على رغم مسارعة المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إلى نفي الكلام الصادر عن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان حول رسائل أميركية تدعو النظام الإيراني إلى استئناف المفاوضات وحل أزمة الملف النووي العالقة والمعلقة منذ أكثر من ستة أشهر، إلا أن النفي يمكن التشكيك فيه وبجدية لجهة أن الوزير الإيراني تحدث عن رسائل أميركية حملها نظيره العراقي فؤاد حسين بعد زيارته الأخيرة لواشنطن، في ظل سكوت أو صمت الوزير العراقي وعدم نفيه كلام نظيره الإيراني على ما فيه من مسؤولية سياسية وقانونية ودبلوماسية تقع على عاتق الجانب العراقي، وقد تؤدي في حال اختلاقها او اختراعها من قبل الوزير الإيراني إلى توتر العلاقة بين بغداد وطهران من جهة، وبين واشنطن وبغداد من جهة أخرى، مما يعني إشارات أميركية إيجابية وصلت إلى الجانب الإيراني الطامح والساعي إلى استئناف المفاوضات والعودة لطاولة الحوار مع الإدارة الأميركية، بخاصة في ظل توتر علاقات طهران مع الـ “ترويكا” الأوروبية، وبعد أن وصلت الأوضاع الاقتصادية إلى مستويات متقدمة وضعت مصير النظام على المحك وحافة الانهيار الحقيقي في ظل التراجع السريع لقيمة العملة الإيرانية أمام الدولار، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة (65 ألف تومان لكل دولار) ومفتوحة على مزيد من التدهور.
أن تتحول إيران إلى تحد دولي، بحسب الموقف الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية، قد لا يكون الهدف من هذا التوصيف الذهاب بالضرورة إلى الخيار العسكري في التعامل مع النظام الإيراني وبرنامجه النووي الذي بلغت مستويات التخصيب فيه 84 في المئة، بل قد يكون تعبيراً عن ضرورة العودة للمسار السياسي وتفعيله بما يسمح للمؤسسات الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية بممارسة دورها في مراقبة الأنشطة النووية، ومنع انتقالها إلى المستويات العسكرية المحضة.
ما يعزز فرضية الرغبة الأميركية – الإيرانية المشتركة في الحوار والعودة لطاولة التفاوض ما صدر عن رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية (CIA) وليم بيرنز في حديثه مع قناة “سي بي أس نيوز” قائلاً، “نعتقد بأن النظام الإيراني ليس لديه حالياً قرار بالعودة للبرنامج النووي العسكري، وهو البرنامج الذي نعتقد أنه توقف عام 2003″، وأنه لا ينوي العودة لهذا المسار، وهو كلام يتعارض أو يتناقض مع كل المواقف الأميركية السابقة التي كانت تتهم النظام الإيراني بالسعي إلى امتلاك القدرة على تصنيع السلاح النووي.
كلام بيرنز وهذا الموقف الذي ينسجم أو يلتقي مع موقف وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي عاد وأكد ضرورة العودة للمسار السياسي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، لا يقلل من حجم المخاوف الأميركية من التقدم الحاصل في الأنشطة النووية الإيرانية وأن طهران باتت قادرة على تجاوز عتبة 90 في المئة للتخصيب خلال أسابيع، إذا قررت ذلك، وإذا ما وضع ذلك إلى جانب التجارب الصاروخية الجديدة وتطويرها بحيث تكون قادرة على حمل رؤوس نووية، فهذا يستدعي العودة لتفعيل المسار التفاوضي الذي يسمح بعمليات المراقبة وضبط البرنامح النووي في المستويات التي لا تشكل خطراً أو تؤجل تحوله إلى تهديد، وذلك انطلاقاً من العقيدة الأميركية والأوروبية والتي تنسجم مع رؤية الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفعيل عمل مفتشي الوكالة الدولية، وعدم السماح لإيران بالاستمرار في أنشطتها بعيداً من الرقابة والإشراف الدوليين.
الطاقة التي تحاول الدبلوماسية السياسية والاستخباراتية الأميركية فتحها على إيران قد تكون صادرة عن رغبة لدى واشنطن في عدم الدفع بالمواجهة، إذا صح التعبير، مع طهران إلى حدود الخيار العسكري، أو الدفع بالعقوبات الدولية إلى حافة إعادة تفعيل “آلية الزناد” في مجلس الأمن الدولي من طريق الـ “ترويكا” الأوروبية، والتي قد تدفع طهران إلى إعلان انسحابها من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل والانتقال إلى عسكرة الأنشطة، وهنا تحاول واشنطن توظيف العامل الأوروبي أو الدور الذي تلعبه الـ “ترويكا” الأوروبية باتجاهين، الأول استغلال عضوية عواصم الـ “ترويكا” في اتفاق عام 2015 النووي للدفع باتجاه محاصرة إيران في مجلس حكام الوكالة الدولية ونقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، إذ تكون قادرة على التلويح بتفعيل “آلية الزناد” في هذا المجلس.
والثاني استغلال التصعيد الحاصل بين طهران و الـ “ترويكا” الأوروبية على خلفية القرارات الأخيرة للاتحاد الأوروبي ضد إيران نتيجة عمليات القمع التي مارسها النظام ضد الحراك الاحتجاجي، وأيضاً لدورها في دعم الحرب الروسية ضد أوكرانيا لإيصال رسالة إلى النظام بأن الحوار والتفاوض مع واشنطن سيكون أقل كلفة وأسهل الطرق للخروج من دائرة العقوبات التي بات حبلها يشتد على عنق الدولة والشعب والنظام.
هذه المواقف إضافة إلى الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به أكثر من جهة، يلعبان دور الوسيط بين الطرفين قد تصل إلى النتيجة التي تسعى إليها الولايات المتحدة بالعودة للمسار الدبلوماسي وإن كان محكوماً بعدم الرغبة في الذهاب إلى مواجهة مباشرة وفتح جبهة جديدة، إلا أنه في المقابل يفرض على طهران التي ستجلس إلى طاولة التفاوض التنازل عن كثير من الشروط التي سبق أن وضعتها، بخاصة وأنها هذه المرة ستأتي إلى الحوار وهي مثقلة بالآثار السلبية للأوضاع الداخلية شعبياً واقتصادياً، إضافة إلى تغييرات إقليمية متسارعة قد تضعها خارج المعادلة إذا لم تبادر لحجز مقعد لها في المعادلات المقبلة، وهذا ما يجعل الإشارات الأميركية حبل نجاة للنظام يبعد منه خطر العزلة والانهيار.
اندبندت عربي