استئناف العلاقات السعودية الإيرانية: دوافعه وتداعياته على الشرق الأوسط‏

استئناف العلاقات السعودية الإيرانية: دوافعه وتداعياته على الشرق الأوسط‏

سوف تكون للاتفاق الإيراني السعودي، إذا تم التمسك به وتنفيذه من قبل الطرفين، تداعيات كبيرة وإيجابية على منطقة الشرق الأوسط التي تستهلكها الصراعات منذ سنوات طويلة، وسوف يشكل البداية لحل سياسي للعديد من الملفات الساخنة والأزمات الأخرى في المنطقة، مثل الصراعين اليمني والسوري والأزمات اللبنانية.‏

* *
بعد 7 سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، تم الإعلان مؤخرًا في بيان مشترك بين طهران والرياض وبكين أن البلدين اتفقا على طي صفحة خلافاتهما وتطبيع العلاقات التي شهدت الكثير من التوترات خلال العقد الماضي.

واتفق الجانبان على احترام سيادة الدول وعلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية، واستئناف العلاقات وإعادة فتح سفارتيهما خلال مدة أقصاها شهران.

كما اتفقت طهران والرياض أيضًا على تفعيل اتفاقهما للتعاون الأمني التي كانت قد أبرمت في العام 2001، وكذلك اتفاقهما العام الذي أُبرم في 1998 للتعاون في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والأعمال، والتكنولوجيا، والعلوم، والثقافة، والرياضة والشباب.‏

ويعد هذا الاتفاق بين السعودية وإيران أهم حدث دبلوماسي تشهده المنطقة خلال السنوات الماضية، والذي ستكون له، إذا ما تم الالتزام به، العديد من التداعيات والمضامين على منطقة الشرق الأوسط التي تمزقها الصراعات.

وبعد العديد من جولات المفاوضات التي لم تحسم نتائجها في العراق وسلطنة عمان في العامين 2021-2022، يشكل الإعلان عن الاتفاق من بكين نجاحًا لا مثيل له للدبلوماسية الصينية، مع تداعيات كبيرة على الساحتين، الدولية والإقليمية.

ويشكل الاتفاق تغييرًا في استراتيجية الصين وسياستها الخارجية، واختراقًا جيوسياسيًا مهمًا في منطقة الخليج، والذي سيمكنها من لعب دور استراتيجي ومحوري مهم وكبير، خاصة مع تراجع دور الولايات المتحدة التي كانت اللاعب الرئيسي في المنطقة.‏

بمرور الوقت، أصبحت إيران والسعودية أكثر وعيًا بضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي في هذا الوقت، وأصبحتا أكثر استعدادًا للقيام بذلك، خاصة بعد دخول الصين بعلاقاتها الاستراتيجية الشاملة مع الطرفين، والتي لعبت دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر المختلفة بين الطرفين بعد سنوات من المفاوضات المطولة.

ولكل طرف أسبابه الخاصة للتوصل إلى هذا الاتفاق الدبلوماسي. فعلى الجانب الإيراني، أصبحت إيران الآن في حاجة إلى التخفيف من عزلتها الدولية الخارجية، وإلى تهدئة أوضاعها الداخلية بعد تدهور الأوضاع ومطالبة الشعب بإسقاط النظام هناك.

كما شعرت إيران باقتراب الخطر بعد توقف المحادثات النووية مع الجانب الأميركي، والتهديد الإسرائيلي المستمر بتوجيه ضربة عسكرية محتملة لوقف برنامجها النووي، وهي تحاول الآن تحييد الجانب الخليجي وتخفيف الضغط المتزايد عليه.‏

وعلى الجانب الآخر، أرادت السعودية الخروج من هذه المأزق ومن أن يكون لها أي دور في حال استهداف إيران، والذي قد يجعلها وبقية دول الخليج عرضة للخطر.

