رغم انتمائه تاريخياً إلى حزب العمل فإن رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ شارك في حكومات اليمين ويشغل منصبه اليوم بناء على توافق القوى السياسية الإسرائيلية، ولهذا فإن ما يقرعه اليوم من أجراس الإنذار بأخطار داهمة على الكيان الصهيوني لا تدخل في باب المناورات الحزبية الضيقة، وباتت بمثابة مرآة عاكسة لما يعتمل في الشارع الإسرائيلي من مظاهر انقسام عميق وقلق وجودي.
وليس مألوفاً أن يخرج هرتسوغ فيصرح علناً بأن دولة الاحتلال تعيش «أزمة تاريخية» يمكن أن تهدد بتدميرها من الداخل، وأنها تمرّ بإحدى «أصعب اللحظات» التي «نعرف جميعنا أنها خطر وطني كبير» حسب تعبيره. صحيح أنه كان يشير خصوصاً إلى ما تردد من تقارير حول احتمالات التمرد على الأوامر داخل جيش الاحتلال، إلا أن مخاوفه امتدت إلى الاقتصاد أيضاً فتحدث عن تخفيضات في الميزانية وتزايد البطالة والفقر وسحب الودائع وتوقف الشركات عن الاستثمار، مناشداً الائتلاف الحاكم والمعارضة «الارتقاء إلى جسامة اللحظة» وإدراك «البديل الرهيب المختبئ في الوضع خلف الباب».
وفي السياق ذاته كانت هيئة البث الإسرائيلية الحكومية قد ذكرت أن مجندين في وحدات الاحتياط أرسلوا إلى قادتهم إشعارات تفيد بأنهم لن يمتثلوا لأوامر استدعائهم إلى الخدمة إذا مضت الحكومة الحالية في خططها لتمرير القوانين الخاصة بإدخال تعديلات على النظام القضائي تتكفل بتقليص صلاحيات المحكمة العليا. وكان عدد من الضباط قد بعثوا برسائل مماثلة إلى وزير الدفاع يوآف غالانت، أوضحوا فيها أن خطط الحكومة سوف تضعف قدرتهم على متابعة الدفاع عن دولة الاحتلال، مع العلم أنهم منخرطون في كتائب قتالية نخبوية، ومفارز استخبارات، ووحدات تابعة لأجهزة الشاباك والموساد.
وفي الآن ذاته فإن رئيس الدولة وهؤلاء الضباط والجنود وعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين يتظاهرون احتجاجاً على الحكومة بصفة أسبوعية منتظمة يقفون في واد، وأعضاء حكومة بنيامين نتنياهو في واد آخر لا يكتفون منه بمراقبة المشهد أو استقبال المواقف بل يصبون الزيت على النيران الكفيلة بتوسيع الحرائق. وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يعلن أن سلطات الاحتلال سوف تهدم المنازل في القدس خلال شهر رمضان، خلافاً لاعتراض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتحذيرها من خروج الأوضاع عن السيطرة إذا ترافقت عمليات الهدم مع عيد الفصح اليهودي الذي يتزامن مع شهر رمضان هذه السنة. وأما الكنيست فقد عقد جلسة «في ساعة متأخرة كاللصوص تحت جنح الظلام» حسب تعبير رئيس الحكومة السابق يائير لبيد، وذلك للتصويت على مشروع قانون عنصري فاضح يحظر إدخال الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على خميرة إلى المرضى في المستشفيات خلال عيد الفصح اليهودي.
وبين القلق الوجودي لدى هرتسوغ وخمائر التأزم لدى بعض جنود الاحتلال وضباطه، لا يصح أن تُنسى الحقيقة الكبرى التي تقول إن هذه الحكومة لم تهبط من غياهب المجهول بل نشأت بقرار من الناخب الإسرائيلي، ولا تنتهج السياسات الهمجية ضد الفلسطينيين وتدفع بالكيان إلى «أزمة تاريخية» إلا بقرار من الأغلبية ذاتها في قلب الشارع الإسرائيلي.
القدس العربي