سجل رفض مجلس النواب الأمريكي انسحاب قوات الولايات المتحدة من سوريا في تصويت قام به أمس، وقبلها زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي إلى قاعدة التنف العسكرية شمال شرق سوريا (وهو أعلى مسؤول عسكري أمريكي يقوم بهذه الزيارة) إشارتين كبيرتين تتجاوزان سوريا نفسها، ويمكن إدراجها في ملفات عالمية أكبر فتحها الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير من العام الماضي.
الرد الروسي السريع جاء عبر إعلان صحيفة «فيدوموستي» الروسية عن مصدر في الرئاسة الروسية أن رئيس النظام السوري بشار الأسد سيزور روسيا منتصف الشهر الحالي، وأنهما سيناقشان «العلاقات الثنائية والقضية الأوكرانية»!
انعكست ظلال هذا الملف أيضا على الأزمة الأمريكية والأوروبية المستمرة مع إيران، حيث تحولت الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران إلى تحالف استراتيجي يمثل تزويد طهران لموسكو بالمسيرات، وبالاتفاق على تصنيعها داخل روسيا أيضا، أحد مظاهره المهمة.
دخول قضايا عالمية خطيرة أخرى تحت أثر تداعيات الزلزال الروسي ـ الأوكراني يمكن التمثيل عليه بتصريح وزارة الدفاع الأمريكية أول أمس أن شركة الطاقة النووية الروسية «روساتوم» تزود الصين باليورانيوم عالي التخصيب، وإعلان كندا بدء التحقيق في تدخل بكين في انتخاباتها، وقبلها تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن للصين من تسليح روسيا، وكذلك أزمة بالون التجسس الصيني في السماء الأمريكية، وقبلها الأزمة حول تايوان، والعديد من الأزمات الأخرى بين بكين وواشنطن، كما يمكن إدراج التوتر بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، وإطلاق بيونغيانغ أمس صاروخا بالستيا جديدا نحو البحر، ضمن هذا الملف.
واحد من أكبر المؤشرات على اتساع هذا الملف عالميا، هو ما كشفه تقرير لقناة سي إن إن الأمريكية عن أن النفط الروسي يجد طريقه إلى المشترين في جميع أنحاء العالم، وذلك عبر انضمام المزيد من السفن إلى اسطول ناقلات سري يعمل على تسهيل صادرات النفط الروسية.
قدر المطلعون على هذه الصناعة حجم «أسطول الظل» بنحو 600 سفينة، أو حوالي 10٪ من العدد العالمي للناقلات الكبيرة مع استمرار هذا الرقم في الارتفاع.
حسب هذا التقرير فإن لاعبين جددا عبر شركات وهمية في مدن على رأسها دبي وهونغ كونغ، لإيصال هذا النفط لعملاء روسيا في الصين والهند وغيرهما من البلدان.
إضافة إلى الشبكات السرية فهناك بلدان وجدت في الصراع الدائر مجالا لتموضعات سياسية ومالية جديدة، كما هو حال الإمارات، التي استقبلت عددا كبيرا من مليارديرات روسيا، والسعودية التي أعلن وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، أمس، إن بلاده «تسعى لتطوير العلاقات على جميع الأصعدة» مع روسيا.
الخلاصة الواضحة أن زلزال الحرب الروسية ـ الأوكرانية أدى إلى صدع سياسي عالمي كبير، وتداعيات اقتصادية هائلة على أسواق الحبوب والنفط والغاز، كما أنه أدى لنشوء اقتصاد كبير للتسلح، واقتصاد مواز غامض لنقل النفط وتصديره.
القدس العربي