هل باتت الولايات المتحدة الأميركية في حاجة إلى نموذج ريغاني جديد ينتشلها من أزمات الداخل وصراعات ومواجهات الخارج، لا سيما مع روسيا التي هي قطعاً وريثة الاتحاد السوفياتي؟
حين نذكر لفظة السوفيات، يسترجع الجميع خطاب الرئيس الأميركي الـ40 الجمهوري رونالد ريغان الذي وجه فيه قوى أميركا، لمواجهة ما سماه “إمبراطورية الشر“، وكان قد صرح ذات مرة على الهواء مباشرة، بأنه قد جرى تدميرها، مرة وإلى الأبد، رغم أن ذلك لم يكن سوى مزحة، وفات ريغان وقتها أن البث كان مباشراً.
اليوم، وفي ظل أزمة المواجهة الروسية- الأوكرانية، يتساءل النفر الكبير من الأميركيين عامة، ومن الجمهوريين خصوصاً: هل هذا هو الوقت القيم، كما يقول علماء النفس، الذي لا بد وأن يظهر فيه ريغان جديد قادر على مواجهة بوتين، كما فعل الرئيس الأسبق في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حين واجه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ما مهد انتصاراً كبيراً للناتو هناك، عبر تشجيع أصحاب البلد من الأفغان، وبالاستعانة بمقاتلين متطرفين من جميع البقاع والأصقاع، لا سيما العالم العربي؟
المؤكد في هذه القراءة أننا لسنا في صدد استعراض سيرة ومسيرة ريغان الشخصية، وإنما البحث عما يجعل منه نموذجاً محبوباً ومرغوباً لكثير من الأميركيين اليوم، سيما في ظل ما يشبه الاحتراب الداخلي بين الجمهوريين أنفسهم، المنقسمين في ما بينهم على عتبات استهلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية 2024.
من أطلق شرارة هذا البحث في أوراق الماضي الريغاني مرة جديدة هذه الأيام؟
جون كورنين والعودة للريغانية
منتصف الشهر الحالي نشرت مجلة “بوليتيكو” الأميركية تصريحات لافتة للانتباه، للسيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، “جون كورنين”، قال فيها: “أريد رؤية ريغان عندما يتعلق الأمر بالمصلحة القومية… السلام المبني على القوة”.
كورنين أكمل بالقول، “أفضل مرشحاً جمهورياً، لا يتملق للجناح الانعزالي في الحزب”.
تصريحات كورنين، لا تحملنا على النظر في أزمة الحزب الجمهوري الأميركي فحسب، بل تمتد لعموم الأميركيين، الذين باتوا منقسمين إلى معسكرين، واحد يرى أنه حان الوقت لوقف دور أميركا شرطي العالم أو “شريفه”، بالتالي دفع أكلاف نيابة عن بقية شعوب العالم، وبين فريق آخر يرى أنه من أجل الحفاظ على الإمبراطورية الأميركية، ينبغي التقدم للأمام، وعدم الرجوع إلى الوراء، ويرفض أنصار هذا الرأي، فكرة التمترس وراء المحيطين، الأطلسي من الشرق، والهادئ من الغرب.
تزعم ترمب خلال سنوات ولايته اليتيمة هذا النهج الانعزالي، لا سيما تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي وصفها بأنها لا تحوي سوى الرمال والدماء والدموع، كما أن سياساته كانت تعمد إلى احتواء روسيا، من أجل مواجهة الخطر الأكبر المتمثل في الصين.
يبدو ترمب الذي يستعد من جديد هذه الأيام للعودة إلى المشهد السياسي الأميركي الرئاسي، وعبر انتخابات 2024، ماضياً في السياق نفسه، ويرفض التصعيد الذي تقوده إدارة بايدن ضد روسيا، بل يتهم ساكن البيت الأبيض بأنه يقود أميركا والعالم، في طريق مواجهة حرب نووية.
لا يختلف المرشح التالي، والأكثر حظاً، على قائمة الجمهوريين، حاكم فلوريدا الشاب، رون ديسانتس عن ترمب، إذ يرى أن “مزيداً من الدفع في اتجاه تعزيز الحرب الروسية- الأوكرانية، من خلال مزيد من الدعم والمساعدات لحكومة زيلينسكي، لا يفيد أميركا في المدى المنظور”.
