قاسم سليماني: هل يمكن لهذا الرجل أن يكون سببا في سقوط تنظيم الدولة الإسلامية؟

قاسم سليماني: هل يمكن لهذا الرجل أن يكون سببا في سقوط تنظيم الدولة الإسلامية؟

لأكثر من عِقدٍ من الزمان، القائد العسكري والمُنظّر الإيراني كان له تأثير هائل بسبب دعمه للمقاتلين الشيعة. والآن بزوغ الدولة الإسلامية هو التحدي الأكبر بالنسبة له.

لم يعتد قاسم سليماني الهزيمة. لذلك، عندما فرّ الجيش العراقي في مواجهة الجماعة السنية المتمردة، الدولة الإسلامية (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، في يونيو، كان الجنرال الإيراني يقف على أرضية غير مألوفة.وفي 48 ساعة مصيرية من 10 يونيو، استسلمت ست فرق من القوات العراقية، واستسلم كل من الموصل ثاني أكبر مدينة في البلاد، وتكريت مسقط رأس صدام حسين، وتقريبًا هزيمة كركوك.

وفي الحالات العملية، مثل هذه الكارثة يكون من الأفضل التعامل معها بواسطة الجنرالات المحليين أو القادة السياسيين. ولكن في أكثر من عشر سنوات من الحرب والاحتلال والتمرد، تولّى الجنرالات الأجانب مقاليد السلطة في العراق.ساد خلالها في بعض الأوقات المسؤولون العسكريون الأمريكيون، ولكن لم يكن أبدًا بنفس المستوى الهائل الذي تمتع به الإيرانيون الذين كانوا يصنعون كبار القادة خلال هذه الفترة وكانوا على بُعد خطوة من الصدارة مرة أخرى.

في غضون ساعات من سقوط الموصل في أيدي الدولة الإسلامية في العراق والشام، وصل سليماني إلى بغداد حيث قبع في إقامة شبه دائمة هناك، في منزل عضو بارز من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي.ومن هناك، قام بالتنسيق للدفاع عن بغداد، وحشْد الميليشيات الشيعية واحتشد له العديد من الوكلاء في المجلس التشريعي الوطني، وقام أيضًا بالسفر إلى الشمال لإعداد الأكراد عندما كانت أربيل مهددة من جانب الدولة الإسلامية في العراق والشام في أغسطس،وقام بتطويع الجنود والطيارين الإيرانيين الذين انتشروا في العراق في غضون ساعات من صولة الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وقد كان سليماني يُشاد به في أنحاء العراق خاصة في البلدان الشيعية باعتباره الرجل الوحيد الذي يمكن أن يوقف الدولة الإسلامية في العراق والشام. وعلى الصعيد الإيراني أيضًا حيث يتزايد الشعور بتهديد هذا التمرد الملتهب في الجوار تمامًا، تزايد أيضًا الشعور بتعليق الكثير من الآمال على سليماني لتغيير مجريات الأمور.وبصفته قائدًا لأكثر الوحدات نخبوية في الجيش الإيراني وهي فرقة القدس من الحرس الثوري الإيراني،لم يكن هناك أي شك فيمكانة سليماني في إيران.وقد كان مفوّضًا لأكثر من عِقد لتصدير قيم الثورة الإسلامية 1979 وللدفاع عن مصالحها في أي مكان.

وكانت أساليبه تعتمد على مزيج من التدخل العسكري من خلاء وكلاء أيديولوجيين والاستراتيجيات الدبلوماسية الصارمة. وقد امتد تأثيره من اليمن حيث يقاتل المتمردون الشيعة النظام السني إلى الشرق ولبنان، حيث يوجد حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل وهو على قمة جدول أعمال فيلق القدس.

وعلى جميع الأصعدة، يمتلك سليماني سجلًا حافلًا بالمكاسب، فعندما كانت القوات الأمريكية في العراق تسببت الميليشيات التي دعمها سليماني وسلحها في 25% من الخسائر الكلية للمعركة الأمريكية، طبقًا لإحصائيات الولايات المتحدة.

