برلمان أيرلندا الشمالية.

ويعني ذلك التخلي عن فلسفة جونسون التي تقول إن بريطانيا تستطيع انتقاء ما تريده من شروط وقواعد الاتحاد الأوروبي وفي نفس الوقت الدخول إلى سوقه بحرية. كما أن حزب العمال نفسه مذنب لتصوره في الماضي أن بريطانيا ستحظى بمعاملة خاصة في الوصول إلى السوق الأوروبية بعد خروجها من الاتحاد.

وهنا تأتي الخطوة الثالثة بحسب دي رينك في كتابه، وهي التعاون في المجالات ذات الفائدة المشتركة مثل البحث والابتكار ومشروعات الطاقة المتجددة في بحر الشمال ومراقبة الأقمار الاصطناعية واستخدام مركز غاليليو للبيانات الملاحية.

ويقول ليونيل لوران إن هذا التعاون يمكن أن ينشئ علاقة تحقق فيها بريطانيا “فوائد الخروج من الاتحاد الأوروبي” لكن ليس على حساب الاتحاد وإنما من خلال شراكة مع القارة التي تطارد هدف “الاستقلال الإستراتيجي”.

العرب