مع اقتراب العام الأول من الحرب الروسية على أوكرانيا من نهايتها، تحظى كييف بدعم أوروبي كبير، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ووصل الحال إلى منح أوكرانيا بعجالة صفة دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، بينما استُقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في بروكسل، خلال قمة الاتحاد الأوروبي في 9 فبراير/ شباط الحالي.
وأثناء مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، عبر الفيديو أمس الأول الجمعة، جدد زيلينسكي تأكيده أنه لا يرى بديلاً لعضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، داعياً إلى عدم تقديم تنازلات لروسيا، ومتسائلاً: “هل يمكن أن تكون أوروبا موضعاً لحل وسط؟”، قبل أن يجيب بنفسه: “لا”.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا كانت تعتزم، قبل بدء الحرب في 24 فبراير 2022، التقدم رسمياً بطلب العضوية في الاتحاد الأوروبي في العام 2024 بهدف الانضمام إلى الاتحاد في ثلاثينيات القرن الحالي، إلا أن اندلاع أعمال القتال سرع من هذا الأمر، إذ وافق البرلمان الأوروبي، مطلع مارس/ آذار الماضي، على طلب زيلينسكي الانضمام إلى الاتحاد. وفي الصيف الماضي، مُنحت أوكرانيا رسمياً صفة الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك إلى جانب مولدافيا.
دعم أوكراني كبير للانضمام للاتحاد الأوروبي
ويحظى مشروع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بدعم الأغلبية الساحقة من الأوكرانيين، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته مجموعة “ريتينغ” (التصنيف) الأوكرانية للدراسات الاجتماعية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن 87 في المائة من المستطلعة آراؤهم كانوا سيؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال أجري استفتاء بشأن هذه المسألة، مقابل معارضة 3 في المائة فقط، وامتناع 8 في المائة عن التصويت.
لم يستبعد قسطنطين سكوركين احتمال تحول أوكرانيا إلى “المرشح الخالد” مثل تركيا أو صربيا
ومع ذلك، ثمة شكوك في واقعية انضمام أوكرانيا، البالغ عدد سكانها أكثر من 40 مليون نسمة، والتي تعيش حرباً مع روسياونزيفاً اقتصادياً، إلى الاتحاد الأوروبي في الأفق المنظور، خصوصاً أن هناك سابقة تركيا، التي لا تزال تنتظر قبولها لعضوية الاتحاد منذ منحها صفة دولة مرشحة في 1999، بلا انفراجة في الأفق والنسيان الفعلي للمشروع.
وما يعزز واقعية هذا السيناريو في الحالة الأوكرانية هو عدم قبول الاتحاد الأوروبي، الذي تعاني دوله من أزمات اقتصادية متلاحقة، أي أعضاء جدد منذ انضمام كرواتيا في 2013، من دون أن يتم البت في مسألة عضوية الدول المرشحة الأخرى، رغم أنها تعيش أوضاعاً أكثر استقراراً من أوكرانيا.
وإلى جانب تركيا وأوكرانيا ومولدافيا، تشمل قائمة الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي حالياً عدة دول في شبه جزيرة البلقان جنوب أوروبا، بما فيها مقدونيا الشمالية (منذ العام 2005)، ومونتينيغرو (منذ 2010)، وصربيا (منذ 2012)، وألبانيا (منذ 2014).
حتمية الخيار الأوروبي
يعتبر الصحافي والباحث بالشؤون الأوكرانية قسطنطين سكوركين أن آفاق عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي تبقى ضبابية، نظراً لتردي أوضاعها الاقتصادية، جازماً، في الوقت نفسه، بأنه لا بديل أمام كييف سوى اتّباع الطريق الأوروبي.
ويقول سكوركين، لـ”العربي الجديد”، إنه “لا تزال آفاق انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ضبابية، إذ إنها تبقى جناحاً متأزماً بالنسبة إلى أوروبا، كونها بلداً كبيراً وفقيراً ذا اقتصاد دمرته الحرب. تعتمد أمور كثيرة على نتائج الحرب، ومن الصعب التنبؤ بالمستقبل في الظروف الراهنة”.
ومع ذلك، يقرّ بأن “الحرب الحالية تربط أوكرانيا بأوروبا عبر المساعدات العسكرية والإنسانية والاقتصادية التي تقدمها بلدان الاتحاد الأوروبي لكييف، بينما تواصل أوكرانيا ضبط أحكامها ومعاييرها مع تلك المعتمدة أوروبياً قدر المستطاع في زمن الحرب، وتواصل مكافحة الفساد والأوليغارشيين الذين عرقلوا تكوين سوق متحضرة”.
ويعبر سكوركين عن اعتقاده بأن أوكرانيا ستصبح أقرب إلى أوروبا، وقد تنال عضوية الاتحاد الأوروبي، من دون أن يستبعد، في الوقت نفسه، احتمال تحولها إلى “المرشح الخالد” مثل تركيا أو صربيا.
ويلفت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لاستثمار مخاوف الحكومات الأوروبية من قبول أوكرانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، مستشهداً بدعاية الكرملين التي تروّج لأفكار مفادها أن الأوكرانيين غير مرحب بهم في أوروبا، داعية الأوكرانيين إلى إسقاط زيلينسكي الموالي للغرب والتحالف مرة أخرى مع روسيا.
