مرحلة خطرة: هل ينجح الاقتصاد الإيراني في التماسك بعد تمديد المفاوضات النووية؟

مرحلة خطرة: هل ينجح الاقتصاد الإيراني في التماسك بعد تمديد المفاوضات النووية؟

يطرح تمديد المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة “5+1” حتى 30 يونيو 2015، تساؤلات عديدة حول مدى قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود مجددًا أمام العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على إيران، التي حاولت خلال السنوات الماضية تقليص تداعياتها عبر اتخاذ تدابير متعددة، مثل إصلاح نظام الدعم، وتنويع القاعدة الإنتاجية، فضلا عن تعزيز التعاون مع بعض القوى الاقتصادية العالمية مثل روسيا والصين. بيد أنه في ظل بيئة اقتصادية إقليمية وعالمية مضطربة، لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وفرض عقوبات أمريكية وأوروبية على روسيا على خلفية موقفها من الأزمة الأوكرانية، يُمكن القول إن النظام الاقتصادي الإيراني يواجه تحديات ليست هينة، وتتوقف بالتالي درجة تماسكه على النجاح في تنويع القاعدة الإنتاجية للبلاد، واستمرار الدعم الصيني والروسي لإيران.

تحسن بطيء:

عقب توقيع اتفاق جنيف المرحلي في 24 نوفمبر 2013، ظهرت توقعات إيجابية بشأن الاقتصاد الإيراني، لا سيما أن بعض بنود الاتفاق تنص على إلغاء حظر تصدير البتروكيماويات والذهب والمعادن الثمينة، والسماح باستئناف تعاملات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع صناعة السيارات مع إيران، فضلا عن الإفراج عن 4.2 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج، وهو ما تحقق بالفعل، فبعد أن سجل الاقتصاد الإيراني نموًّا سلبيًّا قدره 5.8% في العام المالي 2012/2013 (يبدأ العام المالي الإيراني من 21 مارس إلى 20 مارس التالي)، بفعل تراجع الصادرات النفطية، تقلص إلى -1.7% في عام 2013/2014، ومن المتوقع أن يتحول النمو السلبي، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، إلى نمو إيجابي بنحو 1.5% خلال عام 2014/2015.

ويأتي هذا التحسن النسبي جراء زيادة الصادرات النفطية، فقد بلغ متوسط صادرات إيران من النفط نحو 1.4 مليون برميل يوميًّا خلال الفترة من يناير حتى مايو 2014، بزيادة 300 ألف برميل عن المتوسط السنوي لعام 2013، وذلك بحسب ما تُشير إليه بيانات وكالة الطاقة الدولية. ورغم ذلك تبقى المستويات السابقة دون إحصاءات عام 2011، والتي سجلت فيها الصادرات نحو 2.5 مليون برميل يوميًّا.

الصادرات الإيرانية من النفط (مليون برميل يوميًّا)

ويقابل هذه المؤشرات الإيجابية إلى حد ما، بعض التطورات الاقتصادية الأخرى التي تبرز الإشكاليات التي سببتها العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. إذ تعاني إيران من ركود تضخمي جراء رفع الدعم عن الطاقة منذ عام 2010، بالإضافة إلى العقوبات الغربية على الصادرات النفطية؛ حيث ارتفعت معدلات التضخم من 12.4% في عام 2010/2011، بحسب البنك المركزي الإيراني، إلى 30.5% في العام المالي 2012/2013، ثم إلى 35.2% في عام 2013/2014. وفي ظل تشديد العقوبات الغربية تهاوت قيمة الريال الإيراني بنحو 147.4% منذ نوفمبر2011 وحتى نوفمبر 2014، حسب بعض التقديرات، لتعكس انهيارًا كبيرًا في قيمة العملة وتدهور الأداء الاقتصادي على مدار السنوات الماضية، الذي يفرض تداعيات مباشرة في النهاية على المستوى المعيشي للمواطنين.

