يتحدث السفير البريطاني في العاصمة العراقية بغداد، مارك برايسون ريتشاردسون، في مقابلة مع “العربي الجديد”، عن خطر تنظيم “داعش” في العراق وسورية، إلى جانب الإصلاحات المطلوبة من الحكومة العراقية، ولا سيما المتعلقة بالنظام المصرفي والمالي. كما يتطرق إلى موقف بلاده من هجمات إيران شمال العراق، واستعداد بغداد لرعاية أي حوار جديد لإعادة المفاوضات النووية.
* تشكلت الحكومة العراقية من “الإطار التنسيقي” القريب من إيران، فهل لديكم خطوط حمراء على أطراف في هذه الحكومة؟
شكل الحكومة، ومن يشارك فيها من الأحزاب والأطراف السياسية قضية عراقية بحتة، ولا خطوط حمراء لدينا. ونحن مستعدون دائماً للتعامل مع الأطراف الملتزمة بالعملية الديمقراطية السلمية في العراق، ونتعامل مع الحكومة على أنها حكومة تمثل العراقيين ونتعاون معها لتحقيق الأهداف المشتركة.
كيف تنظرون إلى خطوات الحكومة العراقية في مكافحة الفساد وغسيل الأموال؟
ريتشاردسون: يجب أن تحلّ الخلافات بشكل سلمي وديمقراطي وقانوني وفقاً لمتبنيات الدستور
الحد من الفساد في العراق أمر ضروري وحاسم لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والسياسي. ونرى أن الحكومة تتخذ خطوات لتحقيق هذا الهدف ونحن ندعم جهودها، ويجب أن تعتمد هذه الجهود على الحقائق والأدلة، وأن تتم بطريقة غير سياسية. وكذلك ندعم عمل البنك المركزي في إصلاح النظام المصرفي ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك نقدّم المساعدة في هذا المجال، وأيضاً في مجال الكشف عن أوراق العملة المزيفة وتحييدها.
* كيف تقيّمون الانفتاح الدولي والإقليمي الأخير على العراق في ظل حكومته الجديدة؟
نرى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يعمل على إيجاد علاقات إيجابية مع جيران العراق والمجتمع الدولي، وبغداد قادرة على لعب دور مهم وإيجابي لخفض التوتر ونزع فتيل الأزمات في المنطقة وهذا ما رأيناه في جهودها لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران، وبريطانيا داعمة لهذه الجهود.
* يشهد العراق هدوءاً سياسياً. هل تعتقدون أنه مرشح لأزمة جديدة في ظل وجود خلاف عميق بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري؟
بناء نظام سياسي مستدام ومستقر في العراق يتطلب المزيد من الوقت، البلد حقق الكثير من التقدم في العقدين الماضيين، ويجب أن تحل الخلافات بشكل سلمي وديمقراطي وقانوني وفقاً لمتبنيات الدستور. ندعو جميع الأحزاب لأن تجتمع على هذا الهدف، وتركز على إيجاد نظام سياسي ينعم بالاستقرار.
* كيف تنظرون إلى برنامج الحكومة العراقية، وما هي أهم النقاط التي توقفتم عندها؟
هنالك أولويات لدى الحكومة الجديدة ضمن هذا البرنامج، والواضح أن هناك توجهاً لإصلاح الاقتصاد وخلق فرص العمل، وكذلك تحسين الخدمات والنهوض بواقع الصحة والتعليم، وكذلك إقامة علاقات خارجية متوازنة، وهذا ما ندعمه وجاهزون لكل صور التعاون بشأنه.
تأخر إقرار الموازنة العراقية، ما هي انعكاساته على الوضع الاقتصادي برأيكم، خصوصاً مع وجود أزمة ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية؟
موازنة 2023 ستكون الأولى منذ عامين، ونعتقد أن من الضروري تمريرها في مجلس الوزراء، ومن ثم البرلمان لتطبيق برامج الحكومة الخاص بتحسين الاقتصاد والخدمات. وبالنسبة لسعر الصرف فنحن نرى أن من الضروري استقراره بالنسبة للاقتصاد والشعب العراقي، وبريطانيا تدعم خطوات الحكومة لتحقيق هذا الاستقرار.
ونعتقد أنه من المهم الآن أن يحصل تعاون بين القطاع الخاص والمصارف للتعامل مع الخطوات الجديدة التي فرضها البنك المركزي لضمان تدفق الأموال بصورة سليمة. كذلك فإن سعر الصرف الجديد، 1300 دينار مقابل الدولار، من شأنه التأثير على حجم الموازنة الكلي بالعملة العراقية، وعلى الحكومة أن تتعامل مع هذا الأمر بتدابير تعوض النقص الحاصل.