يبدو الجمهوريون منشقين، بين قاعدة محافظة تتفق مع ترمب وديسانتيس، بمعنى ترفض التصعيد خوفاً من الهول الأعظم الرابض خلف باب الحرب النووية مع روسيا، وعدد من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ، يدفعون بحتمية مواجهة بوتين، حفاظاً على مستقبل الإمبراطورية الأميركية، ويمثلون الطبعة الأحدث من المحافظين الجدد، أصحاب رؤية القرن الأميركي.
على رغم أن السيناتور الجمهوري جون كورنين لا يسعى لأن يكون هو نفسه، المرشح الجمهوري الريغاني المنشود، فإنه يفتح الباب واسعاً للحديث عن مرشح جمهوري آخر، يؤدي نفس الدور الذي لعبه ريغان قبل نحو أربعة عقود.
في مؤلفه القيم “القياصرة الأميركيون”، يحدثنا المؤلف السير نايجل هاميلتون، عما فعله ريغان في القرن الـ20، وما جعله يحتل المركز التاسع في قائمة أعظم 10 رؤساء في تاريخ الولايات المتحدة.
كان دور ريغان في تعطيل الاتحاد السوفياتي، وانهياره الوشيك أهم إنجاز رئاسيته الكبير في نظر غالبية الأميركيين، وبالطبع كان ريغان لاحقاً فاخورا بدوره في إنهاء “الإمبراطورية الشريرة”، على رغم أنه قد أعلن لاحقاً في موسكو أنه لم يعد يعتقد أنها شريرة.
ولعله من المصادفات القدرية، أن تتشابه أحوال الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادية والمالية، مع الفترة التي تسلم فيها ريغان مقاليد السلطة، مما يعني أن رمزية ريغان العسكرية، التي سنعود إليها لاحقاً، تتجاوز حدود هيمنة وانتصارات القوات المسلحة.
في الأول من يوليو (تموز) من عام 1981، دخلت أميركا رسمياً مرحلة الركود الاقتصادي التي تصاحبت مع أعلى نسبة بطالة منذ عام 1941، كما أنها كانت تواجه عجزاً قومياً لا ينفك يتضخم، وفي ظل كل هذه الأحداث الاقتصادية، رفض ريغان التراجع عن ابتهال “لا لمزيد من الضرائب” الذي أطلقه حزبه الجمهوري، كما أنه رفض الحل البديل الوحيد وهو تخفيض الإنفاق الحكومي في ميادين الرعاية الصحية أو التعليم، أو الضمان الصحي، وبالطبع رفض تخفيض الإنفاق العسكري الذي سيؤثر تلقائياً في هدفه الرئيس ألا وهو تدمير الإمبراطورية السوفياتية.
في هذا الصدد، لم يكن ريغان قد زار من قبل الاتحاد السوفياتي، كما لم يمكن قد التقى شيوعياً خارج بيفرلي هيلز، إلا أن هذا لا يعني أن ريغان ما كان على علم أن وضع الاتحاد السوفياتي الاقتصادي وراء ستار الحرب الباردة، كان أسوأ بكثير من وضع الولايات المتحدة، كما أنه كان على يقين أن الوسيلة الوحيدة لجعله ينهار هي استكمال المنافسة الضاربة في مجال الإنفاق العسكري.
هل الأمس شبيه باليوم؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك، بمعنى أنه في ظل مزيد من العقوبات والتضييق الاقتصادي على بوتين وجماعة السلوفيكي من حوله، مع تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا، تضحى النتيجة المتوقعة، قريبة الشبه جداً مما حدث في نهاية عهد غورباتشوف.
