صالح والمشري يلتفان على مسار أميركي يحصر الانتخابات الليبية في التشريعية

صالح والمشري يلتفان على مسار أميركي يحصر الانتخابات الليبية في التشريعية

يندرج التعديل الدستوري الثالث عشر في ليبيا في سياق محاولات رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة لتقويض مسار يروم إجراء انتخابات تشريعية وتأجيل الاستحقاق الرئاسي، لكن من غير الثابت قدرتهما على تعطيل هذا المسار في ظل عجزهما عن تمرير التعديل في مجلس الدولة، وهو ما يجعله منقوص الشرعية، على الرغم من نشره في الجريدة الرسمية.

طرابلس – يحاول رئيسا مجلسي النواب والأعلى للدولة في ليبيا عقيلة صالح وخالد المشري قطع الطريق على مسار يحظى بدعم أميركي ويصب في صالح رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة مفاده الاقتصار على إجراء انتخابات تشريعية في ليبيا العام الجاري، وتأجيل الاستحقاق الرئاسي.

ويوظف صالح والمشري في ذلك التعديل الدستوري الذي صادق عليه مجلس النواب مؤخرا ونشره في الجريدة الرسمية الخميس، دون انتظار إقراره من المجلس الأعلى للدولة، في ظل تحفظات نواب محسوبين على الدبيبة على التعديل.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن حرص صالح والمشري على تمرير التعديل الدستوري الثالث عشر يندرج في سياق إعادة خلط الأوراق مجددا، ووضع عراقيل أمام المشروع الأميركي الذي يرون أنه يستهدف حضورهما في المشهد، في المقابل يكرس نفوذ حكومة الدبيبة التي من المفترض أن ولايتها انتهت في يونيو الماضي.

54 عضوا (من أصل 200) في المجلس يرفضون التعديل الدستوري ويصفونه بالخطوة الأحادية

وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة إن القبول بالتعديل الدستوري الثالث عشر للإعلان الدستوري يضمن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بشكل متزامن، معتبرا أن المستفيد من تعطل المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة هو رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة.

وأوضح المشري خلال كلمة بُثت عبر حساب المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، إن هذا التعديل يعطي ضمانات في حدها الأدنى للأطراف السياسية كافة في الجنوب والشرق والغرب، رافضا اتهام مجلس الدولة بمحاولة “التمديد”، وقال “نريد انتخابات تشريعية ورئاسية على أساس دستوري واضح وقوانين توافقية غير مفصلة”.

وكان صالح والمشري اتفقا خلال لقاء جمعهما في القاهرة على تعديل الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في أغسطس من العام 2011، بعد أن تعذر التوصل إلى توافق بينهما بشأن القاعدة الدستورية التي ظلت حبيسة غياب التوافق بينهما بشأن مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية في الانتخابات.

وأشار المشري إلى أن معظم المواد بالتعديل الدستوري جرى الاتفاق عليها بشكل منفرد، ولم يصوت عليها بشكل جماعي داخل مجلس الدولة، منبها إلى فشل محاولات المجلس الاستشاري في الانعقاد للتصويت على التعديل الدستوري لأسباب تعهد بالكشف عنها لاحقا، غير أنه أكد انعقاد المجلس قريبا لإعلان رأيه الملزم بهذا الشأن.

وفشل مجلس الدولة في ثلاث مناسبات في تمرير التعديل الدستوري، آخرها الأحد، حيث حال عدم اكتمال النصاب القانوني دون انعقاد جلسة جديدة للمصادقة عليه.

وأعلن 54 عضوا (من أصل 200) في المجلس الأعلى، عبر بيان مشترك، عن رفضهم للتعديل الدستوري الذي أجراه مجلس النواب ووصفوه بـ”الخطوة الأحادية الاستباقية” التي تنتهك التفاهمات الجارية، و”بعيدا عن متطلبات المرحلة التوافقية”.

وشدد الأعضاء الموقعون على البيان على أن التعديل الدستوري “لن يكسب أي مشروعية دستورية لعدم إقراره من قبل المجلس الأعلى للدولة”.
وأوضحوا أن لديهم اعتراضات على التعديل منها عدم إدراج شروط ترشيح الرئيس ومنح الرئيس صلاحيات واسعة وعدم إلزام مجلس الأمة المنتخب (مستقبلا) بإنجاز الاستحقاق الدستوري (صياغة دستور جديد) خلال فترة زمنية محددة.

