بحر قزوين يقدم لروسيا منفذا بديلا عبر إيران نحو المحيط الهندي

بحر قزوين يقدم لروسيا منفذا بديلا عبر إيران نحو المحيط الهندي

تؤكد التطورات اهتمام روسيا الجدي بتعزيز التجارة البحرية وعلاقات الشحن مع إيران في بحر قزوين. ومن ناحية أخرى، تهتم إيران أيضا باستخدام طاقة بحر قزوين من أجل تطوير علاقات العبور والتجارة مع روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ومع ذلك، هناك تحديات ومشكلات تواجه البلدين في هذا المجال.

لندن – كان فتح طريق تجاري بين الاتحاد الروسي والمحيط الهندي عبر إيران أولوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأكثر من عقد. لكن المشروع واجه صعوبات متزايدة على مستوى كلا المسارين البريين المحتملين عبر القوقاز أو آسيا الوسطى.

وتركز موسكو نتيجة لذلك الآن على تطوير التجارة الروسية – الإيرانية عبر بحر قزوين. لكن هذا الطريق لا يخلو من المشاكل أيضا فطالما واجهت موسكو صعوبة في الشحن متعدد الوسائط.

ويبقى الشحن البحري وقدرة الموانئ على بحر قزوين محدودين، وتفتقر موانئ إيران إلى اتصالات نقل فعالة تربطها بشبكة السكك الحديدية الوطنية في البلاد. لكن المسار يتوسع بسرعة، حيث ارتفعت التجارة البحرية بين البلدين بنسبة 70 في المئة خلال الاثني عشر شهرا الماضية وحدها، أي حوالي عشرة أضعاف النمو في التجارة الخارجية الإيرانية.

إذا استمر تطور مسار بحر قزوين بهذا المعدل، فسيصبح الطريق الرئيسي بين روسيا ومحيطات العالم، بدلا من القوقاز أو آسيا الوسطى، بما يسمح لموسكو بتجاوز العديد من قيود العقوبات وتعزيز تحالفها مع إيران.

وافترض العديد من المحللين أن موسكو وطهران تتطلعان إلى البحر لعدم الاستقرار الحالي والمحتمل في القوقاز وآسيا الوسطى أو لرغبة دول هاتين المنطقتين في الابتعاد عن الدولتين المعزولتين دوليا.

توازن النفوذ
السلطات الروسية في ضوء القيود المفروضة على الميزانية الناشئة عن الحرب ضد أوكرانيا تقليص مشاريع تطوير السكك الحديدية
◙ السلطات الروسية قلصت مشاريع تطوير السكك الحديدية في ضوء العقوبات المفروضة عليها
ولم تغفل حسابات الحكومتين عن مثل هذه الأخطار المتعددة في القوقاز خاصة. لكن موسكو وطهران لا تملكان الأموال اللازمة لإكمال خطوط السكك الحديدية في إيران في أي وقت قريب لجعل الطرق البرية عبر القوقاز أو آسيا الوسطى فعالة.

ومن غير المحتمل أن يتمكن أي منهما من جذب تمويل أجنبي بديل بسبب العقوبات المسلّطة عليهما. ومن شبه المؤكد أن الأموال الصينية المتجهة إلى إيران ستفضل طرق الشرق والغرب التي ستفيد بكين بدلا من الروابط بين الشمال والجنوب التي تريدها موسكو.

ومن المؤكد أن تطوير المسارين البريين سيكون مكلفا. ويجب أن يمر الطريق في شمال إيران الذي يربط القوقاز عبر البعض من أصعب التضاريس في البلاد.

وبينما وعدت موسكو بتقديم أكثر من مليار دولار من المساعدات لاستكمال الأنفاق والجسور المطلوبة، يقول العديد من الخبراء الروس إن من غير المرجح أن تصل الأموال في أي وقت قريب.

◙ الوفاق الروسي – الإيراني بشأن بحر قزوين يبقي القوى الغربية خارج النطاق، كما سيخلق توازنا لدور الصين في آسيا الوسطى

ووعد الكرملين بتقديم المساعدة لاستكمال تحديث خطوط السكك الحديدية في الجزء الشرقي من إيران التي ستربط خطوط آسيا الوسطى. لكنه لم يرسل الأموال بعد وقد لا يفعل ذلك في أي وقت قريب.

