تونس – شكلت الدورة الأربعون لاجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي تحتضنه تونس، فرصة أمام السلطات التونسية لتوضيح موقفها حيال جملة من الملفات ومن بينها ما تتعرض له من حملة واسعة بشأن موقفها من المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وتواجه تونس في الأيام الأخيرة ضغوطا من مؤسسات أفريقية وغربية، على خلفية المواقف التي أعلنها الرئيس قيس سعيد بشأن المهاجرين غير النظاميين، ولم تخف تونس عبر وزير داخليتها توفيق شرف الدين امتعاضها من الموقف العربي الصامت حيال تلك الضغوط.
وأعرب وزير الدّاخلية في افتتاح اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، الأربعاء، عن أمله في أن يكون للمجلس “موقف داعم لتونس في ما تتعرّض له من هجمة غير مسبوقة وغير مبرّرة بسبب موقف سيادي في مجال الهجرة غير النظامية”.
وشدد الوزير التونسي على أن بلاده ما فتئت تدعو إلى اتباع نهج شامل وداعم للهجرة النّظامية، قائم أساسا على احترام حقوق الإنسان ويجمع بين مقوّمات التنمية والأمن والعدالة.
وكان الرئيس سعيد حذر في وقت سابق من وجود مؤامرة لتغيير التركيبة العرقية لتونس وأمر قوات الأمن بوقف جميع أشكال الهجرة غير المشروعة وترحيل أي مهاجر يعيش في تونس بصفة غير قانونية.
وقال إن “الهدف غير المعلن للموجات المتلاحقة من الهجرة غير الشرعية هو جعل تونس دولة أفريقية بحتة لا تنتمي إلى الدول العربية والإسلامية”.
ووصف الاتحاد الأفريقي خطاب قيس سعيد -الذي كرر نظرية “الاستبدال العظيم” التي تفيد بأن النخب السياسية تستبدل بالسكان الأصليين مهاجرين مؤيدين لها- بأنه “صادم” بينما أثنى عليه السياسي الفرنسي إريك زمور.
وأصدر الرئيس سعيد بيانا ثانيا الأسبوع الماضي نفى فيه كونه عنصريا وشدد على ضمان سلامة المهاجرين القانونيين، وقال إنه يريد من الشرطة تنفيذ القانون التونسي فحسب لكنه حذر من تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية وما تفرزه من “عنف وجرائم”.
وفي غضون ذلك امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بروايات عن سوء معاملة وخوف من الأشخاص ذوي البشرة السمراء في تونس، منهم مهاجرون، بعضهم يحمل تأشيرات سارية وبعضهم لا، وطلاب أفارقة.
وأكد وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار الاثنين على “أنه جرى تأويل مغرض لتصريحات السلطات التونسية العليا حول هذا الموضوع”، مضيفا “لقد مرت أيام قليلة منذ حدوث ذلك ويجب علينا الآن أن نتحلى بهدوء ورسائل الطمأنة التي تم إرسالها عبر القنوات الرسمية وغيرها”.
وشدد عمار على أن “مسألة الاعتذار غير مطروحة، فلم نؤذ أحدا”.
وتشهد تونس في العامين الأخيرين تدفقا لافتا في أعداد المهاجرين غير النظاميين لاسيما من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 21 ألف مهاجر، فيما يرجح المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، وهو مجموعة تُعنى بموضوع الهجرة والمهاجرين، أن يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بأكثر من الضعف.
وألغت تونس شرط الحصول على تأشيرة للعديد من البلدان الأفريقية خلال العقد الماضي. لكن الحصول على تصريح إقامة يمكن أن يكون أمرا صعبا للغاية.
ويهدف الكثير من المهاجرين في تونس إلى العبور بشكل غير مشروع إلى أوروبا لكنهم في الغالب لا يستطيعون تحمل كلفة الرحلة التي تبلغ مئات الدولارات للوصول إلى إيطاليا، وهي رحلة يقوم بها أيضا عدد متزايد من التونسيين.
وأوضح شرف الدّين أنّ مجلس وزراء الداخلية العرب ينعقد في وضع دوليّ وإقليميّ متحرّك، تواجه بسببه المنطقة العربيّة تحدّيات أمنيّة وتنمويّة جسيمة وكثيرة، مؤكّدا أنّه مناسبة لتبادل الرّؤى وبلورة المواقف إزاء القضايا المطروحة، وخاصّة منها التّهديدات والتّحديات الأمنيّة التي يطرحها بالخصوص تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين للعبور نحو الفضاء الأوروبي عبر عدد من الدّول العربيّة.
وأفاد بأنّ تونس “اعتمدت مقاربة تقوم على تدعيم قنوات التواصل والتعاون والشراكة مع البلدان الشقيقة والصّديقة والمنظّمات والهيئات الدّولية والإقليميّة”، معربا عن تطلّع تونس إلى “مزيد تطوير هذه العلاقات وتنويعها، بما يخدم المصالح المشتركة ويساهم في معاضدة المجهود الدّولي في المحافظة على الأمن والاستقرار والسّلام في العالم”.
وشدّد وزير الدّاخلية على أنّ تونس تتّسع للجميع واختارت نهج الاعتدال والحرّية والدّيمقراطية وعلويّة القانون، وتتشبّث دون شكّ بثقافة الاعتراف بالآخر واحتضانه، طبق القوانين والمواثيق الدّولية، قائلا “نجتمع في تونس اليوم لنستشرف سبل التعاون من أجل النّجاح في حمل أمانة تحقيق أمن أوطاننا، والتي ستفضي بلا شكّ إلى تحقيق أمن الإنسان وسلامته وحرّيته وكرامته”.
وافتتح الأربعاء اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الأربعين بتونس، والذي يستمر يومين بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، والأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية السعودي، الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، إلى جانب ممثلين عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمات أممية ودولية.
العرب