بدأت قوات الغزو والاحتلال في العشرين من اذار 2003 تهاجم وتعتدي على أرض العراق الطاهرة مستهدفة تاريخ وحضارة وتقدم البلاد والبنى التحتية والمشاريع التنموية والمعامل والمصانع وشبكات الاتصال والمواصلات ومحطات الكهرباء والمستشفيات والمباني الحكومية والوزارات الرسمية وكل ما يتعلق بالإنجازات الكبيرة التي حققها أبناء الشعب العراقي طيلة سنوات العطاء والتضحية وبلوغ مراحل الرقي والتقدم.
أتى المحتل الأطلسي لبلدنا ليؤكد حقيقة السياسة الاستعمارية والمخططات الامبريالية التي تسعى جاهدة لوأد أي مشروع نهضوي حضاري لأمتنا العربية ورأى في العراق البلد الواجهة الحقيقية لطموح وتقدم الأمة وعلامات تطلعها ونموها وتقدمها عبر العديد من البرامج والمشاريع النهضوية والتنموية والإرادة الشعبية الصلبة في حب الأمة والسعي لرقيها واستعادة مكانتها بين شعوب العالم واستمرار تأثيرها في المحيطين الإقليمي والدولي واستذكار حضارتها ومكانتها الإنسانية التي أشاعت على العالم بالعلم والمعرفة والنور البهي.
أتت سنوات الاحتلال لترسم صورة مؤلمة لواقع مأساوي يعيشه أبناء الشعب العراقي بانعدام مفهوم دولة المواطنة وضياع مبادئ العدالة الاجتماعية وغياب أسس الحياة الحرة الكريمة لينشئ بديلا عنها دولة المليشيات والعصابات المسلحة التي أسست للدولة العميقة وبدأت تؤثر في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية وتتلاعب بمقدرات البلاد وفقا لأهدافها ومشاريعها مستخدمة أدوات الترهيب والقتل والاختطاف والتغيب القسري والاغتيال السياسي.
جاء الاحتلال ليجعل العراق بلدا ضعيفا تتحكم فيه إرادتان سياسيتان هما الإرادة الدولية ممثلة بدولة الاحتلال الولايات المتحدة الأمريكية والإرادة الإقليمية التي يمثلها النظام الإيراني وأدواته وميليشياته المسلحة وأهدافه في التمدد والنفوذ وتحقيق أحلامه في تنفيذ مشروعه السياسي داخل العراق وبهذا الواقع الميداني المؤلم افتقد العراق إلى أطر سياسية واضحة وأدوات لمعالجة الأزمات التي أحاطت بالمجتمع العراقي وعدم وجود مديات وآفاق للتعامل الواضح مع كل ما يعانيه أبناء الشعب العراقي وأصبحت ظواهر الفساد السياسي والاقتصادي هي السمة الأساسية التي يتصف بها المشهد السياسي العراقي وأصبحت سياسة نهب الأموال وسرقة المال العام وإقامة المشاريع الوهمية وضياع ثروات البلد وانتشار شبكات تهريب الأموال وتجارة المخدرات من الظواهر الهجينة على سلوك وأخلاقية المجتمع وتساهم في ضياع أمواله ومستقبل أجياله تنفيذا لمآرب وأهداف قوات الاحتلال ومن جاء معها وفق مخطط دولي وإقليمية وتبعا لمنافعها المالية وسيطرتها وتسيدها على الحكم في بغداد ومشاركتها في تنفيذ المخططات التي تستهدف وحدة وسلامة الأراضي العراقية والأمن الوطني والقومي لشعبه .
وبعد عقدين من الزمن تنكشف الأكاذيب والاباطيل التي التي سوقتها الإدارة الأمريكية ومن تحالف معها في الاعتداء على العراق وشن حربا ضروس استهدفت الحضارة الإنسانية والعمران والبناء ومكتسبات أبناء الشعب العراقي التي مافح وعمل من أجل رفعة وتقدم بلاده ، فقد كشفت وثائق مجلس الوزراء البريطاني التي افرح عنها في شباط 2023 (ان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش كانا متأكدين من عدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل او اي قدرة في الحصول عليها أو على صواريخ بعيدة المدى وذلك قبل غزو بعامين على الأقل ) .
أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية وهياكل الارتكاز والمرافق الحيوية والعمرانية للعراق وإعادته للعصر الحجري كما ادعى (جيمس بيكر )وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس الأب جورج بوش تسببت إزهاق أرواح مئات الألأف من العراقيين ونزوح ولحوء الملايين بسبب السياسة الأمريكية التي اتبعت في تعميق الطائفية الاجتماعية وتكريس حالات الثأر والقتل والانتقام بين أبناء الشعب الواحد وتأسيس مجلس الحكم على اساس طائفي ووفق المحاصصة السياسية والمذهبية .
تبقى جريمة احتلال العراق من جرائم العصر الكبيرة التي أدت إلى تفكك دولة حضارية وضياع مقوماتها ومرتكزاتها الحيوية ونهب ثرواتها وتبديد ثرواتها وإضعاف قدرتها وتأثيرها في المحفل الدولي والإقليمي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية