تتواصل ردود الفعل في إسرائيل على اللطمة المفاجئة التي تلقتْها بتصالح السعودية وإيران، وانهيار مساعي بناء جبهة إقليمية إسرائيلية عربية ضد طهران. وتعمل أوساط إسرائيلية على التقليل من تبعات هذا الاتفاق على إسرائيل، وتراهن على استمرار التطبيع بذات الوتيرة، على الرغم منه، وذلك بخلاف رؤية المعارضة الإسرائيلية التي ترى بالاتفاق خسارة دبلوماسية معنوية بالغة.
محللون إسرائيليون: برغم الاتفاق بين إيران والسعودية، تستمر العداوة والشكوك وتضارب المصالح.
وقال موقع “نيوز وان” الإسرائيلي إن الأمين العام للأمم المتحدة انضمَّ لدول عربية وإسلامية باركت الاتفاق السعودي- الإيراني، وقال إن الولايات المتحدة اضطرت للتهنئة بطريقة قسرية، معربة عن شكّها في ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها. وتابع: “لكن لا شك في أن الولايات المتحدة هي الخاسر الرئيسي من هذه الاتفاقية. الاتفاقية ضربة قاسية ومضرة بمكانة وهيبة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد نجح الرئيس الصيني شي جين بينغ في تحقيق انتصار دبلوماسي واقتصادي مهم في منطقة الشرق الأوسط، جعل الصين لاعبًا مهمًا في الشرق الأوسط، وفي العالم بأسره”.
كما قال الموقع العبري إن الصين أصبحت لاعبًا نشطًا في دبلوماسية الشرق الأوسط، وكانت ساحة الشرق الأوسط منطقة نفوذ مهمة للولايات المتحدة، والآن أصبحت بكين أيضًا لاعبًا رئيسيًا فيه، ما أثار استياء إدارة بايدن”.
زلزال سياسي
واعتبر “نيوز وان” الاتفاق بين إيران والسعودية زلزالاً سياسياً وإستراتيجياً يشير إلى أن المملكة العربية السعودية تتفهم جيدًا موازين القوى في الشرق الأوسط، وتفضّل الآن الاقتراب من المحور الصيني الإيراني الروسي، على الاقتراب من المحور الأمريكي الإسرائيلي. كما يعتبر أن المحور ليس في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل، ويقول إن محمد بن سلمان وريث العرش السعودي، والذي يعتبر “أقوى رجل” في المملكة، والملك القادم، ويرى أولاً، وقبل كل شيء، مصالح بلاده. فهو يقرأ بعناية الوضع الإستراتيجي وتعزيز مكانة الصين العالمية”. منوهاً أن الولايات المتحدة تابعت المحادثات التي كانت وراء الكواليس بين إيران والسعودية، والتي بدأت قبل نحو عامين، لكنها فوجئت بإعلان التوصل إلى الاتفاق، فالاتفاق بين إيران والسعودية ينهي الخلاف بين البلدين منذ عام 2016. ويقول إنه وفقًا لتقديرات المعلقين العرب هناك تفاهم على أن الاتفاق بينهما سينهي الحرب في اليمن التي أصبحت كابوسًا مستمرًا، ستمارس السعودية وإيران ضغوطًا شديدة على الحوثيين في اليمن للتوّصل إلى اتفاق على إنهاء الحرب. كما يشير لتقديراتهم بأن الاتفاقية قد تؤدي أيضًا إلى تجديد العلاقات بين المملكة العربية السعودية ونظام بشار الأسد، ويفترض أن تستغل السعودية إنجازها للاستمرار في الحصول على الاقتراب من قطر وتركيا، والإيرانيون راضون أيضاً، ويرون في الاتفاق مع السعودية وسيلة أخرى لتخفيف الضغط الدولي الذي يمارس عليهم.
أثر الاتفاق على إسرائيل
وحسب تقرير “نيوز وان” فإن كبار المسؤولين السياسيين الإسرائيليين يقولون إن الاتفاق بين إيران والسعودية لن يؤثر على حرب إسرائيل ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، فالخطر الإيراني لم يزل. وبرأيهم “القيادة الإيرانية لن تتحول من ذئب إلى شاة تسعى إلى السلام”، وفق ما يقوله مسؤول سياسي إسرائيلي كبير، وبالتالي فإن إسرائيل تواصل كالمعتاد بكل خططها لإحباط التهديد النووي الإيراني، مثلما لن يؤثر الاتفاق على العلاقات العلنية والسرية القائمة بالفعل بين إسرائيل والسعودية”. لافتاً إلى أن التقدير في إسرائيل هو أن السعوديين سينتظرون ليروا ما إذا كانت إيران جادة بالفعل في نواياها للالتزام بالاتفاق، وأن الرياض بحاجة إلى مساعدة إسرائيل في البيت الأبيض في كل ما يتعلق بالخطر الإيراني، وتعزيز مكانة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يريد أن يكون الملك القادم في السعودية.
الاتفاقية قد تؤدي أيضًا إلى تجديد العلاقات بين المملكة العربية السعودية ونظام بشار الأسد.
مساعدة من إسرائيل للسعودية
ويرى أن المملكة العربية السعودية تخشى أن يحاول الرئيس بايدن إفساد انتخاب محمد بن سلمان ملكًا جديدًا للسعودية بعد تنحي والده عن المسرح السياسي. ويقول، نقلاً عن تقرير في صحيفة “وول ستريت جورنال”، قبل أيام، إن السعودية تريد مساعدة إسرائيل للحصول على مساعدة أمريكية في تخصيب اليورانيوم لبناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء.
