لا شك أن الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، كما وصفه الرئيس أردوغان بالأقوى والأكثر دماراً خلال 100 عام، بالإضافة إلى المآسي الإنسانية والخسائر البشرية الكبيرة التي تتجاوز 40 ألفا في تركيا بينهم حوالي 1600 سوري، وأكثر من 108.000 مصاب، وتسبب بتدمير 48000 منزل ومبنى، ودمار هائل وغير مسبوق في 11 ولاية منكوبة في تركيا. وفي الشمال الغربي السوري وخاصة مناطق المعارضة السورية، وبمجمل حوالي 6000 ألف قتيل في سوريا و 10.000مصاب.
سيكون للزلزال بالإضافة لتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، تداعيات سياسية في الدولتين. أبرزها تأثير تلك التداعيات البشرية والإنسانية على المشهد السياسي وسط انقسام سياسي حاد قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة في الجمهورية التركية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 منهياً الخلافة الإسلامية.
كان ملفتاً استغلال وحجم انتقادات المعارضة التركية التي توظف وتستغل حجم الكارثة من وفيات ودمار لآلاف المباني التي كان من المفترض أن تقاوم الزلزال، على شعبية ومكانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه. خاصة وأن معظم المدن التي لحق بها الدمار والخسائر البشرية يديرها رؤساء بلديات من حزب أردوغان العدالة والتنمية. كما تشكل تلك المحافظات ومدنها خزان كبير من الناخبين الداعمين عادة لحزب العدالة والتنمية وللرئيس أردوغان. خاصة وأن الرئيس أردوغان يواجه تحديا كبيرا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بعدما قدّم موعد الانتخابات من شهر يونيو/حزيران إلى منتصف شهر مايو/أيار القادم، بعد بدء تحسن الأوضاع الاقتصادية. لكن يبقى الوضع الاقتصادي والمعيشي صعباً برغم انخفاض التضخم لـ57٪، لكن تبقى من أعلى النسب، وثبات صرف العملة (الليرة) التركية، لكن تبقى منخفضة لمستويات غير مسبوقة أمام الدولار. ما رفع الأسعار وكلفة المعيشة، وساهم بزيادة حالة الاستياء الشعبي حتى قبل الزلزال.
بات واضحاً تصميم المعارضة التركية بشكل محموم على هزيمة أردوغان في الانتخابات القادمة، بتسييس وتوظيف تداعيات الزلزال للنيل من أردوغان وحزبه كورقة انتخابية ضاغطة. ألقى كمال كليجدار أوغلو(زعيم المعارضة التركية المتحالفة من ستة أحزاب، وزعيم حزب الشعب الجمهوري) كارثة الزلزال، أنها «نتيجة لسياسة وفشل حكم أردوغان وحكومته خلال عشرين عاماً بتحضير البلاد لكوارث وزلازل».
بدوره أستنكر الرئيس أردوغان من هاتاي المنطقة الأكثر تضرراً من الزلزال، توظيف المعارضة لكارثة الزلزال ـ سياسياً واصفاً ـ «حملة التهجم السياسية مؤسفة ولا تطاق» وحث على الوحدة والتضامن الوطني لمواجهة تداعيات الزلزال الكارثية.
تتسبب دبلوماسية الكوارث الطبيعية والزلازل والإغاثة والمساعدات الإنسانية بالتأثير على مسار الانتخابات، وبتسهيل وتسريع التطبيع
لكن السؤال المهم في خضم ذلك كله ومع إعلان الرئيس أردوغان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر بعد الزلزال ـ تنتهي قبل موعد الانتخابات، هل ستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها؟ خاصة مع وجود ملايين المتضررين والنازحين عن مدنهم وولاياتهم من تداعيات الزلزال! أم ستؤجل الانتخابات بسبب مخاوف من ردة الفعل الغاضبة على بطء التعامل مع كارثة الزلزال وارتفاع عدد الضحايا من قتلى ومصابين ونازحين ممن فقدوا أسرهم ومنازلهم ومصادر دخلهم؟ لا شك أن الكارثة كبيرة وعميقة، والتحدي كبير وبرغم تعهد الرئيس أردوغان ومسؤولين بإعادة إعمار دمار الزلزال خلال عام، إلا أن الواقع بسبب ما يتكشف من كارثة وآثار الزلزال المدمر، ودمار 48000 مبنى على الأقل لا يطمئن أن الحكومة التركية قادرة على الإيفاء بوعودها ببناء ما دمره الزلزال خلال عام واحد.