وقررت السلطات الروسية في ضوء القيود المفروضة على الميزانية الناشئة عن الحرب ضد أوكرانيا تقليص مشاريع تطوير السكك الحديدية الأخرى التي من المحتمل أن تكون لها أولوية أعلى، بما في ذلك تحديث خطوط سكة الحديد العابرة لسيبيريا وبايكال آمور والشرق الأقصى الروسي الرابط للدولة بالصين.

ومع تعدد مشاكل الميزانية، قررت طهران التركيز على تطوير فرع السكك الحديدية الأقصر الذي سيربط ميناء بندر أنزالي المطل على بحر قزوين بنظام السكك الحديدية الوطني، وقررت موسكو التركيز على استخدام ممرات بحر قزوين بدلا من خطوط السكك الحديدية، في محاولة لإبقاء ممر بوتين التجاري بين الشمال والجنوب على المسار الصحيح.

وستسعد موسكو بزيادة التجارة الروسية – الإيرانية جنوبا. وسيمكّن الأمر طهران من زيادة نفوذها في كل من القوقاز وآسيا الوسطى من خلال توسيع التجارة مع الدول الساحلية الأخرى وحتى فتح طريق التعاون الأمني، بما يمكن أن يقوض هيمنة أسطول بحر قزوين الروسي.

ومن المرجح أن يرفع ذلك من دور إيران في بناء سفن وإصلاحها لروسيا ومن مرتبة شراكتها في عمليات التجريف في قناة لينين دون فولغا الملاحية الروسية الرئيسية، مما يؤدي إلى قلب توازن النفوذ بين العاصمتين لصالح طهران.

يشير المحللون في موسكو بالفعل إلى نفوذ إيران المتزايد نتيجة لهذه التحركات، حيث يحاول البعض تحقيق أقصى استفادة مما يعتبرونه صفقة سيئة بالنسبة لروسيا.

ويقترحون أن على طهران العمل عن كثب مع موسكو وليس ضدها لتحقيق أهدافها. وسيبقي الوفاق الروسي – الإيراني بشأن بحر قزوين تركيا والقوى الغربية خارج النطاق. كما سيخلق توازنا لدور الصين المتنامي في آسيا الوسطى.

وتسلط ثلاثة أسباب على الأقل الضوء على سبب كون هذا التفاؤل الروسي في غير محله. أولا، لروسيا ميناءان رئيسيان على بحر قزوين، وهما أستراخان وماخا شكالا.

ويبقى الأول محاطا بالجليد لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر في السنة، ويوجد الثاني في داغستان غير المستقرة. ثانيا، سيتطلب استغلال هذا الطريق البحري خطوتين وجدت موسكو صعوبة في إكمالهما.

ويشتهر الشاحنون الروس بسمعة سيئة لعدم قدرتهم على إدارة النقل متعدد الوسائط، ولا تمتلك روسيا ما يكفي من سفن الشحن وسفن الدحرجة لجعل بحر قزوين قادرا على تعويض آمال الكرملين حول الطرق البرية.

وثالثا، أظهرت إيران أنها تلعب لعبتها الخاصة وليست على استعداد لمواكبة ما تريده روسيا. ومن أبرز دلائل ذلك حقيقة أن إيران لا تزال ترفض التصديق على اتفاقية ترسيم حدود بحر قزوين التي توسطت فيها موسكو بعد مرور خمس سنوات، رغم أن جميع الدول المطلة على البحر وافقت عليها.

والمحتمل أن تكون أسباب الصراع بين البلدين موجودة بنفس قدر أسس التعاون. ومن شبه المؤكد أن تستنتج الدول الأخرى المطلة على بحر قزوين على الأقل أن تركيز روسيا على طرق المنطقة البحرية لا يعكس قوتها، بل ضعفها، وستتصرف وفقا لذلك بإعادة ترتيب جيواقتصادي وجيوسياسي شامل.

العرب