الرياض- تدفع أزمة أربعة ملايين لاجئ سوري في المناطق التي تعرضت للزلزال، فضلا عن نحو مليون لاجئ آخر بصدد العودة إلى بلادهم من تركيا، السعودية إلى القبول بمنحى جديد في العلاقة مع سوريا.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال منتدى ميونخ للأمن “إن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”.
ويشير المراقبون إلى أن مؤشرات القبول بـ”استيعاب” سوريا مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، سبقت أحداث الزلزال، إلا أن هذه الأحداث وفرت مناسبة مثالية للكشف عن المنعطف.
ففي إشارة إلى الاهتمام بالملف السوري كان الأمير فيصل بن فرحان قد التقى قبل بضعة أسابيع بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن لبحث ملف الأزمة وما وصلت إليه. كما أعلنت لجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية – المصرية، التي عُقدت في الرياض في 12 يناير الماضي، دعم البلدين لـ”الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254، ورفض أي تهديدات بعمليات عسكرية تمس الأراضي السورية، وتروّع الشعب السوري”.
وأشارت اللجنة إلى أن الطرفين اتفقا على “ضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، ودعم جهود المبعوث الأممي لدفع العملية السياسية في سوريا”.
وقال مندوب المملكة الدائم في الجامعة العربية السفير عبدالرحمن بن سعيد في أواخر العام الماضي “نحن نتمنى عودة سورية إلى المحيط العربي. في الحقيقة هناك قرارات عربية اتخذت ودولية أيضًا. متى تم تنفيذها ستكون المملكة وكافة الدول العربية حريصة على عودة سوريا والشعب السوري”.
وبالتزامن مع هذه الإشارات قالت وزارة الخارجية السورية في 16 يناير الماضي إنه لا مانع سياسيًّا من استيراد المواد المصنعة في السعودية. وأوصت اللجنة الاقتصادية الحكومية بالسماح باستيراد المواد الكيميائية والبتروكيماوية من السعودية و”كل المواد المسموح استيرادها في سوريا، بناءً على طلب عدد من المستوردين”. وقالت الحكومة السورية آنذاك إن الموافقة على طلب الاستيراد جاءت بسبب “السعر المناسب والجودة العالية” للمواد المستوردة من السعودية.
وقال الأمير فيصل بن فرحان في ميونخ إنه في ظل غياب سُبل تحقيق “الأهداف القصوى” من أجل حل سياسي فقد “بدأ يتشكل نهج آخر” لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا.
وأضاف “لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية، خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك”.
ويقول مراقبون إن تخلي الرياض عن “الأهداف القصوى” لا يعني أنها لم تعد مهتمة بالحل السياسي، إلا أنها لم تعد تضع هذا الحل كأولوية مسبقة إزاء الأزمة الإنسانية التي يعانيها اللاجئون السوريون في شمال غرب البلاد وفي تركيا.
وكانت السلطات السورية سمحت لجسر الإغاثة السعودي بالوصول إلى المناطق غير الخاضعة لها في شمال غرب سوريا. ولم تواجه الشحنات السعودية عوائق في الطريق إلى المواقع المتضررة من الزلزال.
ويقول مراقبون إن السعودية لم تعد تضع “فك الارتباط بإيران وحزب الله” كشرط مسبق لعودة سوريا إلى الصف العربي. وبحسب هؤلاء المراقبين هناك سببان رئيسيان لذلك، الأول هو أن إيران ليس لديها ما تقدمه أو تنافس به ما تقدمه السعودية والإمارات في سوريا. والثاني هو أن مقاربة الإمارات في استئناف العلاقات مع سوريا أثبتت جدواها. وهي مقاربة لا تأخذ بمعيار المنافسة من الأساس، وإنما تضع المصالح المتبادلة في المقدمة، والقاعدة الضمنية فيها هي أن “البقاء للأصلح” والأكثر نفعا.
وتعتبر السعودية أن نجدة اللاجئين تخدم هدف تهدئة اندفاعات استمرار التصعيد، كما تهدف إلى ضمان استقرار الشرائح الاجتماعية التي شردتها الأزمة وعصفت بمدنها وجعلت منها نهبا لمنظمات التطرف.
وبالتوازي مع ذلك يظل النفوذ التركي في مناطق شمال غرب سوريا تحت المجهر؛ ففي حال لم ينجح الرئيس رجب طيب أردوغان في تجديد رئاسته، سيتحوّل هذا النفوذ بشكل سريع إلى فراغ يبحث عمن يملؤه.
ويقول مراقبون إن الجمع بين التوجه السعودي الجديد حيال الأسد وبين المقاربة الإماراتية تجاه سوريا سيجعل “الحل السياسي” قريبا أو حتى في متناول اليد، طالما أن “الأهداف القصوى” لم تعد هي الخيار الوحيد.
وكان الأمير فيصل بن فرحان قد قال خلال القمة العربية التي انعقدت في نوفمبر الماضي بالجزائر إن بلاده “تدعم كل الجهود العربية والدولية لإيجاد حل سياسي بسوريا”، مؤكدًا “حرص المملكة على أمن سوريا واستقرارها، ودعم كل الجهود العربية والدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية”.
و”الحل السياسي” لا يزال مطلوبا، ولكن مراقبين يرون أنه لم يعد الحل ذاته الذي كانت تفرضه أجواء وتناحرات القرار الدولي رقم 2254.
العرب