قالت مصادر مطلعة إن تركيا تعكف على دراسة خيارات الانسحاب من شمال شرق سوريا استجابة لمطالب الرئيس السوري بشار الأسد للمضي قدما في تطبيع العلاقات.
وذكرت المصادر أن هناك خيارين قد يستجيبان ولو جزئيا لمطالب الأسد قيد الدراسة وهما: إما توسيع اتفاق أضنة أو وضع جدول زمني لإنهاء الوجود التركي يتقدم تدريجيا بتقدم أطر المصالحة المحتملة.
وأفادت المصادر أن تركيا تُراهن على إمكانية أن تلعب روسيا دور الضامن لأيّ تفاهم أوّلي مع دمشق، وهو ما يعزز، حسب مراقبين بدء المفاوضات السياسية المباشرة بين وزيري خارجية البلدين والتي تأجلت عقب زيارة الأسد إلى موسكو مؤخرا والتي تزامنت مع موعد اللقاء الذي تمّ إلغاؤه. وتصر أنقرة على عقد هذا اللقاء مع دمشق، فيما تعمل موسكو على إعادة هندسته من دون أن يتّضح له موعد جديد إلى الآن.
وتحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن قرب عقْد الاجتماع المؤجَّل “خلال أيام”، وأشار إلى أن “القضايا الفنّية تمّت مناقشتها في اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات الذي انعقد في 28 نوفمبر 2022، وأن القضايا السياسية هي التي ستتمّ مناقشتها الآن”.
في المداولات داخل الاجتماع الثلاثي الأخير في موسكو، لكن الصيغة التي أقرت، جاءت عمومية، لم تحدد أسماء الفصائل وهوياتها.
وثانيا تريد دمشق أن توقف تركيا كافة أشكال الدعم والتسهيلات التي تمنحها لفصائل معارضة محسوبة عليها، وأخرى جهادية في إدلب، وسط قناعة سورية راسخة بأن وقف الدعم والتسهيلات التركية لهذه الفصائل سيفضي إلى القضاء عليها.
وسوريا تريد ثالثاً انسحاباً تركياً من المناطق التي دخلتها الجيوش التركية في قواطع عملياتها الأربع، وفي أقل تقدير، إقرار جدولٍ زمنيٍ ملزمٍ لإتمام ذلك الانسحاب.
ومنذ العام 2016، إثر ثلاث عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد، باتت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تسيطر على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا. وقدمت تركيا على مر السنوات الماضية دعما للمعارضة السياسية والفصائل المقاتلة في سوريا.
ويسود الاعتقاد بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يفكر سوى في مصالح بلاده خلال الاتفاق مع دمشق، وأنه يمكن أن يجبر المعارضة السورية على القبول بصفقة قد تجعلها في مواجهة مباشرة مع نظام بشار الأسد دون ضمانات ودون أيّ اتفاق تفصيلي بشأن إدماج المعارضة في المرحلة القادمة في سوريا، ودون معرفة ما إذا كانت عودتها ستتم ضمن مصالحة سورية – سورية أم سيتم التعامل معها وفق الخيار الأمني، ما يمكّن الأسد من فرصة كبيرة لتصفية خصومه.
ودخل الصراع في سوريا عقده الثاني وأودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشرد الملايين وتورطت فيه قوى إقليمية وعالمية، لكن حدة القتال بدأت تنحسر مؤخرا.
واستعادت حكومة الأسد معظم الأراضي السورية بدعم من روسيا وإيران. ولا يزال مقاتلو المعارضة المدعومون من تركيا يسيطرون على جيب في شمال غرب البلاد، كما يسيطر المقاتلون الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة على منطقة بالقرب من الحدود التركية.
ويقول مراقبون إن ما يهم أردوغان هو التوصل إلى اتفاق مع الأسد حول تأمين حدود تركيا، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وإنه إذا حصل على الضمانات التي يبحث عنها فسيصبح من السهل عليه تسليم مناطق سيطرة المعارضة الحالية إلى دمشق دون البحث عن مخرج يضمن سلامة المجموعات التي تحالفت معه لسنوات.
وقبل عدة أسابيع، رسم الرئيس أردوغان خارطة طريق لتطبيع علاقات بلاده مع سوريا، وتحدث عن محادثات أمنية تمهيدية رفيعة المستوى، تبدأ أولاً، وهذا أمر يحصل منذ فترة من الزمن، وهو متواصل باستمرار، تليها محادثات على مستوى وزراء الدفاع، وقد نجح الكرملين في ترتيب اللقاء الثلاثي الأخير، غير المسبوق، ثم لقاءات على مستوى وزيري الخارجية، لتتوج لاحقاً بقمة ثلاثية، يرعاها بوتين ويحضرها إلى جانب الأسد.
ويقول مراقبون إن نصف الطريق قد قطع، لكن ما تزال هناك حاجة إلى الانتظار بعض الوقت، لمعرفة ما إن كان مولود جاويش أوغلو سيلتقي بنظيره السوري فيصل المقداد، بعدها يمكن توقع التئام القمة المنتظرة بين الجانبين، وليس قبل ذلك.
◙ إما توسيع اتفاق أضنة أو وضع جدول زمني لإنهاء الوجود التركي يتقدم تدريجيا بتقدم أطر المصالحة المحتملة
ويرجّح محللون أن تمضي أنقرة في توسيع بنود اتفاق “أضنة” لعام 1998 بين الجانبين كاستجابة جزئية لشروط الأسد وهو ما قد يسهم في تسريع المحادثات السياسية المباشرة بين الطرفين.
وقال المحلل السياسي غازي دحمان إن “تركيا تريد توسيع اتفاقية أضنة لتشمل حق الدخول مسافة 30 كلم بدلاً من 5 كلم، وبعد ذلك، ربما يسعون إلى إيجاد صيغة لإشراك فصائل المعارضة مع قوات النظام في إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية عن المنطقة”. واعتبر دحمان أن الجانب التركي في حال تحقيق تلك المعادلة سيستجيب جزئياً لمطالب النظام السوري بشأن دعم أنقرة لفصائل المعارضة.
وفي العام 1998 وقّع النظام السوري، في فترة حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، وأنقرة اتفاقا في مدينة أضنة، جنوبي تركيا، عقب أزمة أدت إلى توتر العلاقات وحشد تركيا جنودها على الحدود السورية بهدف تنفيذ عمل عسكري، إلا أن وساطة شاركت فيها جامعة الدول العربية ومصر حالت دون ذلك.
ونصّت الاتفاقية آنذاك على تعاون سوريا التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال الكردستاني”، وإخراج زعيمه عبدالله أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.
كما تضمّن حق تركيا في الاحتفاظ بحقها في ممارسة الدفاع عن النفس وفي المطالبة بتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لحزب “العمال الكردستاني” فورا. وكذلك نص على إعطاء أنقرة حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر.
العرب