تهديدات جديدة:

واللافت في هذا السياق هو أن ثمة تطورات عديدة طرأت على الساحة الدولية باتت تؤثر بدورها على الاقتصاد الإيراني، ويتمثل أهمها في:

1-هبوط أسعار النفط: مع زيادة المعروض من النفط التقليدي، وطفرة المعروض من النفط الصخري، في مقابل انخفاض الطلب العالمي؛ تهاوت الأسعار العالمية للنفط، وهبط سعر برميل سلة أوبك من نحو 107.89 دولار في يوليو 2014، إلى 100.75 دولار في أغسطس 2014، ثم إلى 85.06 دولارًا في أكتوبر، قبل أن يبلغ 70.80 دولارًا بنهاية نوفمبر. وحيث يعتمد الاقتصاد الإيراني في 60% من صادراته على النفط، كما أنه غطى ما نسبته 55% من إيرادات الموازنة لعام 2013/2014، فإن انخفاض أسعار النفط المقدر بنحو 34% سيفقد الموازنة الإيرانية إيرادات كبيرة، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يستمر انخفاض الأسعار بدرجة أكبر في 2015، مما يعمق حجم الخسائر الاقتصادية التي سيتحملها الاقتصاد الإيراني.

2-العقوبات الاقتصادية على روسيا: جاء فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا منذ مارس 2014 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ليفرض آثارًا سلبية على أداء الاقتصاد الروسي، فقد انخفضت قيمة العملة الروسية، وخرجت نسبة من الاستثمارات الأجنبية من البلاد، وربما يعطل استمرار تدهور أداء الاقتصاد الروسي إحراز تقدم في الدعم الروسي للاقتصاد الإيراني، لا سيما أن البلدين قد بدآ مفاوضات في يناير 2014 لإبرام اتفاقية لمبادلة النفط الإيراني بالسلع الروسية، والتي أشارت بعض التقديرات إلى أن قيمتها ستتراوح ما بين 15 إلى 20 مليار دولار.

3-استمرار فرض العقوبات على قطاع النفط: رغم قيام الاتحاد الأوروبي بتمديد رفع العقوبات جزئيًّا عن إيران، فإن فرص تحسن الاقتصاد الإيراني تظل غير مضمونة في ظل عدم اقتراب القطاع الرئيسي في البلاد، وهو النفط، من طاقته الإنتاجية المثلى، كنتيجة لنقص الاستثمارات في القطاع جراء حظر الشركات النفطية العالمية التعامل مع إيران، كما أن سلسلة العقوبات التي تقيد القطاع المالي وبعض الصناعات مثل الصلب تحد من قدرة الاقتصاد على العودة سريعًا. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أصدر قرارًا في فبراير 2014 بمعاقبة الشركات التي ستخرق قوانين العقوبات على إيران، عقب زيارة وفد فرنسي من رجال الأعمال لبحث الفرص الاستثمارية في السوق الإيرانية بعد توقيع اتفاق جنيف.

محاولات الالتفاف:

من أجل تقليص حدة التداعيات الاقتصادية للعقوبات، اتخذت إيران بعض التدابير للالتفاف عليها، وذلك على النحو التالي:

1-تنويع الأنشطة الاقتصادية: تبحث السلطات الإيرانية إيجاد بديل للنفط، عن طريق تنمية بعض الصناعات الأخرى لزيادة صادرات المنتجات غير النفطية، كالمعادن والأسمنت والأسمدة والسلع الزراعية والصناعية الأساسية الأخرى، وفي إطار استراتيجية التنويع الاقتصادي، تم تدشين مصنع زرشوران للذهب في شمال غربي إيران في نوفمبر 2014، وتبلغ طاقته الإنتاجية 2.5 مليون طن، وتتوقع بعض التقديرات أن يتضاعف إنتاجه مستقبلا إلى 6 ملايين طن. كما وقعت الشركة الصينية “إم سي سي” والشركة الوطنية الإيرانية للفولاذ اتفاقًا بقيمة 345 مليون دولار لتمويل بناء مصنع للصلب في إيران في مايو 2014.

