بينما كانت تركيا منهمكة في معركة مع الوقت في البحث عن ناجين وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض التي خلفها زلزال السادس من فبراير/شباط الجاري جنوبي البلاد، كانت البلاد مشغولة في الوقت نفسه مع معركة لا تقل أهمية فوق الأنقاض، لإغاثة المشردين الذين تركهم الزلزال بلا مأوى.
وأدت الكارثة الطبيعية إلى تدمير ما يزيد على 20 ألف مبنى سكني، وحولت ضعف هذا الرقم إلى مبان غير صالحة للسكن، وبينما عملت منظمات الإغاثة الحكومية على نصب الخيام والمساكن المؤقتة، توجه العديد من المتضررين إلى ولايات أخرى حيث يسكن أقرباؤهم، الأمر الذي ولد طلبا مكثفا على بعض السلع والخدمات.
ولم يكن الاقتصاد التركي عموما بمنأى عن التداعيات المدمرة للزلزال الذي ضرب 11 ولاية تضم جزءا مهما من أكبر المصانع التركية، لا سيما غازي عنتاب وكهرمان مرعش، مما أدى إلى تراجع مؤشر بورصة إسطنبول على مدى 3 أيام بنسبة 15% تقريبا.
أما الليرة التركية فقد تكبدت خسارة طفيفة، حيث فقدت على الفور نحو 1% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، إلا أنها حافظت على استقرارها نسبيا.
ويرى خبراء أن الإجراءات التي اتخذتها أنقرة لتطويق تداعيات الزلزال على الأسواق أسفرت عن استقرارها إلى حد ما، وتوقعوا أن تحد من الخسائر الكلية للاقتصاد المحلي.
تدابير الثقة
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال تخصيص صندوق لتمويل أعمال البحث والإنقاذ والإغاثة بلغ 100 مليار ليرة (أكثر من 5 مليارات دولار).
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي في مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية خالد تركاوي إن مخصصات الطوارئ التي أعلنها الرئيس التركي هي “أهم إجراء اتخذته الحكومة لحماية السوق”.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن “المبلغ كان أكثر من جيد، فقد رسخ انطباعا بأن الدولة ستكون موجودة في كل مفاصل الأزمة”.
وفي سعيها لبث مزيد من الثقة بالاقتصاد واحتواء الأضرار، أعلنت الحكومة التركية أيضا حزمة من الدعم المالي للمتضررين من الزلزال، كما كشفت عن إجراءات اتخذتها لتثبيت أسواق المال والسلع، لا سيما تلك التي شهدت إقبالا مكثفا.
وبدأت الحكومة اعتبارا من 15 فبراير/شباط بإيداع مبلغ 10 آلاف ليرة (ما يعادل 530 دولارا) في حساب العائلات المتضررة، وأعلنت في وقت سابق على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها ستتكفل بأجور السكن لجميع المتضررين من الزلزال مدة عام كامل.
من جهة أخرى، أعلنت وزارة التجارة التركية في 10 فبراير/شباط أنه تم تغريم 353 شركة بـ85 مليون ليرة بسبب الزيادات الباهظة في أسعار الاحتياجات الطارئة بعد الزلزال.
وأوضحت الوزارة أنها أنشأت هيئة لتقييم الأسعار غير العادلة لمنع الزيادات الباهظة في الأسعار وممارسات الاحتكار، ولمنع الظلم الذي يتعرض له المواطنون بسبب هذه الممارسات.
وشملت قائمة المواد التي صنفتها الوزارة كاحتياجات طارئة كلا من سخانات التدفئة، والطرود الغذائية الجاهزة، والبطانيات، والمعاطف المطرية، ومجموعة أدوات النظافة، ومجموعة النظافة للنساء وكبار السن، وأكياس النوم، وأغذية الأطفال، وبطاريات الشحن، والأحذية الشتوية والعديد من السلع الأخرى.
كما حظرت وزارة التجارة تصدير حاويات المنازل والمباني الجاهزة لمدة 3 أشهر من أجل تلبية الاحتياجات المحلية وإيواء المتضررين من الزلزال، وخفضت ضريبة القيمة المضافة على الحاويات والمنازل المركبة للمؤسسات والمنظمات ذات الصلة بضحايا الكوارث في مناطق الزلزال من 18% إلى 1% حتى نهاية العام.
ورأى دينيز استقبال، الباحث في الشؤون الاقتصادية في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية التركي “سيتا”، أن الغرامات التي فرضت بعد الزلزال على بائعي السلع جاءت بهدف تمكين ضحايا الزلزال من الوصول بسهولة إلى تلك المنتجات.
وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أدت إلى منع حدوث أي أزمة أو إثارة للذعر بعد الزلزال، قائلا “نتيجة لهذه التدابير، أصبحت الاستجابة للزلازل أسهل”.
مئذنة مكسورة وطعام مجاني
احتواء الصدمة داخليا
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي جلال بكار أن الاقتصاد التركي تعرض لصدمة عقب الزلزال، لكن الحكومة التركية حاولت أن تحتوي هذه الصدمة من خلال ضبط الأسواق وإيقاف التداول على بعض الأسهم في بورصة إسطنبول.
وهبط مؤشر بورصة إسطنبول 16% خلال 3 أيام من وقوع الزلزال، مما دفع بورصة إسطنبول إلى اتخاذ قرار بإيقاف جميع التعاملات بالكامل، بعدما أوقفت التداول ابتداء بشكل جزئي.
وقال بكار، وهو مستشار في الاقتصاد والاستثمار، للجزيرة نت، إن تركيا تمكنت من احتواء الأزمة داخليا، ومن دون الحاجة لتلقي القروض من المنظمات الدولية، على الرغم من الضرر الذي شهده الاقتصاد لا سيما على مستوى الإنتاج بسبب توقف عجلة العمل في بعض المدن والولايات الكبرى التركية مثل غازي عنتاب.
وتوعد نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي بمعاقبة من يرفعون أسعار الإيجارات عقب الزلزال، قائلا “سنحاسب من يقوم برفع الإيجارات مستغلا حاجة الناس والنازحين من مناطق الزلزال، لن تمر هذه التصرفات دون عقاب”.
من جهته، أعلن والي غازي عنتاب داود غول وضع سقف لأجور نقل البيوت داخل الولاية لضمان عدم تحول إقبال النازحين على الانتقال باتجاهات معينة إلى سبب لرفع الأسعار.
وبعد أسبوعين على الزلزال المدمر، حدث البنك المركزي التركي توقعاته لأرقام التضخم لنهاية العام الحالي إلى 35.76%، كما رفع توقعاته لسعر الدولار إلى 22.84 ليرة.
وشهدت البلاد حملة أطلقتها جميع وسائل الإعلام في تركيا وقبرص التركية وأذربيجان تضمنت بثا مشتركا الأربعاء 14 فبراير/شباط الماضي، جمعت خلالها تبرعات لمصلحة المتضررين من الزلزال بلغت نحو 6 مليارات دولار.
المصدر : الجزيرة