تونس – طلبت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني من مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلغاء حظر التمويل المخصص لتونس بهدف مساعدتها على الخروج من الصعوبات التي تواجهها، وذلك في ظل الجدل الذي أثاره موقف تونس الحازم بشأن تدفقات الهجرة غير النظامية.
وقال وكيل رئاسة مجلس الوزراء الإيطالي ألفريدو مانتوفانو إن ميلوني بعثت رسالة إلى السلطات الأوروبية الرئيسية لإلغاء حظر التمويل، في الوقت الذي تعاني فيه تونس من أزمة اقتصادية خانقة وتوتر اجتماعي.
ونقلت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء عن مانتوفانو، لدى تقديمه “تقرير سياسة أمن المعلومات” الاستخباراتي لعام 2022، قوله “سيكون من المهم أن يساعد المجتمع الدولي تونس على الخروج من الصعوبات التي تعيشها”.
ومن الواضح أن ميلوني، التي لم تخف في تصريحات سابقة قلقها من الوضع في تونس، قد وقفت على حقيقة المشكلة التي تعرقل دور تونس في التصدي لموجات الهجرة غير النظامية، وهي أن البلد الذي يمر بصعوبات اقتصادية طيلة السنوات الماضية لم يجد الدعم اللازم من شركائه في الضفة الشمالية من المتوسط، وفي مقابل ذلك يطالبونه بلعب دور أكثر حزما.
وقد يقود هذا التناقض إلى انفجار ما سماه مانتوفانو بـ”برميل البارود الاجتماعي”، معتبرا أن “الأمر متروك لأوروبا ككل لمنعه من الانفجار”.
ويرى محللون ومتخصصون في ظاهرة الهجرة أن تونس عانت خلال السنوات الماضية من أوضاع داخلية صعبة، وأن الشركاء الأوروبيين ظلوا يراقبون هذه الأوضاع من دون دعم واضح، خاصة على مستوى التمويلات التي كان يمكن أن تساعد حكومة الرئيس قيس سعيد على تحسين الوضع الداخلي. بل على العكس من ذلك يضغط عليها هؤلاء الشركاء بمنع التمويلات وبالمحاذير السياسية والحقوقية.
لكن رئيسة الحكومة الإيطالية الجديدة نظرت إلى الوضع بشكل مغاير حين اعتبرت أن من مصلحة بلادها دعم تونس، وليس الاكتفاء بمراقبة تدهور الوضع غرب المتوسط وإسداء النصائح.
وقال الخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني إن “إيطاليا تعتقد أن الحل تنموي بالأساس، وذلك عبر رصد تمويلات لتكوين المهاجرين في دولهم، على أن يتم استغلالهم وفق المتطلبات، والقضية ليست مقاربة أمنية، بل لا بدّ من شراكة شاملة بين الطرفين”.
وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أن “إيطاليا فهمت حقيقة المشكلة لأنها أكثر دولة أوروبية، وبعدها إسبانيا، تعرف تداعيات الهجرة وعانت من انعكاساتها. ونظرة الحكومة الجديدة إلى المقاربة الأمنية مخالفة لسابقتها، لأن هذا المسلسل أثبت فشله، ولا بدّ من خلق مشاريع تنموية في أفريقيا”.
وتابع قائلا “المسألة ليست بين تونس وإيطاليا بالأساس، بل بين أوروبا ومستعمراتها، والحلول تنموية بالأساس”.
وليس المقصود بالدعم الذي تريد أوروبا تقديمه إلى دول مثل تونس أن الحل يقف عند حدود استقبال اللاجئين وإيوائهم بشكل مؤقت إلى أن تتم تسوية وضعياتهم واستقبالهم بشكل منظم ومدروس في دول أوروبية حسب طاقة كل بلد؛ ما تبحث عنه تونس ودول أخرى هو أن تساعد أوروبا الدول الفقيرة على مواجهة الظروف الصعبة من أجل خلق مناخ من الاستقرار الاقتصادي والأمني والمعيشي الذي يقلص بشكل عملي الحاجة إلى الهجرة غير المنظمة.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني قال خلال زيارته إلى تونس في يناير الماضي إن بلاده “مستعدة لزيادة عدد المهاجرين القانونيين المتكونين في تونس والقادرين على القدوم للعمل في مجالي الزراعة والصناعة”، وإن ذلك يمر عبر إبرام اتفاقيات “للحصول على عمّال قانونيين، شباب تونسيين وأفارقة، يمكنهم الاندماج”، وتقليل عدد الذين “يأتون للعمل بشكل غير قانوني، ويتقاضون رواتب زهيدة”.
وقالت نجاة الزموري، عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن “ما يحدث الآن كان متوقعا، خصوصا بعد أن كثّف مسؤولو إيطاليا زياراتهم إلى تونس في الفترة الأخيرة”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الجانب الإيطالي والأوروبي مطالب بتقديم الدعم والإعانات، ونحن نرفض أن تكون تونس حرس حدود لأوروبا، ويجب وضع مقاربة شاملة لمعرفة الأسباب الجوهرية للأزمة”.
وأكّدت أنه “آن الأوان لأن تتحمّل أوروبا مسألة تدفق المهاجرين من الجنوب إلى الشمال، وهي مسؤولة عن ارتفاع منسوب الفقر في أفريقيا، ومطالبة بإيجاد الحلول عبر بعث المشاريع الاستثمارية والمساعدات الاقتصادية والمالية”.
وبجانب الأزمة الاقتصادية تواجه تونس معضلة إدارة تدفقات الهجرة على أراضيها وضغوطا متزايدة من شركائها الأوروبيين لمكافحة موجات الهجرة غير النظامي من سواحلها.
ويهدف الكثير من المهاجرين في تونس إلى العبور بشكل غير قانوني إلى أوروبا لكنهم في الغالب لا يستطيعون تحمل كلفة الرحلة التي تبلغ مئات الدولارات للوصول إلى إيطاليا، وهي رحلة يقوم بها أيضا عدد متزايد من التونسيين.
وقبل أيام فجر الرئيس التونسي جدلا بدعوته إلى تشديد القيود وتطبيق القوانين بصرامة على المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء ممن يقيمون في تونس بطرق غير قانونية.
ويعتقد مراقبون أن تحويل قضية اللاجئين الأفارقة إلى قضية سياسية بالضغط على تونس تحت عناوين حقوقية لن يحل المشكلة، التي تعاني منها أوروبا تماما مثل تونس، مشيرين إلى أن هذه القضية لها أسباب تاريخية، وأوروبا تتحمل فيها المسؤولية بشكل مباشر، وهي مطالبة بأن تساعد على إيجاد الحل من خلال الحوار أولا والإسهام في بناء مشاريع تنموية في جنوب المتوسط تحدّ من موجات الهجرة غير النظامية.
العرب