ويقول مراقبون إن موقف النواب لا يخلو من خلفيات سياسية في علاقة بارتباطهم الوثيق بالدبيبة الذي يدرك أن هدف التعديل هو سحب البساط من حكومته، ووضع واشنطن في موقف محرج حول كيف ستتصرف مع فرض التعديل كأمر واقع جديد، ويراهن رئيس حكومة الوحدة على الأعضاء الموالين له داخل المجلس لإسقاط هذه الخطط.

ويشير المراقبون إلى أنه إلى جانب طرح مسألة التعديل فإن الطرفين، أي صالح والمشري، باتا يتحركان في اتجاه تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، وتلافي الأخطاء السابقة التي تخللت تشكيل حكومة فتحي باشاغا، التي لم تستطع تحقيق أي إجماع حولها سواء داخليا أو خارجيا.

وقد كشف رئيس مجلس النواب الليبي السبت عن مساعٍ لتشكيل حكومة موحّدة للبلاد. وقال إن “مجلس النواب يعمل على تشكيل سلطة تنفيذية موحّدة تدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ومساندتها أمنيًا ولوجستيًا، وكذلك توفير حياة كريمة للمواطن الليبي وتحقيق المصالحة الوطنية وإخراج القوات الأجنبية من البلاد ووقف التدخلات الخارجية”.

ولفت صالح إلى أن مجلس النواب “هو الجسم المنتخب الوحيد المعترف به دوليًا، وهو صاحب الحق في وضع القوانين والتشريعات ومنح الثقة وسحبها من السلطة التنفيذية والمصادقة على الاتفاقيات الدولية”، في إشارة موجهة للخارج أكثر منه للداخل.

ويعتقد مراقبون أن فشل المشري وصالح في تمرير التعديل الدستوري من شأنه أن يبقي على الضغوط الأميركية المسلطة عليهما باتجاه إجراء الانتخابات التشريعية وتأجيل الرئاسية.

حرص صالح والمشري على تمرير التعديل الدستوري الثالث عشر يندرج في سياق إعادة خلط الأوراق مجددا، ووضع عراقيل أمام المشروع الأميركي

ويعتبر متابعون أن عدم حماسة واشنطن لإجراء الانتخابات الرئاسية يعود بالدرجة الأولى إلى عدم وجود شخصية ليبية تثق فيها لتولي المنصب، وهي ترى بأن الحل يكمن حاليا في تغيير الأجسام التشريعية إلى حين اتضاح الرؤية بشأن الملف الرئاسي.

ويلفت المتابعون إلى أن عدم توفر توافق داخل مجلس الدولة بشأن التعديل الدستوري من شأنه أن يسهل على واشنطن الكثير للسير في مشروعها وإن اقتضى الأمر طرح آليات بديلة تهيئ المجال لإجراء الانتخابات، وقد سبق وأن ألمح المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي إلى ذلك.

وحذر رئيس مجلس الدولة من تداعيات فشل المسار الدستوري، قائلا “المستفيد من تعطل المسار الدستوري هي حكومة الدبيبة التي تريد أن يكون لها دور في اللجنة الأممية المقترحة بهدف إنتاج قوانين ترضيها كما فعلت بالمال وغيره مع لجنة الـ75″، في إشارة إلى ملتقى الحوار السياسي الذي أفرز حكومة الوحدة الوطنية.

وقال المشري إن “مجلس الدولة هو من طالب بالذهاب إلى تعديل دستوري يعالج ملف الانتخابات”. وأضاف “مجلس الدولة سبق وصوّت على هذا التعديل، وهو لا يمسّ الأساس الدستوري كاملاً، ويعتبر تحصينًا للانتخابات القادمة من أي طعن دستوري”.

وعن الرافضين للتعديل أوضح “استمعت لاستفساراتهم ورددت عليها (…) اللغط المُثار حول التعديل يرجع إلى عدم التواصل مع الإعلام”. واعتبر أن “الانتخابات الرئاسية ليست وليدة للتعديل الدستوري الجديد، ونظام الحكم وفقًا للتعديل خليط بين الرئاسي والبرلماني”.

العرب