ونتيجة لذلك، أعلنت العديد من الدول العربية والخليجية رفضها الانضمام إلى أي تحالف مسلح ضد إيران قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة.‏

كما أدركت المملكة العربية السعودية مؤخرًا فشل الولايات المتحدة في الوفاء بوعودها بتأمين المملكة، خاصة في أعقاب الهجمات التي استهدفت مختلف البنى التحتية المهمة في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية.

وبينما كان من المتوقع أن ترد واشنطن بقوة وحزم، قامت واشنطن بسحب بطاريات نظام الدفاع الجوي، “باتريوت” من المملكة، وأثبتت أنها فقدت القدرة على فعل أي شيء لوقف إيران وأذرعها في المنطقة، على الرغم من حوادث الاستهداف المتكررة خلال فترة إدارتي الحزبين الأميركيين في عهد ترامب وبايدن.

ولذلك، من الممكن أن تكون السعودية قد حاولت التعامل مع الأمور بشكل مختلف وذهبت إلى إبرام صفقة سياسية يكون من شأنها أن تجنبها الآثار السلبية للصراع مع إيران والتعرض للخذلان من حلفائها.‏

كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تتدهور بشكل واضح، وقد اتسعت الفجوة بين البلدين منذ أن رفضت الرياض، مؤخرًا، زيادة إنتاج النفط على الرغم من زيارة بايدن للمملكة، وهو ما تفسره واشنطن على أنه دعم سعودي لروسيا في تمويل حربها على أوكرانيا.‏

وكان هناك أيضًا تحول ملحوظ في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، حيث أصبحت تفضل التفاوض على الصراع وتضع تركيزها على النمو الاقتصادي.

ونتيجة لذلك، حاولت المملكة تحسين العلاقات مع غالبية منافسيها الإقليميين في الآونة الأخيرة، كما كان الحال مع تركيا.

وربما تم التوصل إلى الحل السياسي مع إيران بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى التي كان آخرها التدخل المباشر في اليمن لمساعدة الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين المدعومين من إيران.‏

من الواضح أنها ستكون هناك العديد من الارتدادات للاتفاق الجديد في الأيام المقبلة. يمكن أن يؤدي تراجع العلاقات الأميركية السعودية وانفتاح المملكة العربية السعودية على الصين وروسيا إلى تغيير في ميزان القوى في المنطقة والعالم.

كما شكل الاتفاق الإيراني السعودي الذي دعمته الصين انتكاسة خطيرة للولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل، التي قد تجبر الولايات المتحدة على تغيير سياستها الخارجية وإعادة ترتيب أوراقها من جديد لاستعادة نفوذها في المنطقة، بعد أن شهدت سياستها الخارجية تحولاً كبيرًا نحو شرق آسيا، بعيدًا عن الشرق الأوسط والخليج العربي.‏

سوف تكون للاتفاق الإيراني السعودي، إذا تم التمسك به وتنفيذه من قبل الطرفين، تداعيات كبيرة وإيجابية على منطقة الشرق الأوسط التي تستهلكها الصراعات منذ سنوات طويلة، وستشكل بداية حل سياسي للعديد من الملفات الساخنة والأزمات الأخرى في المنطقة، مثل الصراعين اليمني والسوري والأزمات اللبنانية.‏

لن يكون هذا الاتفاق بين هذين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في المنطقة نهاية لكل صراعاتهما، لكنه يشكل خطوة مهمة نحو تطوير رؤى مشتركة للقضايا الشائكة، بما يسهم في حل الأزمات الداخلية للعديد من دول المنطقة الأخرى التي ربما كانت لتحتاج إلى وقت طويل لحلها، بسبب انعدام الثقة بين الجانبين، فضلاً عن وجود دول عالمية وإقليمية غير راضية عن الاتفاق، والتي ستحاول جاهدة إفشاله.‏

سوف يصبح مدى التزام الطرفين بالاتفاق وتأثيره على الوضعين الإقليمي والدولي أكثر وضوحًا في الأشهر المقبلة، وسوف يتبين كذلك ما إذا كان سيؤدي إلى تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، أم أنه سيشعل مواجهات جديدة أكثر تعقيدًا.‏

الغد