2-تخفيف الضغوط على الميزانية: أطلقت الحكومة الإيرانية منذ عام 2010 برنامجًا يستهدف خفض دعم الوقود والغذاء، واستبداله بنظام التحويلات النقدية الذي يستهدف الأسر مباشرة، وتقديم المساعدة للشركات والحكومة للتكيف مع تكلفة الطاقة العالية. وبينما انتهت المرحلة الأولى من الإصلاح، أجرت الحكومة ضمن المرحلة الثانية للبرنامج تعديلا آخر على أسعار البنزين في أبريل 2014، من خلال رفع أسعاره بنحو 75%. ولتعويض انخفاض أسعار النفط، أعلن وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنجنه اعتزام الحكومة أيضًا تبني سياسة تقشفية للعام المالي المقبل، وزيادة الحصيلة الضريبية عبر زيادة ضرائب العوائد.

3-احتياطات الدولة: يُمكن للسطات الإيرانية استغلال أرصدة الصندوق الوطني للتنمية (الصندوق السيادي للدولة) الذي بلغت أصوله بنهاية أكتوبر 2014 نحو 62 مليار دولار، بحسب معهد صناديق الثروة السيادية العالمية، وفي هذا السياق، صرح وزير النفط نامدار زنجنه أن الحكومة ستتوسع في استخدام أرصدة الصندوق الوطني للتنمية لتسديد الأموال الواجبة للشركات العاملة في مشاريع التنمية والتنقيب، وأيضًا التعويض عن تأثر هذه المشاريع بتراجع العائدات النفطية.

4-التعاون مع الحلفاء الدوليين: اتجهت إيران لتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية مع كل من الصين وروسيا، حيث تربطهم بالفعل علاقات تجارية واقتصادية يدعمها توافق سياسي حول العديد من القضايا الإقليمية. إذ تعد الصين من الشركاء التجاريين الرئيسيين لإيران، حيث بلغت صادرات إيران النفطية للصين نحو 429 ألف برميل يوميًّا في عام 2013 (نحو 39% من صادرات إيران النفطية)، وارتفعت خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري إلى 617.670 ألف برميل يوميًّا. ولا يقتصر التعاون بين البلدين على القطاع النفطي، بل يمتد لدعم العديد من المشروعات التنموية والبنية التحتية في إيران، ويأتي هذا في إطار اتفاقية وقعها الطرفان في مايو 2011 بقمية 20 مليار دولار لتعزيز التعاون على صعيد القطاع الصناعي والتعديني. ومن المتوقع في ضوء التقارب الاقتصادي أن يتضاعف حجم التبادل التجاري المقدر في عام 2013 بنحو 40 مليار دولار إلى 200 مليار دولار في السنوات المقبلة، بحسب المسئولين الإيرانيين.

كما بدأت المفاوضات الروسية- الإيرانية في يناير 2014 بخصوص إبرام اتفاقية لشراء روسيا 500 ألف برميل نفط يوميًّا من إيران مقابل بيع بعض السلع والخدمات، حيث يمكن أن يساعد هذا الاتفاق، حال نجاحه، إيران في التغلب، بشكل جزئي، على الحظر المفروض على صادراتها.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الاقتصاد الإيراني أصبح يواجه تحديات ليست هينة، لا سيما مع استمرار انخفاض أسعار النفط، ومن هنا يبقى تماسك الاقتصاد في ظل استمرار العقوبات الدولية رهن عاملين رئيسيين: ينصرف أولهما إلى قدرة الحكومة على تبني سياسات قوية للتنويع الاقتصادي بهدف تعويض خسائر الاقتصاد من الإيرادات النفطية. فيما يتمثل ثانيهما في استمرار الدعم الاقتصادي الكبير الموجه من القوى الدولية مثل الصين وروسيا لإيران، والذي يمثل الجانب الآخر الذي يعوض العزلة الاقتصادية الدولية لإيران، والذي يمكن أن تفقد بدونه كثيرًا من تماسكها.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

http://goo.gl/xdJrnG