هل أصبحت إيران قادرة على صنع “القنبلة”؟

هل أصبحت إيران قادرة على صنع “القنبلة”؟

يبدو أن المستوى الجديد لتخصيب اليورانيوم المبلغ عنه في إيران قد تجاوز بكثير “الخطوط الحمراء” المعروفة على المستوى العالمي، وسيحتل على الأرجح حيزاً كبيراً من النقاش خلال اجتماع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” المقرر انعقاده في آذار (مارس) الحالي.
يبدو أن إيران حققت تقدماً جديداً ومثيراً للقلق في برنامجها النووي. فقد أفاد موقع “بلومبرغ”، مؤخرًا، عن رصد وجود يورانيوم مخصب بنسبة 84 في المائة في الجمهورية الإسلامية، في تقدم ملحوظ عن نسبة 60 في المائة المعلنة سابقاً، علماً بأن المستوى المطلوب لصنع قنبلة ذرية هو 90 في المائة.
وتم اكتشاف هذه النسبة الجديدة بفضل أجهزة المراقبة التي تستخدمها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وهي هيئة الرقابة النووية التي تعمل على المستوى العالمي. غير أن تقرير “بلومبرغ” لم يكشف عن كمية اليورانيوم المخصب عند هذا المستوى الذي أنتجته إيران، مع العلم بأن الكمية الضرورية لصنع قنبلة نووية تقارب حجم فاكهة الليمون الهندي، التي تزن حوالي 33 رطلاً. (حتى أن معدن اليورانيوم هو أكثر كثافة من الرصاص).
يُذكر أنه تم الإعلان عن هذه المعلومات الحديثة بعد أيام قليلة فقط من الأخبار المتداولة عن أن إيران غيرت شبكة الأنابيب التي تربط بين سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي داخل محطة “فوردو”، في خطوة تتيح لها تخصيب اليورانيوم عند مستويات أعلى وبوتيرة أسرع.
وقد تم اكتشاف هذا التغيير عن طريق الصدفة. تمتلك “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” القدرة على تنفيذ ثلاثة أنواع من عمليات التفتيش في إيران وهي: “التفتيش المعلن” (أي المخطط له مسبقاً بالتعاون مع إيران)، و”التفتيش غير المعلن” (حيث يصل المفتشون فجأة ويطلبون الدخول إلى موقع ما)، و”التفتيش العشوائي” (وهو أحد أشكال التفتيش غير المعلن، وإنما الذي نادراً ما يتم اللجوء إليه). وكان أحد المفتشين ذوي الخبرة قد تنبه لتغيير شبكة الأنابيب (في “فوردو”) خلال عملية تفتيش عشوائية، وهو تفصيل ربما غفل عنه زملاؤه على الرغم من تمتعهم بمؤهلات جيدة ولكنهم يفتقرون إلى خبرته.
ويشير تقرير “بلومبرغ” إلى أن مستوى التخصيب الأعلى قد لا يكون نهائياً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل وصلت إيران إلى هذا المستوى من التخصيب عمداً أم أنه نتج عن تراكم بمحض الصدفة؟ في هذا الإطار، زعم أحد العلماء النوويين الإيرانيين، وهو محق في ذلك، بأن عملية التخصيب بطبيعتها تقوم على إنتاج أجهزة الطرد المركزي الدوارة لمجموعة من قيم التخصيب ضمن نطاق أعلى وأدنى من المستوى المستهدف.
وعلى الرغم من أن نسبة 6 في المائة تفصل نظرياً إيران عن بلوغ المستوى المطلوب لصنع قنبلة نووية، إلا أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 84 في المائة هو أمر مثير للقلق. وتقوم العملية الأساسية لتخصيب اليورانيوم على فصل نظيري اليورانيوم الرئيسيين، أي فصل نظير “يوارنيوم-235” الأخف قليلاً عن نظير “يورانيوم-238” الأكثر ثقلاً وإنما الأكثر عدداً. وتبلغ نسبة هذه النظائر في اليورانيوم الطبيعي، 993 ذرة من “يوارنيوم-238” مقابل 7 ذرات فقط من “يورانيوم 235”. ومن أجل تخصيب اليورانيوم، يتم تغيير هذه النسبة. فعند تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، تكون المعادلة بين النظيرين 7:1 -أي يكون قد تم نزع 992 ذرة من “يورانيوم-238”. ولا تبعد نسبة 84 في المائة عن هذا المستوى، لذا قد لا يتطلب صنع قنبلة فعلية قابلة للاستخدام سوى إضافة رطل أو اثنين من “يورانيوم-235”. وتأتي الأخبار المنتشرة على موقع “تويتر” التي تستشهد بمقالة “بلومبرغ”، لتذكرنا بأن أول قنبلة أميركية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في العام 1945 كانت مصنوعة من يورانيوم تمّ تخصيبه بنسبة 84 في المائة تقريباً.
وهكذا، فإن مستوى التخصيب الجديد الذي تفيد التقارير بأن إيران قد بلغته يشكل مصدر قلق جدي يتخطى بكثير “الخطوط الحمراء” بالنسبة للكثيرين. لكنه لا يعني بالضرورة أن إيران على وشك صنع قنبلة نووية. ويقول المسؤولون، في هذا الصدد، إن إيران ما تزال تواجه صعوبات عندما يتعلق الأمر بتحويل “سادس فلوريد اليورانيوم” الغازي المستخدم في أجهزة الطرد المركزي إلى معدن صلب وقولبته على شكل أنصاف كرات، تصبح النواة المتفجرة لقنبلة نووية عند جمعها معاً على شكل كرة.
لكن المسؤولين يقرون أيضاً بأن مدى معرفتهم بأنشطة إيران في مجال تصميم الأسلحة هو أقل بكثير من أنشطة التخصيب التي تمارسها. وإذا قررت صنع قنبلة تحملها طائرة بدلاً من صاروخ بعيد المدى، فقد يكون التصميم الضروري أقل تعقيداً. وبطبيعة الحال، إذا قررت طهران اختبار جهاز في منطقة صحراوية نائية، فقد يكون ذلك جهازاً أكثر بدائية من قنبلة قابلة للتسليم.
غير أن مخاوف المسؤولين لا تقف عند هذا الحد، فهم يخشون أيضاً من احتمال أن يرسل الجيش الروسي إلى إيران كتلة حرجة أو اثنتين من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة، كما فعلت الصين لإطلاق برنامج باكستان النووي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. صحيح أن تاريخ موسكو في مكافحة نشر الأسلحة النووية هو مثال يحتذى به، إلا أن حربها في أوكرانيا وقيام إيران بإرسال طائرات مسيرة إليها قد يدفعان ببعض المسؤولين الروس إلى تقديم هدية خاصة لطهران للتعبير عن “شكرهم” الخاص لها.
وقد تتكشف المزيد من التفاصيل خلال الأيام القليلة المقبلة. فقد ذكرت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومقرها في فيينا، أنها “تناقش مع إيران نتائج عمليات التحقق والتفتيش التي أجرتها الوكالة مؤخراً”. ومن المحتمل أن تتصدر المسألة جدول أعمال الاجتماع القادم لمجلس محافظي الوكالة المقرر عقده في 6 آذار (مارس).

سايمون هندرسون

الغد