وفي سوريا، قام منذ بدايات 2012 بتوجيه صحوة للنظام السوري ضد جماعات المعارضة، وهناك، كما حدث في العراق، تم استدعاء عدد كبير من الميليشيات الموجّهة طائفيًا من شتات الشيعة للقتال بجوار قوات بشار الأسد المحاصرة. وفي اليمن، حيث التمرد الحوثي الشيعي لديه دولة ضعيفة وهي بالجوار -وهذا هو الأهم بالنسبة لإيران- السعودي حيث القلق المتصاعد.ومع الأقلية الشيعية المضطربة تلقائيًا،  تخشى الرياض كثيرًا ما تراه تهديدًا يشكله الحوثيون المدعومون من قِبل سليماني على حدودها الشرقية.

ويتركز شيعة المملكة العربية السعودية بشكل رئيس في شرق البلاد، وتعتقد الرياض أن التمرد هو حيلة إيرانية لزعزعة آل سعود في نهاية المطاف في ساحتها الخلفية.الحوثيون في صعودٍ دائم، وفي نفس الوقت نجح نظام بشار الأسد -بتوجيه من سليماني- في تمزيق المعارضة التي يسيطر عليها السنة، وعلاوة على ذلك، يستمر حزب الله في ترسيخ قدميه كأقوى لاعب عسكري وسياسي في لبنان.

الاستقرار النسبي في سوريا -خاصة في العاصمة دمشق ومعقل العلويين الممتد من الشمال الغربي الى الساحل- أعطى لسليماني الفرصة للتركيز في العراق ساحة المعركة التي يعرفها أكثر من غيرها، حيث الطموحات عالية المخاطر لفيلق القدس ورجال الدين المتشددين في إيران تقرر الآن سحق أي خصم خارجي عنيد.

“لقد كان في جميع أنحاء المدينة منذ يونيو”، قال مشرّع عراقي كبير، والذي كان يجتمع بسليماني مرتين شهريًا منذ أن استولت الدولة الاسلامية في العراق والشام على الموصل.“وهو مسؤول تمامًا عن تنظيم الدفاع عن العاصمة. ومعه الميليشيات الشيعية؛ عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وكتائب بدر جميعها تتبع تعليماته بالحرف الواحد”.“

هذا أمر أيديولوجي بالنسبة لسليماني وآية الله علي الخميني (الذي تُرفع إليه التقارير مباشرة). هذه ليست معركة من أجل مستقبل العراق، هذه حرب من أجل المذهب الشيعي، ومن بين جميع الصراعات التي حدثت في آخر عشر سنين، هذه المعركة هي الأكثر إزعاجًا لسليماني، إنها اختبارٌ له”.

ربما تفسر المخاطر العالية جزئيًا لماذا حاز الجنرال صاحب الـ 57 عامًا مكانة أعلى بكثير في الشهور الأخيرة من أي وقت مضى. وقد تم التقاط صور له بانتظام في الخطوط الأمامية شمال بغداد، وفي اجتماعات في العاصمة، وفي مدينة تركمان الشيعية في أمرلي وسط بغداد وهي المحاصرة بواسطة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حتى استردتها الميليشيات التي يقودها سليماني والأكراد والجيش العراقي في أغسطس.

تلا ذلك، واحدة من أكثر المفارقات استثنائية في عصر ما بعد صدام، عندما سقطت أمرلي في أيدي رجال سليماني تحت الغطاء الجوي للقوات الجوية الأمريكية والتي هاجمت مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قبل وأثناء الهجوم البري.وبعد المعركة، التُقطت صورة لسليماني مع الميليشيات يرقصون رقصة النصر على الرمال وقد بدا مستمتعًا بمفارقة التحالف مع العدو اللدود،منذ ذلك الحين وفي اجتماعاته في بغداد قلل من مطالباته من التعاون المباشر المشترك بين طهران وواشنطن في قتال العدو المشترك.

