هل فرضت الوصاية الأمريكية على الاقتصاد العراقي؟

هل فرضت الوصاية الأمريكية على الاقتصاد العراقي؟

يتابع العراقيون والمراقبون باهتمام كبير نتائج زيارة الوفد الاقتصادي العراقي إلى الولايات المتحدة قبل أيام، لما لها من آثار حاسمة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للبلد حاضرا ومستقبلا، في ظل تداعيات الصراع الأمريكي الإيراني على الساحة العراقية والمنطقة.

وفي محاولة لاقناع الغدارة الأمريكية بتخفيف القيود على حركة الدولار التي فرضتها على العراق مؤخرا للحد من تحويلات هائلة للأموال العراقية إلى ايران وبعض دول الجوار، أرسلت حكومة بغداد وفدا اقتصاديا إلى واشنطن ضم وزير الخارجية فؤاد حسين ومحافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق وكبار خبراء الاقتصاد والمال وممثلي بعض الوزارات، حيث أثارت الزيارة آراء متباينة بين ادعاء الوفد العراقي بنجاح مهمته، وبين مؤشرات فشل الزيارة وفرض الولايات المتحدة شروطها على العراق.

مؤشرات الفشل

وكانت العديد من المؤشرات أكدت صعوبة مهمة الوفد الاقتصادي في اقناع واشنطن لتخفيف قيودها المفروضة على حركة الدولار العراقي للحد من تدفقه نحو إيران وحلفائها، ضمن مساعي الولايات المتحدة لضبط الاقتصاد العراقي من خلال ربطه بها وبحلفائها وإبعاده عن التأثير الإيراني.
وفيما يبدو انه إقرار من حكومة بغداد بعدم امكانية تغيير الموقف الأمريكي، فقد وصف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، محاولة عرقلة عجلة الاقتصاد والعودة إلى التهريب ومخالفة القوانين، بأنه «رهان خاسر». وشدد السوداني أن «عجلة الإصلاح الاقتصادي ماضية إلى الأمام» وأن «من يراهن على العودة إلى الوراء وممارسة التهريب ومخالفة القوانين والتعليمات رهانه خاسر، فالحكومة وجميع أجهزتها المختصة ستواجه وبحزم كل المهربين والمضاربين، ومن يعرقل سير الإصلاح ويلحق الضرر بالاقتصاد العراقي ويؤثر في الوضع المعيشي للمواطنين».
وتزامن هذا التصريح مع حملة واسعة شنتها السلطات الأمنية على شركات الصيرفة والمصارف التي تقوم بشراء الدولار من السوق وتهريبه إلى الخارج، حيث تم الإعلان عن اعتقال العديد من المتورطين في هذه المسألة، للحد من قيام شركات صيرفة عراقية بشراء الدولار من السوق لتهريبه أو التلاعب بسعر صرفه، وذلك في أعقاب قرار البنك الفيدرالي الأمريكي مؤخرا، وضع قيود على تحويلات غير قانونية بمليارات الدولارات من العراق إلى الدول الأخرى، وهو ما اعتبرته واشنطن كسرا للعقوبات الدولية المفروضة على إيران وحلفائها.
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي التقى في واشنطن بوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن أعلن ان الوفد العراقي طالب الأمريكان بتطبيق بنود الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعها العراق والولايات المتحدة عام 2011. وقد عقد الوفد العراقي اجتماعات عديدة مع صناع القرارات المالية الأمريكية والبنك الدولي، من أجل اقناعهم بسلامة إجراءات الحكومة العراقية للحد من تهريب العملة، وهي مهمة ليست سهلة في ظل سكوت حكومات بغداد على التهريب الواسع للدولار إلى إيران منذ عام 2003 . كما بحثت الاجتماعات الوضع الاقتصادي في العراق ومشكلة المصارف وسعر صرف الدولار وإنتاج الغاز والنفط والكهرباء وغيرها.
ومن أجل تطمين الجانب الأمريكي إلى مساعي حكومة بغداد للابتعاد عن الاعتماد على النفط والغاز الإيراني، أكد فؤاد حسين «أننا نعمل من أجل تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة» مدعيا انه «لا يمكن ان يكون العراق دولة نفط وغاز وليس لديه كهرباء» ومشددا ان الحكومة العراقية قررت مؤخرا تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع شركات مختلفة لاستخراج الغاز من الحقول، وانه سيتم أيضا إبرام اتفاقيات مع شركات أخرى للاستثمار في مجال الغاز المصاحب للنفط، حيث يعد العراق ثاني دولة في العالم في إهدار الغاز.