على أن التساؤل الذي لا بد أن يضعه الجمهوريون اليوم في حساباتهم: هل عقلية عسكرية ريغانية جديدة، ستفلح في وقف روسيا عن المواجهة مع الناتو، الذي يدعم أوكرانيا كوكيل حرب، أم أن ما لدى روسيا من تجربة تاريخية، وأسلحة نووية متطورة وفرط صوتية، أمر يجعل المقاربة غير واقعية، بالتالي، فإن ريغان جديد لن يحل مشكلة الولايات المتحدة الأميركية؟
أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب في الأسبوع الثاني من مارس (آذار) الجاري، أن 62 في المئة من الجمهوريين يعتبرون الحرب بين روسيا وأوكرانيا تهديداً خطراً للمصالح الأميركية، وذلك بزيادة ست نقاط عن عام 2022… هل يعني ذلك أن خيار العسكرة لدى الجمهوريين هو الخيار المفضل، وهو ذات المسعى الذي سلكه رونالد ريغان قبل أربعة عقود، ومكنه من إدخال الاتحاد السوفياتي في دائرة مفرغة من سباق التسلح، تم دفع كلفتها لاحقاً؟
في مؤلفه الشيق “رونالد ريغان وسقوط الشيوعية”، للبروفيسور بول كينغور، نجد أن قصة عداء ريغان للشيوعية، ضاربة جذورها حتى من قبل أن يصبح حاكماً لولاية كاليفورنيا بسنوات طوال، فمنذ مطلع الستينيات أعلن ريغان في خطاباته أن إجبار الروس على “الاعتراف” بتفوق “طرائق العيش” الغربية على الشيوعية السوفياتية يتم عن طريق “جعل اقتصادهم غير مستقر حتى يبين الفرق”.
في الواقع، كان معظم الرؤساء الذين توالوا على الحكم منذ عهد ترومان والذين اتبعوا “سياسة الاحتواء” يرون أن الاتحاد السوفياتي سيسقط من تلقاء نفسه في نهاية المطاف. أما بالنسبة إلى ريغان، فهو كان مقتنعاً أنه بالإمكان “تشجيعه” على السقوط. فكان منقاداً وراء اقتناع ما انفك يتنامى أنه يستطيع إطاحة الاتحاد السوفياتي، وذلك ليس عن طريق ثنيه عن جهوده التوسعية في أنحاء العالم فحسب، بل في تحفيز متعمد لسباق جديد إلى التسلح. فهذه المحاولة، إن نجحت، فستؤدي إلى إفلاس إمبراطورية عسكرية متعجرفة مرهقة خصوصاً في أوروبا الشرقية.
في مذكرات ريغان التي كتبها الصحافي الأميركي ريفز، نقرأ ما قوله إن “الروس في وضع سيئ جداً، وإن تمكنا من استنفاد أموالهم فسيصرخون مطالبين بمساعدة الولايات المتحدة أو سيموتون جوعاً”.
كانت سياسة ريغان تقضي بإضعاف نظام التحالف السوفياتي عبر إجبار الاتحاد السوفياتي على تحمل الأعباء الناجمة عما سماه “الشوائب الاقتصادية”، تلك التي تمثلت في دعم موسكو لدول حلف وارسو من جهة، وللدول الصديقة والرفيقة الدائرة في فلكه من جهة ثانية.
يبحث الأميركيون اليوم في حقيقة الأمر، عن رئيس كاريزماتي، يعيد لأميركا ألقها وعظمتها، سيما بعد سلسلة من الرؤساء الذين نظر إليهم الأميركيون نظرة دونية في العقود الأربعة التي تلت ولايتي ريغان.
بدأ ريغان رئيساً قوياً وذا شخصية جذابة وصوت قوي ومؤثر، طويل القامة عريض المنكبين، قادراً على إقناع الأميركان بخططه ومشاريعه السياسية.
اعتبر ريغان أنه: “لا سلام من دون قوة، وعن طريق القوة والمنعة تستطيع أميركا أن تفرض السلام على أعدائها وليس عن طريق الضعف والنوايا الطيبة”، ولذلك زاد ميزانية الدفاع وقدم للجيش الأميركي كل ما يلزمه من عتاد وأسلحة تكنولوجية متطورة ودعم مادي ومعنوي.