“إنه يقول ستظل أمريكا هي العدو، وربما تدعم على أية حال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، قالت شخصية بارزة، والتي كانت جزءًا من عدة اجتماعات عُقدت مع القادة العراقيين.“إنه ليس مقتنعًا تمامًا بذلك، إنه يعلم كما نعلم نحن من أين جاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولكن من الأنسب له الآن أن يتمسك بالسردية التاريخية كونهم المخططين لكل ما هو خاطئ”.

وفي حين أظهر سليماني نظرة واقعية في التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، هؤلاء الذين يعرفونه جيدًا يقولون إنه يظل في أعماقه مُنظّرًا، ورجل مقتنع بأنه يقدم مصالح المذهب الشيعي الإسلامي وفقًا لمبادئ الثورة الإيرانية الإسلامية.

ومن بين مفاتيح اتصاله الرئيسة الكثيرة في بغداد، أحمد الجلبي الحليف السابق للولايات المتحدة وقائد دعوة الغزو للإطاحة بصدام، وعلى الرغم من كونه علمانيًا؛ إلا أن الجلبي هو بطل القضايا الشيعية من البحرين إلى سوريا وحزب الله.إذ يستمع سليماني إلى رأيه في القضايا المختلفة على نطاق واسع، ولكن وجهات نظره العلمانية لعبت دورًا ضده في المساومات السياسية خلال الصيف في أن يحل محل نور المالكي رئيسًا للوزراء.

“أنا لا يمكن أن أثق تمامًا في الجلبي، إنه ليبرالي”، قال سليماني لقيادي بارز في جبهة سياسية عند محاولة لتشكيل الحكومة. “لقد صدمت”، أخبر المراقبَ القائدُ قائلًا: “بقدر ما أعرف، هناك أناس قليلون جدًا  قدموا الكثير لسليماني، وهنا يتم وضع خط أسفله لأنه لا يصلي”.

مع احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ثلث العراق، وقسم مماثل في سوريا وإيران في الوقت الراهن، ليس لديهم خيار سوى العمل مع القوات الغربية والعربية في محاولة للنيل من الجماعة الإرهابية.سليماني يعلم جيدًا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قد نجحت في استغلال السخط الواسع بين السنة في مركز المنطقة،

في ظل الكيان الشيعي الذي اصطف ضدهم منذ سقوط صدام، والذي تركهم مضطهدين في سوريا من النظام العلوي الشيعي، وفي لبنان حيث يحكم حزب الله.وفي ظل هذا الفيضان، فهناك خطر استراتيجي واضح لمكاسب سليماني على مدى عقد من الزمان أو أكثر، وإذا ما تركه فإنه يمكن ان يتحرك نحو تهديد الوجود الشيعي في المنطقة الذي على الرغم من قوته الآن وسط المنطقة؛ إلا أنه لا يزال أقلية في العالمين العربي والإسلامي.

بعد مسيرة حافلة، كلها تعتبر على المحك الآن بالنسبة لسليماني، ففي سوريا على الرغم من رجحان جانب الأسد؛ إلا أن الأمر لم يحسم بعد ولا يمكن أن يكون طالما أن تنظيم الدولة الإسلامية  يسيطر على 800 ميل مع حدودها مع العراق. وفي داخل العراق، فإن الانتصارات التكتيكية التي حققتها الميليشيات والقوات النظامية لم تفعل شيئًا لتغيير الواقع القائل بأن الجيش العراقي لا يمكنه أن يتقدم ويسيطر على الأرض بدون الكثير من المساعدة.

الرجل الذي حرك معظم القطع على رقعة الشطرنج الإقليمية منذ عام 2003، يجد نفسه الآن في مواجهة خصمه الأكثر شراسة. “هل يتمكن من استقرار الأمور”، سأل نائب الرئيس العراقي مؤخرًا: “إذا كان يستطيع فإنه سوف يحتاج إلى مساعدة أناس يبغضهم. وهذه آخر فرصة للعراق، إنها حقًا كذلك، وهذا أكبر اختبار سنواجهه أكثر من أي وقت مضى”.

الجارديان – التقرير

http://goo.gl/vZzppm