تركيز أمريكي على اقتصاد العراق

أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فأكد في كلمته خلال المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية العراقي «أن بلاده تعمل على تعزيز الاقتصاد العراقي وإعادة دمجه بالمنطقة في إطار العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين» موضحا «نركز الآن بشكل مكثف للغاية على البعد الاقتصادي لتلك الاتفاقية».
وفي تشديد على إبعاد العراق عن الاعتماد على النفط والغاز الإيراني ذكر بلينكن: «سيتم التركيز بشكل خاص على الطاقة والكهرباء في اتفاقية الإطار الاستراتيجي» مؤكدا أن العراق «يمكنه ويجب عليه أن يكون مستقلا في مجال الطاقة». وهي إشارة إلى رفض أمريكي لاعتماد حكومة بغداد على النفط والغاز الإيراني بالتزامن مع هدر متعمد للغاز العراقي ورفض دعوات استثماره من قبل الشركات المحلية والعالمية.
وقد لوحظ ان بلينكن لم يتطرق في تصريحاته إلى القضية الرئيسية المتعلقة بحركة الدولار في العراق، وهو يدل على ان الإدارة الأمريكية لم تغير قيودها ولم تستجب للمطالب العراقية. فيما أكدت مصادر مطلعة ان الموقف الأمريكي كان متشددا بضرورة قيام العراق بإعادة النظر بنظامه المصرفي الذي فيه ثغرات كبيرة تسمح بتهريب الأموال العراقية إلى ايران ومساعدتها في كسر الحصار والعقوبات عليها. كما كشفت واشنطن انها تراقب وبدقة عالية غسيل الأموال وتهريب العملة في العراق، ولذا حذرت بغداد بضرورة ضبط حركة الدولار لديها، وإلا فان الدينار العراقي سيكون مصيره الانهيار كما حصل مع الليرة السورية واللبنانية.
وذكر البيان المشترك للبلدين انهما قررا «تسـريع الجهود لاستغلال الغاز المحترق، وتحديث البنية التحتية لتوزيع الغاز الطبيعي، والربط الإقليمي لشبكة الكهرباء العراقية، وتحديث البنية التحتية للكهرباء في العراق، واستكشاف فرص الطاقة المتجددة» وأشاد الوفد الأمريكي بـ«التزام العراق بمشاريع الربط الكهربائي الإقليمي مع الأردن والمملكة العربية السـعودية» كما حثا على استخدام الطاقة الشمسية. وأكد الوفدان «تطابق وجهات النظر بأن السعي لأجندة طموحة لاستقلال الطاقة أمر ضروري لتحقيق أقصى قدر من الازدهار الاقتصادي للعراق وحماية سيادته».
فيما أكد محافظ البنك المركزي علي العلاق نية البنك إطلاق الحزمة الثانية من الإجراءات التي من شأنها تعزيز استقرار سعر صرف الدولار، مؤكدا أن «المنصة الإلكترونية الجديدة لتجنب وقوع أية عقوبات على الجهات التي تقوم بعمليات التحويل سواء كانت مصارف أو غيرها، فهي حماية للقطاع المصرفي وللبنك المركزي وللبنوك من الوقوع في أي اشكال يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وهذا يخدم جميع الأطراف».
محللون اقتصاديون عراقيون أشاروا إلى إن البنك الفيدرالي الأمريكي منح العراق مهلة قصيرة لكي يلتزم بمراقبة حركة أمواله، وفق المعايير الدولية والابتعاد عن غسل الأموال والتحويلات غير الرسمية.
وكشف الأكاديمي والخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية سمير عبيد، في سلسلة تغريدات على صفحته الشخصية في موقع تويتر «ان واشنطن فرضت عددا من الشروط على العراق من أجل تجاوز أزمة الدولار وتهريبه إلى الخارج، وأن من الشروط الأمريكية التي وقعها الوفد العراقي بواشنطن فتح مكتب فيدرالي بعمان مهمته مراقبة حركة الأموال العراقية». وكشف أن «السوداني كسر حاجز التردد والمجاملة مع قادة الإطار (حلفاء إيران) وأخبرهم بالشروط الأمريكية الصارمة التي وقع عليها الوفد العراقي في واشنطن والتي باتت ملزمة» حسب قوله، وهو ما عده «فرض الوصاية الأمريكية على الاقتصاد العراقي بتوقيعهم بواشنطن».

انتقادات شيعية

ولعل أبرز مؤشرات فشل الوفد العراقي في تغيير الموقف الأمريكي هو ردود الأفعال الغاضبة من قوى الإطار التنسيقي الحليف لإيران الذي عبر عن عدم القناعة بنتائج تحرك وزير الخارجية في واشنطن وتعهد بارسال رئيس الحكومة محمد السوداني إلى واشنطن لهذه الغاية.
ووجهت قوى الإطار اتهامات متنوعة للولايات المتحدة، تارة بانها تسعى للسيطرة على العراق واقتصاده مع دعوات للتخلص من الهيمنة المالية الأمريكية على العراق. إضافة إلى مطالبات لحكومة السوداني بالتوجه لبيع النفط إلى الهند والصين ودول أخرى، بعملات غير الدولار، بعيدا عن النظام المالي الأمريكي الذي يتحكم باقتصاد العالم. وفيما ذكرت بعض مصادر الإطار ان واشنطن اتخذت من اتفاقية تصدير النفط إلى الأردن عبر أنبوب (بصرة ـ العقبة) أحد شروط حل أزمة الدولار، ادعى آخرون ان التحرك الروسي الصيني الفرنسي نحو العراق مؤخرا، دفع واشنطن إلى فرض قيود للضغط على الحكومة العراقية اقتصاديا.
وبعيدا عن النوايا والأهداف، فإن المراقبين يرون ان الإجراءات الأمريكية مرحب بها من أغلب العراقيين، كونها مفيدة لبلدهم وتحد من استنزاف أموال العراق من قبل الدول الأخرى، كما يرون ان قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي ممنهجة ومدروسة لتوجيه الاقتصاد العراقي ومنع استغلاله من قبل إيران وحلفائها. أما حكومة بغداد، التي وقعت بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني، فليس أمامها إلا الالتزام بالقيود الأمريكية، بالرغم من الضغوط التي تمارسها القوى الولائية العراقية عليها، والتي تعكس عدم استعداد إيران للتخلي عن البقرة العراقية الحلوب، وسط ترقب الخطوات الإيرانية القادمة للالتفاف على القرارات الأمريكية.

القدس العربي