* قلتم في تصريحات صحافية سابقة إن العراق بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية. ما هي مقترحاتكم بهذا الشأن؟
ريتشاردسون: ما أحرزه العراق من تقدّم في الحرب على تنظيم “داعش” يؤكد قدرة البلد على مواجهة التحديات الأمنية
ندعم إنشاء قطاع خاص عراقي يتمتع بالديناميكية لخلق الوظائف وتحسين وضع البيئة العاملة، ويجب أن يدعم ذلك بخطوات لمكافحة الفساد وتقديم إصلاحات في النظام المصرفي، وكذلك زيادة الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، خصوصاً في قطاعات الكهرباء والطرق.
* بالنسبة إلى مصير التحالف الدولي في العراق، هل هناك اتفاق بشأنه؟
ما أحرزه العراق من تقدّم في الحرب على تنظيم “داعش” يؤكد قدرة البلد على مواجهة التحديات الأمنية. “داعش” ما زال يمثل تحدياً، خصوصاً في ظل تواجده في أماكن متفرقة في العراق وسورية الجارة، ونحن متفقون مع رؤية رئيس الوزراء العراقي بأن القتال ضد “داعش” لم ينتهِ، والعراق وبريطانيا بصفتهما عضوين فاعلين في التحالف الدولي ملتزمان بالتصدي لخطر التنظيم، ويجدان أن من الضروري استمرار هذا التعاون.
* ما هي صور التعاون العسكري بين بريطانيا والعراق حالياً، وهل ثمة صفقات تسليح جديدة؟
لا توجد صفقات تسليح قريبة بين الطرفين، ونأمل أن يتحقق تعاون في هذا المجال في وقت لاحق. ونتعاون في إطار التحالف الدولي ضد “داعش” وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بتقديم المشورة والمهام التدريبية للقوات العراقية، وكذلك في إعادة تأهيل البنية التحتية العسكرية وإزالة الألغام والذخائر المتفجرة ومخلفات الحروب، والأخيرة هي أكثر ما نركز حالياً.
* نفذت إيران عمليات قصف متعددة في إقليم كردستان نهاية العام الماضي، كيف تنظر بريطانيا إلى هذا الأمر، وبماذا تصفه؟
هجمات كهذه، سواء من إيران أو أي دولة أخرى، غير مقبولة لأنها تنتهك سيادة العراق ويجب أن تتوقف ولا تتكرر. نحن ضد أي ممارسات تزيد التوترات إقليمياً، والعراق يتمتع بعلاقة قوية وطويلة الأمد مع إيران، وينبغي أن يسود الاحترام المتبادل للسيادة والاستقرار هذه العلاقة.
* هل تعتقدون أن إيران تقوم بدور سلبي في العراق؟
نعتقد بوجوب أن تكون أنشطة إيران في العراق والمنطقة إيجابية وتتمتع بالشفافية، وتقوم على الاحترام المتبادل للسيادة، والامتناع عن تقويض السلام والاستقرار الإقليميين.
* كيف تنظرون لتأكيد العراق استعداده لرعاية أو دعم عودة الحوار بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي؟
ريتشاردسون: وجود مصادر متنوعة للواردات من شأنه أن يوفر موارد مالية أكثر استقراراً مدعمة بفرص عمل تمتص البطالة
بإمكان العراق أن يلعب دوراً كهذا في إطار مساعيه لإزالة التوترات والخلافات في المنطقة والعالم، وننتظر من إيران إبداء حسن النيّة والاستعداد عبر خطوات حقيقية تشمل إيقاف دعمها العسكري للحرب الروسية على أوكرانيا، والتوقف عن تهديداتها لشخصيات توجد في بريطانيا، وكذلك إعادة تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي مع الغرب.
