واشنطن – شكّل نجاح الصين المفاجئ في التقريب بين السعودية وإيران أخيرا وخفض التصعيد الميداني بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحدّيا للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط بعدما اعتُبرت الولايات المتحدة لفترة طويلة وسيطا ولاعبا أساسيا في المنطقة.
اعتبرت واشنطن إعلان بكين في 10 مارس استئناف إيران والسعودية علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 إثر مفاوضات استضافتها الصين “أمرا جيدا”، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن وقتها “أي أمر قد يساعد في خفض التوترات (..) هو أمر جيد”.
ومع ذلك، حاول مسؤولون أميركيون التقليل من أهمية دور الصين في المنطقة، قائلين إن بكين لا تزال بعيدة عن التفوق على الأميركيين في الشرق الأوسط الذي ما زال إلى حد كبير تحت حماية المظلة الأمنية الأميركية.
◙ مسؤولون أميركيون حاولوا التقليل من أهمية الوساطة الصينية قائلين إن بكين لا تزال بعيدة عن التفوق على واشنطن
لكن هذا الاختراق الدبلوماسي الذي حقّقته الصين يمثّل تحديا حقيقيا لدور الولايات المتحدة كلاعب أساسي في المنطقة مع انشغال واشنطن المتزايد بالحرب في أوكرانيا، وعلى المدى الطويل، بإعاقة التقدم الدبلوماسي والعسكري لبكين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويقول مراقبون إن الصين لم تتسلل من وراء نفوذ واشنطن، وفي منطقة ذات أهمية كبرى مثل الخليج، إلا بسبب ارتباك القرار الأميركي وغياب الرؤية لدى إدارة الرئيس جو بايدن التي تبتز الخليجيين بالأمن وتلوح بالتقارب مع إيران، ما شجع السعودية، على سبيل المثال، على الذهاب مباشرة إلى إيران وبحث التهدئة معها لإظهار أنها قادرة على المناورة وتحدي ضغوط واشنطن بورقة التخويف بإيران.
وقال جيمس راين مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد “فورين بوليسي ريسيرتش إنستيتيوت” إن واشنطن سترحّب بأي خطوة يمكنها تحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، حتى لو كانت من الصين المنافسة.
وأوضح لوكالة فرانس برس أن “إدارة بايدن قالت بشكل واضح إنه عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإنها تدعم تعزيز الأمن والاستقرار”، مضيفا “سيتراجع التدخل الأميركي عموما” وهي رسالة يفهمها السعوديون “بوضوح”.
ويأتي هذا التحول فيما لا تزال العلاقات معقدة بين الولايات المتحدة والسعودية وفيما تواجه واشنطن العديد من القضايا التي تتراوح من البرنامج النووي الإيراني إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ورغم الصفقة الضخمة التي بلغت 37 مليار دولار، وفقا للبيت الأبيض، بين السعوديين وشركة بوينغ التي أعلنت هذا الأسبوع، بقيت العلاقات بين واشنطن والرياض متوترة بعد إعلان الرئيس بايدن في أكتوبر مراجعة علاقتها مع هذا الحليف التاريخي.
وكان الرئيس الأميركي تحدث بشكل ملحوظ عن “عواقب” بعد قرار الرياض وحلفائها في تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط. كذلك، يهدد التقارب الإيراني – السعودي الهدف الأساسي لاتفاقات أبراهام التي صاغتها الولايات المتحدة في العام 2020 والمتمثل في اعتراف السعودية بإسرائيل، بعد عقود من الرفض.
وسمحت هذه المفاوضات التي تقودها واشنطن، بتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وأوردت “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” أن الرياض تعمل في الكواليس للحصول على ضمانات أمنية من واشنطن وعلى مساعدة في برنامجها النووي المدني مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وفي ما يخص الملف النووي الإيراني، فإن المفاوضات بشأن إحياء اتفاق 2015 الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب متوقفة. وتؤكد واشنطن أن العودة إلى الاتفاق لم تعد “مطروحة” ولو أن الولايات المتحدة ما زالت تعتقد أن هذا الاتفاق هو أفضل طريقة لمنع إيران من حيازة أسلحة ذرية.
◙ واشنطن سترحّب بأي خطوة يمكنها تحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، حتى لو كانت من الصين المنافسة
وهناك أيضا التصعيد في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. فرغم الدعوات المتكررة إلى التهدئة، بما في ذلك خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي للقدس ورام الله نهاية يناير، تفاقمت أعمال العنف.
ويوما بعد يوم، يدين المسؤولون الأميركيون الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب للتوسع الاستيطاني خصوصا، فيما يعيدون تأكيد الدعم “الثابت” لإسرائيل والتزام “حل الدولتين”. إلا أن ذلك لم يكن لديه أي تأثير على حكومة الحليف القديم بنيامين نتانياهو.
كما أن مشروع تعديل النظام القضائي الذي طرحه بنيامين نتانياهو الذي يرأس حاليا حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، يمثّل إحراجا لواشنطن، خصوصا بعد إثارته غضبا شعبيا. وأشاد بلينكن بـ”الديمقراطية النابضة بالحياة” في إسرائيل، مؤكدا أن “التوافق هو أفضل طريق للمضي قدما”.
لكن الضغط يتزايد على إدارة بايدن. وكتب أخيرا مئة من النواب الديمقراطيين للتعبير عن “مخاوفهم” بشأن هذا التعديل ودعوا الولايات المتحدة إلى الاضطلاع بدورها “القيادي” في المنطقة.
ومع دخول الولايات المتحدة العام الانتخابي السنة المقبلة، “سيكون هامش المناورة لديها محدودا جدا في هذا الصدد” على ما قال راين. وأضاف أن الإسرائيليين “أكثر ثقة الآن، خصوصا منذ اتفاقات أبراهام (..) في قدرتهم على التصرف كما يحلو لهم”.
العرب