وكذلك يوظف ورقة توزيع المساعدات الإغاثية ومطالب الأمم المتحدة بفتح مزيد من المعابر لإيصال المساعدات لمناطق المعارضة، للمطالبة برفع العقوبات الدولية والغربية. وكذلك يستغل ويوظف الأسد ونظامه كارثة الزلزال للتطبيع مع الدول العربية وخاصة الخليجية، بدعم من الدول العربية المطبعة مع نظامه وروسيا وإيران. نشهد ذلك باتصال الرئيس المصري السيسي بالأسد، وزيارة وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ورفع تونس التمثيل الدبلوماسي وحتى أمل استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، بعد تعليق عضويتها عام 2011 بعد عسكرة النظام للثورة السورية وارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية وصولاً إلى استخدام السلاح الكيماوي وغاز السيرين والبراميل المتفجرة والصواريخ بعيدة المدى ضد المديين العُزّل من شعبه.
وكان ملفتاً من علامات التطبيع الخليجي مع نظام الأسد عقب الزلزال الذي أصاب مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي السوري ـ وسقوط ضحايا وتعرضها لدمار أكبر مما لحق بمناطق النظام، بث الفضائيات الإخبارية الخليجية ـ خطاب وزيارات الأسد عن الزلزال للمرة الأولى منذ الثورة السورية ـ وإرسال مساعدات إغاثية للنظام، ما يؤكد أن عملية التطبيع تكتسب زخماً وتتبلور حتى خليجياً.
في المقابل جمعت الشعوب والحكومات الخليجية عبر حملات شعبية ومن اللجان الخيرية والمجتمع المدني والهلال الأحمر والقطاع الخاص ومساعدات حكومية شملت تبرعات نقدية وعينية بلغت عشرات ملايين الدولارات، وتسيير جسور جوية تحمل المساعدات من مواد غذائية وطبية وبطانيات وخيام وغيرها. كما شهدنا في الأسبوع الماضي من الكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. شكّل إصرار الأسد على وصول المساعدات إلى مطارات دمشق وحلب التي يسيطر عليها نظامه، تحدياً للدول العربية والخليجية غير المطبعة مع نظامه.
تدفقت المساعدات الإغاثية من دول ومنظمات وأفراد ومتطوعين بجسور جوية لتخفيف المعاناة عن الناجين بإرسال فرق وقوافل المساعدات والإغاثة، وخاصة من الدول الخليجية التي تقيم علاقات (الإمارات ـ البحرين ـ عمان) وغير المطبعة مع نظام بشار الأسد. ولكن محدودية المساعدات التي وصلت إلى مناطق المعارضة السورية في الشمال السوري، عكس إخفاقاً وفشلاً بإيصال العون لأكثر المناطق المنكوبة. خاصة مع محدودية المساعدات، وانتقاد بطء جهود الأمم المتحدة بإيصال المساعدات إلى مناطق المعارضة المنكوبة في إدلب وشمالي سوريا.
مفارقة ملفتة كيف تتسبب دبلوماسية الكوارث الطبيعية والزلازل والإغاثة والمساعدات الإنسانية بالتأثير على مسار الانتخابات، وبتسهيل وتسريع التطبيع ولو محدود مع أنظمة مارقة!
الغد