* كيف يمكن لبريطانيا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي أن تدعم العراق من هذا الموقع؟
نستخدم أدواتنا في مجلس الأمن في التأكيد على سيادة العراق واستقراره. في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي طلبنا عقد اجتماع للمجلس لإدانة الضربات الإيرانية في إقليم كردستان، ونستخدم تلك الأدوات كذلك في دعم بعثات الأمم المتحدة لمساعدة العراق، مثل “يونامي” و”يونيتاد” (فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب “داعش”) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
* كيف تنظرون لتعاظم آثار التغير المناخي في العراق، وهل قدمتم مساهمات لمساعدته على مواجهتها؟
التغير المناخي أكبر تهديد يواجه العراق حالياً والعالم كذلك على المدى الطويل. العراق وكثير من دول العالم، ومن بينها بريطانيا، يحتاجون إلى إجراءات عاجلة يتم فيها العمل معاً، لأن الآثار لا توقفها حدود. هنالك حالياً مساهمة مشتركة من المملكة المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بقيمة مليون جنيه إسترليني لمساعدة العراق في إدارة موارده المائية والاستعداد لمعالجة حالات الجفاف المتزايدة في البلاد وتسهيل الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة النظيفة في توليد الكهرباء.
* اعتماد العراق على النفط كمورد رئيس عرّضه لهزات مالية عنيفة، كيف تقيمون هذا الخطر؟
يشكل النفط 98 في المائة من صادرات البلد، وأكثر من 85 في المائة من وارداته، وهذا يجعل اقتصاد العراق عرضةً لتقلبات أسعار النفط العالمية، ونحن نعتقد أن وجود مصادر متنوعة للواردات عبر تطوير واقعي الزراعة والصناعة بمشاركة القطاع الخاص من شأنه أن يوفر موارد مالية أكثر استقراراً مدعمة بفرص عمل تمتص البطالة. وبحسب خبراء الطاقة فمن الممكن أن يتراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة 75 في المائة بحلول عام 2050، وبالتالي يجب أن يضع العراق في أولوياته إيجاد مصادر تمويل مالي إضافية في العقود الثلاثة المقبلة، وهذا يتحقق بتنويع الاقتصاد عبر استثمار واردات النفط الحالية بتعزيز بقية الموارد وتطوير البنى التحتية لقطاعات الماء والكهرباء والطاقة المتجددة ودعم العملية التعليمية في البلاد.
* العراق يملك الغاز ولا يستطيع استثماره ويستمر باستيراده من إيران، كيف تنظرون لهذه المعادلة؟
نعتقد أن خطوة الحكومة العراقية أخيراً بإطلاق جولة تراخيص لاستثمار الغاز المُصاحب من الحقول النفطية أمر جيد جداً، ويحظى بدعم من المملكة المتحدة والشركات البريطانية العملاقة، خصوصاً أنه سيسمح في النهاية بالتوقف عن دفع 5 مليارات دولار لاستيراده لسد النقص الحالي يفترض أن تدعم ميزانية الدولة لتحقيق أهداف أخرى. وفي الوقت ذاته يسير البلد نحو توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، ويتعاون مع دول الجوار في إقامة مشاريع مشتركة، وهذه كلها خطوات إيجابية يجب أن تستمر ليكتب لها النجاح.
* ما حجم التبادل التجاري في العراق، وما هي الأدوار الشركات البريطانية في البلاد؟
في العام الماضي، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين بريطانيا والعراق 885 مليون جنيه إسترليني، بزيادة 40 في المائة عن عام 2021. وبالنسبة للشركات فإن الوجود الرئيسي في قطاعات النفط والغاز والطب والتعليم والسيارات والأغذية. ونحن حريصون على توسيع هذا الوجود في مجال مشاريع البنى التحتية كالطرق والطاقة والمياه والتعليم، وسيتم قريباً افتتاح الجامعة البريطانية الدولية في العراق لأول مرة. وهناك عدد من الشركات البريطانية أبدت استعدادها لدعم العراق في مجالات بناء المدارس والجامعات، وإقامة مشاريع الصرف الصحي والطرق وإنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
* هل ثمة مساهمات بريطانية لدعم العراق في مجال الأمن السيبراني؟
بالتأكيد، نحن ملتزمون بمساعدة العراق على تعزيز قدراته في هذا المجال عبر تدريب الكوادر وتقديم المساعدة الفنية في الأجهزة الأمنية العراقية المعنية بالأمن السيبراني.
* بريطانيا من البلدان المانحة الرئيسية للعراق، ما حجم ما ساهمتم به خلال السنوات الأخيرة، وما هي القطاعات المدعومة؟
المملكة المتحدة واحدة من أكبر الجهات المانحة للعراق لسنوات عديدة، لا سيما في مجال تقديم المساعدات الإنسانية لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة. ومنذ عام 2014 قدمنا 400 مليون جنيه إسترليني، والآن الوضع في العراق اختلف ونركز على المساعدات الفنية في تحقيق الإصلاح الاقتصادي ومكافحة آثار التغير المناخي وتعزيز الأمن والاستقرار.
العربي الجديد