الصين سترتكب حماقة كبيرة لو أرسلت السلاح لروسيا

الصين سترتكب حماقة كبيرة لو أرسلت السلاح لروسيا

حذرت صحيفة “واشنطن بوست” الصين من تزويد روسيا بالسلاح قائلة إنها سترتكب حماقة كبيرة. وجاء في افتتاحيتها أن الصين تفكر في إرسال أسلحة فتاكة للقوات الروسية في أوكرانيا، حسبما تقول إدارة بايدن. وسيكون التحرك لو قرر الرئيس الصيني شي جينبنغ المصادقة عليه “خطأ فظيعا” ليس للأمن الدولي والازدهار فقط ولكن لمصالح الصين أيضا.

فالعالم لا يزال يعيش آثار قرار الرئيس فلاديمير بوتين بشن حربه المدمرة على أوكرانيا، حيث اتسمت تصرفات بيجين بالحكمة وظلت بعيدة عن الحرب مكتفية بتقديم وعود كلامية والتركيز على العلاقات مع روسيا والشراكة معها ولكنها التزمت في الوقت نفسه بالعقوبات الغربية على الكرملين. وتميزت سياستها في السنة الأولى من حرب موسكو بالدهاء الواسع. ورغم المطالب المستمرة من الكرملين بالحصول على أسلحة، بعثت الصين مساعدات غير فتاكة مثل الخوذ والملابس الواقية. واستفادت في الوقت نفسه من عزلة روسيا الدولية بالحصول على نفط بأسعار مخفضة نظرا لتوقف أوروبا عن استيراد النفط والغاز الروسي. ومع ذلك فلم يشجب الرئيس شي حرب الكرملين غير المبررة على أوكرانيا ولعب دورا مفيدا من خلال تحذير بوتين من الإقدام على استخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا.

وفي الشهر الماضي تقدمت الصين بخطة أطلقت عليها خطة سلام، لم تؤد إلى إثارة اهتمام الأطراف المعنية بها. ولم تكن بعد كل هذا خطة سلام ولا خريطة طريق وظلت بدون متابعة أو بناء جسور الثقة. ولم تكن بيجين طرفا محايدا، فهي متحالفة مع ديكتاتورية بوتين الملطخة بالدم.

ولو غيرت الصين موقفها المحايد رغم دعهما لروسيا، فإن هذا يعني زيادة العداء تجاه الولايات المتحدة ويضعها ليس في موضع المنافس ولكن العدو المهدد في أكبر نزاع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

 وأيا يكن تفكير الصين حول تقديم الأسلحة الجديدة لروسيا فإنها ستعطي بوتين القدرة على مواصلة سفك الدم وتدمير ومحو المدن وتحويل أوكرانيا لأرض يباب. وسيجعل كل هذا الصين في صورة الشرير الدولي، وهو ما تستحق أن توصف به. وسيكون نفاقا، في ظل تأكيد الصين ودفاعها عن سيادتها في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية. وستثير غضب الهند والبرازيل وبقية القوى التي التزمت بالحياد من الحرب. وسيكون قرار الصين دعم روسيا بالسلاح غير عقلاني، وسيؤثر على علاقات الصين التجارية حول العالم، وسيحفز مجموعة من الإجراءات العقابية، ستفاقم من مشاكل الصين الأخرى.

وحذرت إدارة بايدن والدول الأوروبية الحليفة من هذا الرد. وعلى إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي المتوقع زيارته لبيجين الشهر المقبل نقل الرسالة إلى شي لكن بعد تنسيقه مع الدول الغربية. وتعتمد علاقات الصين التجارية وبشكل كبير على علاقاتها مع الغرب وليس روسيا. وستكون تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا عرضة للخطر لو أضافت الوقود للنار المشتعلة في أوكرانيا من خلال شحن الأسلحة لروسيا. وتعتبر الولايات المتحدة ودول الناتو وجهة أكثر من ربع الصادرات الصينية، فيما تمثل دول حليفة لأمريكا في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية نسبة 10%. وبالمقارنة تعتبر روسيا في المرتبة 15 من قائمة الصادرات الصينية في عام 2021، أي نسبة 2% مع أن التجارة بينهما زادت منذ ذلك الحين. وتعتبر الصين رابع مصدر للسلاح في العالم، وشحن أسلحتها لروسيا واستخدامها في أوكرانيا سيكون تحولا مهما في الحرب هناك وفي موقف الصين نفسها.

وبعد تحذير وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن من خطط صينية للتوجه نحو روسيا، نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية تقريرا قالت فيه إن روسيا تجري محادثات مع الصين للحصول على 100 مسيرة قتالية صينية. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن بيجين تدرس إمكانية إرسال قنابل مدفعية للقوات الروسية التي انخفض مخزونها بعد أشهر من الاستخدام المكثف لها في أوكرانيا، حيث أطلقتها بمعدل 10.000 قذيفة في اليوم.

ولماذا يخاطر شي؟ واحد من الأسباب هو أن القيادة الصينية التي عبرت عن يأسها من سياسة أمريكا لـ”احتواء الصين” قررت اتخاذ قرار استراتيجي والابتعاد عن العولمة والتعامل مع الغرب. وسيسرع هذا من خطط البنتاغون لما تراه محاولات صينية لضرب تايوان ومواجهة مباشرة ومحتملة مع الولايات المتحدة. ولو كان هذا ما تفكر به بيجين، فإرسال الأسلحة لروسيا لقتل الأوكرانيين سيكون الخطوة باتجاه تحقيق هذا. وهناك تفسير آخر وهو أن الصين، رغم غضبها من أثر الحرب على التجارة والأمن الدولي، ترى في إطالة أمدها إفادة لها بما في ذلك حرف المصادر الأوروبية والأمريكية إليها.

وفي الحقيقة فحرب طويلة، مهما كان أثرها على الغرب ستعمل على تجفيف كل منابع موسكو العسكرية بشكل يؤثر على أهميتها كشريك استراتيجي للصين. فقد كشفت الحرب الكارثية لبوتين عن طبيعة النظام في روسيا، فاسد وديكتاتوري، وهو عالق في حرب ضد عدو، لا يتجاوز عدد سكانه ثلث الروس ولا يزيد دخله المحلي عن عشر الدخل العام الروسي، فروسيا ليست القوة الضاربة التي تفاخر بها بوتين، ولو كان شي يعتقد أن بوتين هو قوة معادلة للقوة الأمريكية الضاربة لشعر بخيبة الأمل. فقد أصبحت روسيا بمثابة طائر القطرس للصين، ومضاعفة تسليح روسيا التي لا تستأهل الدعم لن تؤدي إلا لتشويه سمعة وموقف الصين في العالم.

القدس العربي