على أن الأمر الذي يذكر ولا ينسى لريغان، هو ذاك الذي أعلنه في خطاب متلفز من مكتبه الرسمي في البيت الأبيض، وقد كان ذلك عند الساعة الثامنة من مساء الـ23 من مارس (آذار) 1983، وفيه أفاد بأنه سيطلق برنامجاً عسكرياً جديداً، مع العلم أنه لم يخبر سوى عدد ضئيل من الأشخاص بذلك، ووعد بأن “يغير مسار البشرية”.
كان هذا البرنامج هو عبارة عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي، أو كما سميت لحظة إعلانها “حرب النجوم”.
لماذا كان هذا البرنامج هو خيار ريغان المفضل؟
المعروف أنه في ذلك التوقيت، كان الروس قد أضافوا إلى ترسانتهم النووية، أكثر من 500 صاروخ من طراز “أس أس 20″، مع عدة رؤوس مستقلة عن كل صاروخ، وبالنظر إلى ضعف صواريخ الأرض الأميركية إزاء استهداف السوفيات، ما كان أمام الرئيس ريغان إلا حلين مقبولين.
يقضي الحل الأول بنزع السلاح النووي، والحل الثاني يقضي بتطوير أسلحة دفاعية لتعطيل صواريخ روسيا طويلة المدى وهي في الجو.
ولأن ريغان كان يعلم أنه لا الأميركيين ولا القوات المسلحة الروسية سيقبلان الحل الأول، لذا جاء خياره الثاني، الذي كانت فكرته الرئيسة تدور حول نشر شبكة من الصواريخ والليزر في الفضاء الخارجي للولايات المتحدة الأميركية، تكون بمثابة مصيدة للصواريخ الروسية، حال تم إطلاقها تجاه الولايات المتحدة.
مرة أخرى بدا نموذج ريغان، هو الطرح المفضل للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ولهذا بحث عن مشروع ريغان لعسكرة الفضاء وأخرجه من أدراجه، وعاد به من زمن النسيان، غير أن الفارق هذه المرة، هو أطر السرية التي تغلف بها واشنطن برامجها العسكرية الفضائية.
اليوم، يتساءل الجمهوريون من جديد، وخلال بحثهم عن ذلك النسق الريغاني: هل مواجهة القيصر بوتين، تقتضي عسكرة محدثة تتجاوز برنامج حرب الكواكب لريغان؟
المؤكد أن هناك ما يقض مضاجع الأميركيين، من صواريخ روسيا الجهنمية، من نوعية “سارامات”، القادر على حمل 10 رؤوس نووية دفعة واحدة، ناهيك ببقية الصواريخ الفرط صوتية، ومن غير أن نغفل حديث الغواصات غير المأهولة ببشر، من عينة بوسيدون الفتاكة، القادرة على إحداث تسونامي يكفي لإغراق وربما إحراق مدن أميركية كبرى، من حجم نيويورك على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي.
يكتب الصحافي الأميركي المعروف “لو كانون”، عبر كتابه المميز “رونالد ريغان حياة في السياسة”، يقول، “إن السياسة المحافظة لريغان دفعته إلى محاربة كل الأنظمة الشيوعية في العالم وحماية كل الأنظمة المعادية للشيوعية حتى ولو كانت ديكتاتورية لا تحترم حقوق الإنسان بأي شكل من الأشكال، وهذا ما أخذته عليه كثيراً الجهات التقدمية داخل أميركا وخارجها”.
كان العداء للشيوعية قد غشى أعين ريغان، ولذلك ارتبط بعلاقات وثيقة مع كل القادة المحافظين في العالم، وبخاصة رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر.
قبل عقد من وصول ريغان لسدة البيت الأبيض، كان ثعلب السياسة الأميركية، وبطريركها المعاصر، هنري كيسنجر، قد نجح في وضع العصا بين دواليب العلاقات السوفياتية الصينية، من خلال سياسة لعبة “البينغ بونغ”، تلك التي أدت تالياً إلى انفراجه مع الصين، جعلت الروس شبه منبوذين في شرق آسيا، الأمر الذي مكن واشنطن من حصار والضغط على موسكو، وصولاً إلى زمن “الغلاسنوست” و”البريسترويكا”، في عهد ميخائيل غورباتشوف.