ويضيف الموقع العبري: “تخشى الولايات المتحدة وإسرائيل من أن المعلومات التي ستنقل إلى السعودية ستساعدها في تطوير أسلحة نووية، ولن تختفي العداوة بين السعودية، زعيمة العالم السني، وإيران، زعيم العالم الشيعي. بعد توقيع الاتفاقية هناك خلافات مع الرئيس بايدن حول ما يجري على الساحة الفلسطينية، وعلى خلفية نيّة تطبيق الإصلاح القانوني في إسرائيل. لذلك قد يكون هناك بالتأكيد ضرر لجهود إسرائيل لتوسيع اتفاقية إبراهيم وإشراك السعودية فيها”.
ويرجح “نيوز وان” أن السعوديين لا يقدّرون أن إسرائيل ستهاجم قريباً المنشآت النووية في إيران، ويريدون تأمين أنفسهم ضد الخطر الإيراني. كما يقول إن السعوديين يتبعون الآن القول المأثور:”إذا لم تتمكن من هزيمة أعدائك، انضم إليهم”، فإن البقاء السياسي والعرش هما المصالح الرئيسية التي تحرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.
لا للمبالغة في أهمية الاتفاق
وينضم محلل الشؤون العربية في القناة 12، المستشرق إيهود يعاري، الذي يرى أن ردود الفعل في إسرائيل على تجديد العلاقات الدبلوماسية بين أكبر خصمين في الخليج حتى الآن مبالغ فيها ومقلقة من دون سبب. ويرى، في مقال نشره في موقع القناة، أن هذه ليست بداية صداقة رائعة، وليست فرصة للتعاون، معلًلاً ذلك بالقول إنه حتى عندما يتم استبدال السفراء في غضون شهرين، ستستمر العداوة، وستظل الشكوك قائمة، وسيستمر تضارب المصالح العميق في توجيه الرياض وطهران. ويضيف يعاري: “بشكل عام، يجدر بنا أن نتذكر أنه حتى عام 2016 كانت هناك سفارات نشطة، وفقط هجوم الغوغاء الإيرانيين بعد إعدام عالم دين شيعي في المملكة العربية السعودية أدى إلى إغلاقها. بالمناسبة؛ السفارات مهمة بشكل أساسي لتنسيق الحج إلى مكة. منذ حوالي عامين، استمرت المفاوضات بشأن إعادة فتح السفارتين بالتناوب مع الوساطة العراقية والعُمانية، لكن كان من الملائم لكلا البلدين إغلاق الأمر برعاية صينية”.
وبرأي المحلل الإسرائيلي، تبرز الصين على أن لها مصلحة كبيرة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، حتى لا يتضرر تدفق النفط، لا قدر الله. ويتابع: “صحيح أن نية تفعيل اتفاقية عام 2001 – التي لم تُحترم قط – بخصوص التعاون الأمني قد وردت في الإعلان الموجز، ولكن شخصاً ساذجاً فقط سيصدق ذلك”.
وبشأن الصراع في اليمن، يرى يعاري أنه على المدى القريب على الأقل، ستمتنع إيران عن إرسال شحنات لمهاجمة أهداف في المملكة العربية السعودية، وسيقلّ مستوى الخطاب العدائي، لكن السعودية، على عكس الإمارات، التي تتدهور علاقاتها معها الآن بوتيرة سريعة، لن تقوم بأعمال تجارية كبيرة مع الإيرانيين، ولن تعمل كغاسلة أموال، ولن تساعد في الالتفاف على العقوبات. ويمضي في تحليلاته واستنتاجاته: “سيستمر الصراع بين السعودية وإيران بكامل قوته من دون نار، ومن دون إهانات، وبأدب، ومن دون عاطفة”.
مسؤولون إسرائيليون: الاتفاق لن يؤثر على حرب إسرائيل ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، فالخطر الإيراني لم يزل.. والقيادة الإيرانية لن تتحول من ذئب إلى شاة تسعى إلى السلام.
من هنا يستنتج يعاري أن إدارة بايدن ردّت ببرود أيضًا، ويقول إن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية كانت غير مستقرة للغاية في الآونة الأخيرة. ويرى أنه من المؤكد أن واشنطن ليست راضية عن النداء الذي وجهته إلى بكين، لكن الأمريكيين اعتقدوا منذ فترة طويلة أن الحرب في اليمن خطأ يكشف فقط عن نقاط ضعف سلاح الجو السعودي، ويدعو إلى شنّ هجمات على المنشآت النفطية في السعودية.
لا تأثير على العلاقات مع إسرائيل
ويخلص المحلل المستشرق الإسرائيلي يعاري إلى القول: “لا علاقة لأي من هذا بمسألة العلاقات مع إسرائيل. وقد أظهرت دول عربية أخرى أنه من الممكن أن يكون هناك سفارتان لإيران وإسرائيل في نفس العاصمة. هناك من يدّعي أن تخفيف حدة التوترات مع إيران سيسهل الأمر على السعوديين معنا في المستقبل. وأضاف، محذراً من الثرثرة الإسرائيلية، التي من شأنها المساس بمساعي التطبيع المستمرة، برأيه، رغم اتفاق الرياض وطهران: “فقط تجنّب، من فضلك، المزيد من التسريبات الضارة من مكتب وزير خارجيتنا إيلي كوهين، مثل تلك المتعلقة بالاتصالات مع إندونيسيا أو الصومال أو النيجر. في هذه البلدان الثلاثة استاءوا من الثرثرة”.
القدس العربي