قد يكون للتطور المفاجئ الذي حصل بين السعودية وإيران علاقة أكبر بحل حرب اليمن من تأنيب إدارة بايدن، ولكن استيعاب التداعيات الكاملة سيستغرق وقتاً.
عادةً ما تكون الأخبار، ولا سيما المتفرقات الدولية، إما جيدة وإما سيئة. ولكن في 10 آذار/مارس، في حوالي الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت العاصمة الأمريكية واشنطن، برزت أنباء يمكن القول إنها “صادمة”. فبعد سبع سنوات من غياب العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، أُعلِن أن البلدين سيُقدِمان على “تطبيع” علاقاتهما. وكانت الصين هي الطرف الجامع الذي قرّب الجانبين.
في ذلك الصباح، صادف أن عقدتُ اجتماعيْن مع شخصيْن غالباً ما أتحدث معهما عن إيران. ولم يكن أيٌ منهما قد سمع الأخبار قبل أن أنقلها لهما؛ وفي البداية اعتقد كلاهما أنني قد أمزح معهما. وبدا واضحاً لي أنهما يحاولان استيعاب المعلومات ومعرفة ما قد تعنيه.
من المحتمل أن يؤدي هذا التمرين حول تداعيات التطور الذي طرأ إلى إبقاء جزء كبير من مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن منشغلاً هذا الأسبوع. وهذا لا يعني أن بعض النظريات لم تُعرض بالفعل بالتفصيل، سواء في الصحف أو على الإنترنت. فواشنطن منعَمٌ عليها بمفكرين سريعين (الذين ربما يرغب بعضهم في توجيه المعلومات لصالحهم).
ويبدو أن التحليل السائد هو أن الرياض قررت العمل مع طهران بسبب الجفاء مع إدارة بايدن وقلة الدعم الذي تتلقاه السعودية منها ومن الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي. ويبدو أن ما تذمرت منه السعودية مؤخراً هو رد واشنطن الضعيف على الأنباء التي أفادت بأن إيران تخصّب اليورانيوم إلى مستوى أدنى بقليل من 84 في المائة، وهو مستوى قريب جداً من درجة صنع قنبلة نووية. فما الذي حدث إذاً لوعودالبيت الأبيض بعدم السماح لإيران بصنع قنبلة نووية؟
حتى الأسبوع الماضي، كان الرد السعودي المتوقع هو أن المملكة ستحذو حذو إيران بسرعة إذا أظهرت طهران أنها تمتلك قنبلة نووية أو أنها تستطيع صنعها، وهذا هو التعليق الذي غالباً ما يُقتبَس عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، والذي أدلى به سابقاً لإذاعة “سي بي إس نيوز” (CBS News). أما الآن، فيبدو أن وجهة النظر السعودية قد انقلبت، إذ أبدت المملكة استعداداً للانسحاب من المواجهة مع إيران، وربما التوجه حتى نحو “مشاركة” الخليج معها، ما شكل في السابق مجرد فكرة عديمة الجدوى كانت مدعاة للسخرية حين وردت في مقابلة أجرتها مجلة “ذي أتلانتيك” (The Atlantic) في عام 2016 مع الرئيس آنذاك، باراك أوباما.
وتشمل التفسيرات الأكثر تحفظاً لمعنى التطبيع، الذي تم تحديده في الشهرين المقبلين، أنه يندرج ضمن اتفاق سلام مصمم بعناية في اليمن، حيث يحتل المتمردون الحوثيون الذين تدعمهم إيران، العاصمة صنعاء، على الرغم من جهود السعودية الحازمة، والمكلفة (سواء من الناحية المالية أو من حيث التكاليف الإنسانية)، لطردهم.
ويطال الارتياب الذي رافق صدور الخبر دور الصين. فحتى الآن، بصرف النظر عن موقف بكين الانتفاعي من الحرب الإيرانية العراقية بين عامَي 1980 و 1988 عندما زودت كلا الجانبين بالذخيرة، شددت بكين على دورها التجاري وليس الدبلوماسي في المنطقة. وآخر تطور ظهر خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم هو أن الصين تريد تنظيم اجتماع قمة لجميع دول الخليج. وليس مستغرباً انضمام معظم دول المنطقة، إن لم يكن جميعها، إلى السرب لأسباب تجارية، ولكن ما الذي سيكون رد الفعل إذا قالت بكين إن الثمن مقابل دورها الجديد سيكون نفطاً مخصوم التكلفة؟
لا بد أيضاً من أن تشمل هذه التطورات المذهلة، وربما المزيد منها في المستقبل، من الناحية التحليلية حالة “التطبيع” الأخرى التي كانت تستحوذ على اهتمام واشنطن، أي مسألة تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل ومتى سيحدث ذلك. وربما هذا الموضوع هو الآن خارج القائمة. ويعتمد ذلك كثيراً على إذا ما كانت الرياض تريد حقاً إقامة علاقة عملية، إن لم تكن جيدة، مع طهران. ولكن بالنسبة لإسرائيل، لا تزال قضية احتمال وجود سلاح نووي إيراني تلوح في الأفق.
ستتضح أمور كثيرة في الشهرين المقبلين، إذا تمكّن هذا العرض من الاستمرار حتى ذلك الحين.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن