حزب سياسي يستورد اللحوم لحل أزمة الغلاء في مصر

حزب سياسي يستورد اللحوم لحل أزمة الغلاء في مصر

أثارت مبادرة حزب سياسي في مصر استورد لحوما من تشاد وطرحها في الأسواق بسعر مناسب جدلا واسعا بين من استحسن الفكرة على اعتبار أن من دور الأحزاب خدمة المواطنين ومساعدتهم في تخطي أزماتهم الاقتصادية ومواجهة الغلاء وبين من يعتبرها بروباغندا سياسية تسعى لجذب المزيد من الموالين لصفوفها.

القاهرة – أثار حزب “حماة وطن” المؤيد للحكومة المصرية جدلا سياسيا بعد أن أقدم على استيراد أطنان لحوم من تشاد وطرحها في منافذ بيع مخصصة للحزب تنتشر في محافظات مختلفة بأسعار مخفضة، ما طرح تساؤلات حول تطور علاقة الشراكة بين الحكومة والأحزاب القريبة منها بعد أن اقتصرت سابقا على بيع منتجات وتوزيع أغذية دون أن يصل الأمر إلى التعاون في قيمة الفاتورة الاستيرادية لبعض السلع.

وطرح الحزب لحوما قام باستيرادها بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي، الخميس، بمنافذه في القاهرة بأقل من نصف ثمنها في محال الجزارة المعتادة، وسط توقعات بأن تسهم الشحنات التي تصل في الشهر الواحد إلى 660 طنا في خفض الأسعار، في وقت وصل فيه سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء إلى 350 جنيهًا (11 دولارا).

لحوم سليمة
لحوم تشاد حصلت على الموافقة وتم الكشف عليها عقب وصولها للتأكد من سلامتها وطرحها في الأسواق

طمأنت وزارة التموين والتجارة المواطنين بسلامة اللحوم التي قام الحزب باستيرادها، حيث حصلت على الموافقة الاستيرادية وتم الكشف عليها عقب وصولها إلى البلاد للتأكد من سلامتها وطرحها في الأسواق.

واعتبرت الوزارة أن الحزب هو المسؤول الأول عن استيراد هذه اللحوم، معلنة ترحيبها بالخطوة وأملها أن تتكرر من جانب جهات ومؤسسات أخرى.

وتركت خطوة حزب “حماة وطن” انطباعات عديدة بشأن اعتماد الحكومة على المؤسسات القريبة منها لحل مشكلات الغلاء التي تشكل هاجسًا له أبعاد سياسية واقتصادية ومجتمعية، وأن الاعتماد على أحد الأحزاب الذي يضم عددا من جنرالات الجيش السابقين وبعض رجال الأعمال، بينهم متخصصون في مجال استيراد الحيوانات يبرهن على رؤيتها بشأن التعامل مع الأزمات برؤية متكاملة ومع جميع الجهات.

ويشير الترحيب الحكومي وتسهيل عملية استيراد اللحوم بأن خطوات الأحزاب لا تنفصل عن جهود السلطة التنفيذية للتعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الغذاء.

ويؤكد أن الحكومة تنوي تدشين اتفاقيات تعاون مع جهات عديدة ولديها رؤية تتشارك فيها مع جمعيات أهلية وأحزاب سياسية ومنظمات قريبة منها لسدّ الفجوة الغذائية.

ويرى سياسيون، أن جهات حكومية توظف رجال الأعمال الذين يقبعون في مناصب قيادية داخل عدد من أحزاب الموالاة على رأسها “مستقبل وطن” و”حماة وطن” وهما الأكثر تمثيلا في البرلمان الحالي لحل المشكلات الاجتماعية، ما يؤسّس لحقبة سياسية يتزايد فيها حضور رجال الأعمال وتأثيرهم على العمل السياسي.

واختار حزب “حماة الوطن” قبل ثلاثة أشهر المهندس محمد الجمال وهو رئيس مجلس إدارة المجموعة الوطنية الكويتية، وهي واحدة من الشركات الكبرى العاملة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، رئيسا للجنة الزراعة والإنتاج الحيواني بالحزب، وهي من أبرز اللجان التي ضاعفت نشاطها منذ توليه المنصب في مجالات توفير الأغذية وبيعها عبر منافذ تابعة للحزب انتشرت أيضَا بشكل كبير في أماكن متباينة داخل مصر.

وقال الجمال في تصريحات إعلامية إن الحزب يُسيّر ثلاث رحلات أسبوعيا لاستيراد لحوم تشادية لتشمل كل رحلة 55 طنا من اللحوم بإجمالي 12 رحلة شهريا بكميات مستهدفة تصل إلى 660 طنا شهريا، مشيرا إلى وجود تعاون مشترك بين الحزب والحكومة التشادية لتسهيل عقبات التصدير، وإن حزبه يعتزم طرح هذه اللحوم المستوردة من خلال منافذه بسعر 145 جنيهًا للكيلوغرام الواحد (5 دولارات).

