تحرك دبلوماسي جزائري لتجاوز غياب التأثير عربيا وفق ما كشفته قمة “لمّ الشمل”

تحرك دبلوماسي جزائري لتجاوز غياب التأثير عربيا وفق ما كشفته قمة “لمّ الشمل”

الجزائر- يواصل وزير الخارجية الجزائري الجديد أحمد عطاف سلسلة اتصالات مع نظرائه في عواصم عربية لم تكن تحظى بالاهتمام نفسه إلى وقت قريب، مقارنة بعواصم مهمة أخرى، ويتعلق الأمر بالسودان والأردن، وهو ربما الفراغ الذي تركه رئيس الدبلوماسية السابق رمطان لعمامرة ويريد الآن عطاف ملأه.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن الجزائر تحاول أن تتجاوز مخلفات العزلة التي كشفت عنها قمة “لمّ الشمل” العربية، حيث غابت عنها الكثير من الدول بسبب موقفها من سياسات الجزائر، خاصة تجاه المغرب الذي يحظى بدعم ومساندة قوييْن من عدة دول عربية لاسيما في الخليج.

ويعرف عطاف، الذي يسعى لكسر عزلة بلاده، صعوبة كسب ثقة الدول المحورية في الخليج من دون تسوية الجزائر لخلافاتها مع المغرب، لذلك يبحث عن كسب ود عواصم عربية أخرى من خلال ورقة التعاون الاقتصادي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطال دولا مثل السودان والأردن.

◙ بعد فشل القمة العربية في تأمين حضور قيادات عربية وازنة، تحاول الجزائر لعب ورقة الغاز لكسب حلفاء مثل الأردن والسودان

ويرى المراقبون أن إطلاق الاتصالات الدبلوماسية ووعود التعاون الاقتصادي قد لا يحقق مكاسب فعلية على الأرض لأن القرار الذي يُتخذ بشأن القضايا المهمة، مثل المشاركة في قمة أو التفاعل مع مبادرات دبلوماسية جزائرية، لا يتخذه وزير الخارجية ولا وزير الاقتصاد بل أعلى رأس السلطة، مشيرين إلى أن عطاف يريد الإيحاء بأن بلاده ليست معزولة وأن المشكلة كانت في خلفه رمطان لعمامرة الذي لم ينشئ شبكة علاقات متينة وليس في أن الجزائر معزولة بسبب سياساتها خاصة تجاه المغرب.

وأبدت الجزائر في العام الماضي اهتماما بالغا بالقمة العربية التي احتضنتها خلال مطلع شهر نوفمبر الماضي، إلا أن طبيعة الملفات المطروحة، مثل المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وركوب موجة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، جعلت جهود الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تنصب على العواصم المؤثرة في المنطقة، بينما جرى تجاهل العواصم الأخرى.

وكانت الجزائر تريد حضور قيادات عربية وازنة خاصة من الخليج لتأكيد نجاح القمة وتوظيف ذلك في الترويج لتأثير الجزائر عربيا، لكن ذلك لم يتحقق.

وكرد فعل على فشل القمة في تحصيل حضور قوي، خاصة مع غياب قيادات دول الخليج وعرقلة حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحاول الجزائر أن تلعب ورقة التعاون الاقتصادي وورقة الغاز لكسب حلفاء.

وفي سياق مساعي شراء ود دول الصف الثاني، التي أغفلها التحرك الجزائري السابق، استقبلت الأسواق الجزائرية شحنة أولى من اللحوم السودانية التي استوردتها المصالح الحكومية في بداية شهر رمضان بغية التحكم في الأسعار، لتكون بذلك الصفقة الأولى التي يرشح أن تمهد طريق التعاون بين البلدين في هذا المجال.

وجاءت الخطوة بالموازاة مع الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره السوداني علي الصادق علي، ليكون بذلك أول اتصال بين الطرفين، ويوحي بأن رئيس الدبلوماسية الجزائرية الجديد يريد ملء الفراغ الذي تركه سلفه لعمامرة، والذي كان يهتم ببعض العواصم العربية دون غيرها من العواصم العربية الأخرى.

وذكر بيان الخارجية الجزائرية أن “الاتصال خصص لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التشاور والتنسيق حول مستجدات القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيد الإقليمي”.

ويختلف التوجه الجزائري نحو السودان عن التعاطي مع الأردن ومحاولة كسب وده وكسر البرود بين البلدين الذي قاد إلى غياب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن قمة “لم الشمل”، حيث تلوّح الجزائر بتقديم تسهيلات إلى عمّان للحصول على الغاز الجزائري بأسعار أقل مما تحصل عليه من إسرائيل.

وأجرى أحمد عطاف اتصالا آخر مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين للمملكة الأردنية أيمن الصفدي، استعرض خلاله الجانبان العلاقات الثنائية وآفاق تعزيزها.

وذكرت دوائر برلمانية أردنية أن رفض الحكومة الأردنية شراء الغاز من الجزائر بأسعار تفضيلية، مقابل تفضيل الغاز الإسرائيلي، هو واقع سيتغير خلال العام الجاري، في تلميح إلى فرضية تغيير الحكومة الأردنية للممون الرئيسي لها بالطاقة.

وفي هذا الشأن أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي أن بلاده قدمت إلى الجزائر طلبا للتزود بالغاز المسال، وأن الجزائر وعدت بدراسة الطلب الأردني.

◙ إطلاق الاتصالات الدبلوماسية ووعود التعاون الاقتصادي قد لا يحقق مكاسب فعلية على الأرض لأن القرار الذي يُتخذ بشأن القضايا المهمة

وكان وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب قد استقبل في شهر فبراير الماضي وفدا برلمانيا أردنيا بمقر وزارته، وصرح بأن بلاده “جادة في دراسة مدى إمكانية إمداد الأردن بالنفط الخام والغاز المسال وغاز النفط المسال”.

وذهب الوزير الجزائري إلى ما هو أبعد من ذلك، لما تحدث عن إمكانية امتداد التعاون بين البلدين إلى تخزين وتوزيع الأردن للمنتجات النفطية الجزائرية، وهي تطمينات قدمت أيضا لوزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، بشأن “التكفل بدراسة الطلب الأردني” للتزود بالغاز الجزائري.

وذكر بيان الخارجية الجزائرية أن الاتصال بين عطاف والصفدي “شكل فرصة لاستعراض العلاقات الثنائية وآفاق تعزيزها (…) لاسيما ما تعلق منها بإطلاق خط الطيران المباشر بين الجزائر وعمان، وتفعيل لجنة التعاون الاقتصادي، فضلا عن تقوية التبادلات بين المتعاملين الاقتصاديين من الجانبين، كما اتفقا على ضرورة برمجة الاجتماعات التحضيرية للاستحقاقات الثنائية المقبلة”.

وأضاف “تطرق الوزيران إلى عدد من القضايا تقع في صلب أولويات العمل العربي المشترك، لاسيما القضية الفلسطينية، وما يعترضها من تحديات، وكذا المساعي الرامية إلى لمّ الشمل العربي، واسترجاع الجمهورية العربية السورية مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

العرب