ومع ذلك، يخلص سكوركين إلى أن أوكرانيا لا بديل أمامها عن اتّباع الطريق الأوروبي كهدف استراتيجي مدعوم من الأغلبية الساحقة من السكان، الذين لم يعودوا يرغبون في أن تكون بلادهم منطقة فاصلة بين الشرق والغرب، بل يريدون أن يصبحوا جزءاً من أوروبا، بعدما تحوّلت روسيا إلى عدو لهم.
غيورغي كاسيانوف: سيتذكر الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب معايير كوبنهاغن
وكان الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو، المعروف بولائه للغرب ومعاداته لروسيا، قد مرر قبل انتهاء ولايته في 2019 تعديلاً دستورياً، رسخ بموجبه “الهوية الأوروبية واللاعودة عن التوجه الأوروبي والأوروأطلسي لأوكرانيا”، وجعل الرئيس “ضامناً لتحقيق التوجه الاستراتيجي للدولة نحو نيل العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي”.
وأثار هذا التعديل حينها حفيظة موسكو، بعدما ظلت أوكرانيا دولة محايدة بموجب بيان الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي عند تفككه في 1991، والذي شكل قاعدة لدستور الدولة الوليدة. وفي مارس الماضي، لم يستبعد مسؤولون أوكرانيون كبار احتمال العودة إلى الحياد في حال تقديم ضمانات أمنية قانونية لكييف، وذلك بالتزامن مع عقد عدة جولات من المفاوضات الروسية الأوكرانية التي تعثرت في ما بعد.
تذكر معايير كوبنهاغن بعد انتهاء الحرب
من جهته، يرى أستاذ التاريخ في جامعة “ماريا كوري سكلودوفسكا” في مدينة لوبلين البولندية غيورغي كاسيانوف أن أوكرانيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي لاعتبارات سياسية، من دون الوفاء بمعايير كوبنهاغن التي ستتذكرها بروكسل بعد انتهاء الحرب.
ويقول كاسيانوف، لـ”العربي الجديد”: “سيواصل الاتحاد الأوروبي إصدار إشارات ذات طابع استحسان، مع التأكيد على أن الانضمام هو عملية صعبة تستغرق وقتاً طويلاً. طالما الحرب مستمرة، يمكن التفكير في العضوية والحلم بها وحتى الحديث عنها، ولكن من دون تخطيط لموعد محدد لها”.
وحول رؤيته لآفاق عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب، يضيف: “بعد انتهاء الحرب، سيتذكر الاتحاد الأوروبي معايير كوبنهاغن، كما تعتمد أمور كثيرة على نتائج الحرب، وحالة أوكرانيا وأراضيها بعدها. لا أرى أفقاً حقيقياً لعضوية أوكرانيا في السنوات القليلة المقبلة، كون كييف وبروكسل غير مستعدتين لذلك، لا فنياً ولا اقتصادياً”.
ومعايير كوبنهاغن هي مجموعة من القواعد والاشتراطات السياسية والاقتصادية اعتمدها الاتحاد الأوروبي في منتصف تسعينيات القرن الماضي لأعضائه الجدد، ومن بينها الانتماء إلى الحضارة الأوروبية واحترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته، بما فيها حماية الأقليات الإثنية، واستقرار الوضع المالي واعتماد اقتصاد السوق، ومطابقة القوانين المحلية مع مبادئ القانون الأوروبي.
أهمية بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي
من جهته، يتوقع الإعلامي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف أن تستغرق عملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي نحو عقد من الزمن، مشدداً على أهمية بدء مفاوضات الانضمام.
ويقول بورتنيكوف، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي عملية طويلة. ومن البديهي أن نيل العضوية الكاملة مرهون بتلبية المعايير المطلوبة، ولذلك لا أشارك تفاؤل من يتوقعون أن تصبح أوكرانيا بلداً عضواً في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات القليلة المقبلة”.
وحول رؤيته لخطوات كييف التالية على الطريق نحو العضوية في الاتحاد الأوروبي، يقول إنه “من المهم الآن تأكيد صفة الدولة المرشحة، وبدء مفاوضات العضوية التي قد تدوم فترة طويلة. كما يجب تسوية العلاقات الثنائية مع بعض الدول المجاورة، مثل المجر والتي بمقدورها عرقلة المفاوضات، ولذلك قد تستغرق العملية نحو عقد من الزمن”.
وفي وقت سابق من فبراير الحالي، ربطت المجر مصادقتها على اتفاقية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بتحقيق تقدم في مسألة حقوق الأقليات، في إشارة إلى أوضاع الأقلية المجرية التي تقطن منطقة زاكارباتيه في أقصى غرب أوكرانيا.
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، غرد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بعلاقته الوطيدة مع بوتين، خارج سرب الدول الأوروبية الداعمة لكييف، من جهة عرقلة وصول الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا أولاً، ثم منع تمرير الحظر الأوروبي الكامل على النفط الروسي، وإصراره على استبعاد النفط الذي يمر عبر الأنابيب من الحظر.
العربي الجديد