وبرهنت مراسم استقبال شحنات الرسوم بشكل رسمي الثلاثاء في حضور رئيس الحزب اللواء طارق نصير والسفير التشادي في القاهرة تشوناي أليمي حسن وحسن عيس مستشار رئيس الوزراء بدولة تشاد وعدد من قيادات وزارتي الزراعة والتموين في مصر على أن الحزب قام بدور الحكومة في عملية الاستيراد، وهو ما يفتح الباب أمام تكرار الأمر في أحزاب سياسية أخرى وقطاعات غذائية مختلفة.

وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) عبدالحميد زيد أن طرح الحلول السريعة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية عبر مؤسسات المجتمع المدني التي تعد الأحزاب أحد أذرعها يأتي في إطار الحلول العامة التي تقوم بها الدولة، وتمتلك رؤية حول كيفية مساعدة مواطنيها بالطرق المناسبة والإمكانيات المتاحة، ما يفرز الاتجاه نحو استيراد اللحوم من الخارج من خلال الأحزاب.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحزب مؤسسة سياسية وتسعى لبناء قاعدتها الجماهيرية عبر الارتباط المباشر بحاجات المواطنين، وكل حزب قادر على ابتكار الطريقة أو التفكير الميداني المناسب الذي يدعم حضوره، ويتماشى مع الأجواء المحيطة التي تمكّنه من التحرك لاكتساب القاعدة الشعبية، وتقديم الدعم اللوجيستي من جانب الحكومة خطوة تشجع الأحزاب على التوسع في هذه الأدوار.

واعتبر أن ما قام به حزب “حماة وطن”، “شكل طبيعي لأدوار المجتمع المدني، لأن الأمم تقاس بمدى قدرة المجتمع على تأسيس كيانات تساعد الحكومة على سد احتياجات الناس، وهو أمر يتكرر حول العالم، شريطة أن يكون ذلك في إطار عام من الحريات يسمح بقيام الأحزاب بأدوارها دون تركيز حضورها على أنشطة بعينها.

وتصاحب عملية انغماس الأحزاب في العمل المجتمعي انتقادات لاذعة في مصر من جانب مواطنين وسياسيين يرون أنه يتم تغييب حضورها التقليدي لصالح توجيهها نحو القيام بمهام الجمعيات الأهلية، وهناك نشرة يومية لبعض الأحزاب تتضمن جهودها في توزيع السلع المختلفة وتقديم الخدمات ولا تتضمن أنشطتها السياسية.

تُرسل مجمعات بيع السلع التي تقيمها الأحزاب في مناطق شاسعة بالتعاون مع الغرف التجارية في المحافظات إشارات سلبية نحو أهدافها الحقيقية، وينظر لها البعض باعتبارها من وسائل تحسين صورتها أمام المواطنين الغاضبين من تماشيها الكامل مع سياسات الحكومة وعدم قيام نوابها في البرلمان بأدوارهم الرقابية.

وذكر المحلل السياسي جمال أسعد أن الاحتفاء باستيراد أطنان من اللحوم بواسطة أحد الأحزاب أمر مثير للغرابة، ولم يحدث من قبل في تاريخ الحياة السياسية المصرية، ولا يوجد منطق يشير إلى وجود علاقة مباشرة بين القوى السياسية واستيراد المواد الغذائية، فهي من اختصاص وزارة التموين وغيرها من المؤسسات التجارية، ما يدعم تحويل الأحزاب السياسية إلى مؤسسات اقتصادية تخدم الحكومة.

وأوضح أسعد في تصريح لـ”العرب” أن ما يحدث دليل قاطع على أن السياسة غائبة في مصر، والأحزاب التي من المفترض أن تشكل بداية الطريق لتأسيس حياة سياسية تفتقر إلى أيّ قدر من الاهتمام بكيفية تهيئة المجال العام نحو المزيد من الإصلاحات السياسية، ومثل هذه الممارسات “الساخرة” توحي باتجاه الأحزاب للقيام بأدوار “جمعيات دفن الموتى وليس القيام بأدوار سياسية مهمة”.

وأشار إلى أن انغماس الأحزاب في القيام بدور الحكومة أمر لا يخدمها ولا يصب في صالح الحكومة أو الدولة، وأن الفترة الحالية في حاجة إلى وجود أحزاب حقيقية تدرس الواقع الاقتصادي وتضع الحلول السليمة التي تدعم الحكومة في اتخاذ القرار المناسب كي تساهم في حل مشكلات الأسعار، ومن الأجدى إتاحة الفرصة للأحزاب في هذا المجال بما يساعد النظام الحاكم ليحافظ على ثباته في ضوء الواقع الاقتصادي الحالي.

ولفت أسعد إلى أن الحكومة لديها الحق في الاعتماد على رجال الأعمال لمساعدتها على التخفيف من حدة الأزمة، لكن يحب الفصل بين الاعتماد على أشخاص بعينهم وبين الارتكان إلى أحزاب لها برامج من المفترض أن تعبّر عنها وتطرح رؤيتها للحل بما يمنع تحول الممارسة الحزبية إلى وجاهة اجتماعية يبحث عنها رجال أعمال.

العرب