اليوم ربما لن ينجح نموذج ريغان جديد، في التعاطي مع روسيا بذات العقلية التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن الـ20.
يفوت السيناتور “جون كورنين”، أن هناك حلفاً جديداً، يمكننا تسميته “الحلف الصيروسي”، الذي يعكس ترابطاً وتعاضداً ما بين موسكو وبكين، وعلى هذا الأساس فإن ريغان جديداً، لن يواجه روسيا المنهارة اقتصادياً فقط، ولا الصين الضعيفة عسكرياً في مواجهة واشنطن فحسب.
نجحت واشنطن في إبطال مفاعيل الحلف الأوراسي، ذاك الذي حلم به شارل ديغول، الذي رآه يتجلى في علاقة عضوية بين القارتين الأوروبية والآسيوية، من المحيط الأطلسي غرباً، إلى جبال الأورال شرقاً.
لكن واشنطن اليوم، وحتى لو ظهر ريغان جديد، غالب الظن لن تكون قادرة على دق إسفين بين روسيا والصين، ولا تهديدهما معاً.
واشنطن حتى وإن وجد الجمهوريون فيها اليوم، نموذجاً ريغانياً جديداً، أمام تحد لم يكن قائماً في ثمانينيات القرن الماضي في زمن النجم السينمائي الذي تحول إلى سياسي بارع، أي ريغان.
أميركا تجد ذاتها أمام استحقاق ثنائي مثير وخطر، قوامه سبيكة واضحة من الإمكانات العسكرية لدى الروس، وقوة اقتصادية لدى الصينيين، تلك السبيكة قادرة على تغيير العالم المريح لواشنطن بشكل حاسم ليصبح غير ذلك.
أدرك الصينيون والروس، الفكرة التقليدية التي تقول: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ولهذا ينشأ الحلف الصيروسي الجديد، حتى وإن كان حلفاً براغماتياً، قائماً على مصلحة بعينها.
ليس من مصلحة بكين أن تنكسر روسيا، إذ ستجد ذاتها بمفردها في الميدان في مواجهة العم سام، وربما تتعرض لنوع من الحصار البحري، يقطع عليها حلم إعادة ضم تايوان، أو يقحمها في مواجهة عسكرية أميركية، لم يحن موعدها، فلا تزال الصين ساعية في طريق بناء قواتها المسلحة، وتضع سياقاً زمنياً يمتد إلى 2030 وساعتها ستكون نداً وأكثر للعسكرية الأميركية.
وفي السياق ذاته، تجد موسكو في الحضور الاقتصادي الصيني والسوق الصينية مفراً ومهرباً، من المصير الاقتصادي المؤلم الذي تعرض له الاتحاد السوفياتي.
عطفاً على ذلك، فإن سياقات زمن ريغان، لم تكن تعرف طريقاً إلى التجمعات الاقتصادية الكبرى، من نوعية شنغهاي وبريكس ثم بريكس بلس عما قريب، الأمر الذي يعزز من مكانة روسيا عسكرياً والصين اقتصادياً.
في الوقت ذاته، لا يمكن لريغان الجديد أن يراهن على أوروبا القديمة التي كانت حاضرة ذات يوم في صورة مارغريت ثاتشر وفرانسوا ميتران، وغيرهما من الرموز الأوروبية المحافظة.
أوروبا اليوم مشغولة بحرائق سياسية، وأخرى اقتصادية، ناهيك بالحرائق الفعلية المشتعلة في الجوار الفرنسي، والمرشحة لأن تمتد بعيداً إلى عدد آخر من دول أوروبا، وكأنه “الربيع الأوروبي” الذي يشابه ما تم تصديره للعالم العربي قبل عقد من الزمان؟
هل من خلاصة؟
المؤكد أن الزمن لا يعيد نفسه، وأن ريغان أميركياً جديداً، بذات العقلية الكاوبوية القديمة لن يفلح في استنقاذ الولايات المتحدة من مصير إمبراطوريات منفلتة سابقة.
اندبندت عربي