تشارك تونس بوفد يضم محافظ البنك المركزي ووزير الاقتصاد في الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد والبنك الدولي وسط أمال في إمكانية تحقيق اختراق في المفاوضات مع المؤسستين يعيد إحياء الاتفاق المتعثر.
تونس – تمثل اجتماعات الربيع لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين التي انطلقت أشغالها الاثنين فرصة لتونس، لإمكانية التوصل إلى توافق جديد بشأن حزمة الإنقاذ التي تعثر تنفيذها نهاية العام الماضي على خلفية ما تعتبره البلاد شروطا غير مقبولة.
ويشارك في هذه الاجتماعات وفد تونسي مؤلف من محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزير الاقتصاد سمير سعيد، فيما تغيب عنه وزيرة المالية، الأمر الذي اعتبره البعض نقطة سلبية.
وسيعمل الوفد التونسي على عقد لقاءات مع عدد من مسؤولي المانحين الدوليين للتوصل إلى حل وسط من شأنه أن ينعش اقتصاد البلاد المتدهور، دون المجازفة بإثارة ردود فعل شعبية.
وكانت الحكومة التونسية توصلت في أكتوبر الماضي إلى اتفاق أولي مع الصندوق بشأن حزمة إنقاذ تقدر بـ1.9 مليار دولار، شريطة التزام تونس بجملة من الإصلاحات من بينها رفع الدعم عن المواد الأساسية، والقيام بإصلاحات هيكلية للمؤسسات العمومية.
لكن هذا الاتفاق تعثر على خلفية رفض الفعاليات الاجتماعية في تونس للاتفاق، وأيضا وجود احترازات للرئيس قيس سعيد، التي عبر عنها بشكل واضح خلال إحياء الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة الرئيس الحبيب بورقيبة.
وقال سعيد في رد على سؤال حول موقفه من اتفاق صندوق النقد الدولي، إن تونس، التي لديها الكثير من الإمكانيات لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، لن تقبل في اختياراتها بأيّ إملاءات من الخارج، والتي لم تأت إلاّ بالوبال والمزيد من التفقير.
واعتبر سعيد أن شروط صندوق النقد الدولي لاسيما في علاقة برفع الدعم، تنطوي على تهديد للسلم الأهلي، مذكرا بانتفاضة الخبز في ثمانينات القرن الماضي حينما شهدت البلاد احتجاجات شعبية واسعة على خلفية قرار السلطات رفع الدعم عن الحبوب.
ويرى مراقبون أن مشاركة الوفد التونسي في اجتماعات الصندوقين ستشكل فرصة كبيرة لمحاولة إقناع المانحين بضرورة التخفيف من الشروط المفروضة، والأخذ بالاعتبار الوضع الصعب الذي تمر به البلاد.
ويلفت المراقبون إلى أن الرئيس قيس سعيد حينما تحدث عن الصندوق لم يعلن رفضه التعامل مع هذه المؤسسة المالية الدولية، لكنه أشار إلى تحفظات عن عدد من الشروط التي من المنتظر أن يوضحها الوفد التونسي لمسؤولي الصندوق، خلال اللقاءات المزمع عقدها.
وقال الخبير المالي محمد صالح الجنّادي “يمكن الوصول إلى حلّ إذا تمت جدولة خلاص المديونية”، لافتا إلى أن “صندوق النقد الدولي يطالب بإصلاحات هيكلية على مستوى الميزانية، وبالتفويت في المؤسسات العمومية وهو أمر مرفوض”.
وأكّد الجنادي في تصريحات لـ”العرب” أن “المفاوضات سياسية واقتصادية، ويمكن أن يجري صلح مع الصندوق، الذي من الأرجح أن يغيّر من موقفه”. واعتبر أنه من “الأفضل لتونس ألاّ يكون هناك اختلاف مع صندوق النقد نظرا لأنه مؤسسة تجارية وسياسية، ولكن يمكن تغيير صيغة الخطّة وتقليص الشروط”.
ورأى الجنّادي أن “التعويل على الذات ممكن إذا ما فشلت المفاوضات، ولكن فيه مجازفة ويتطلب حلولا فعّالة”، مطالبا الرئيس التونسي بـ” تشكيل لجنة تخطيط وحوكمة تتحمل مسؤولية نتائج التفاوض”.
وهناك انقسام في تونس حيال التعامل مع صندوق النقد الدولي وفيما يدعو البعض إلى رفض التعاون مع المؤسسة، بالنظر إلى الشروط التي يصفونها بـ”المجحفة” ويحثون على التوجه شرقا بتعزيز العلاقات مع الصين وأيضا روسيا، يرى آخرون أن تونس لا تملك ترف الخيار وأنها في حاجة إلى توقيع الاتفاق لوقف حالة الانهيار الاقتصادي.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “تونس من بين الأعضاء في صندوق النقد الدولي منذ تأسيسه، ومن المنطقي أن تشارك في مثل هذه الجلسات، لكن هناك شروط يريد أن يمليها الصندوق منها تقليص كتلة الرواتب ورفع الدعم والتفريط في عدد من المؤسسات العمومية للقطاع الخاص”. وقال لـ”العرب” إن “الصندوق ليس حلاّ للأزمة المالية في تونس، ولكنه يمثل حلاّ على مستوى المانحين الدوليين، باعتبار أن لدينا نقصا بـ15 مليار دينار (4.92 مليار دولار)، كما أن المؤسسات الدولية المانحة ستتّبع خطوات الصندوق، وبالتالي هو ضمانة لذلك، وما على تونس إلاّ أن تحسّن من شروط التفاوض معه في ظل الضغط الأوروبي والأميركي عليها من أجل العودة إلى الحوار، فضلا عن التقارب مع الجزائر والبريكس والموقف الشعبي الذي عبّر عنه الرئيس قيس سعيّد”.
وأضاف الرابحي “هناك خطوط حمراء والصندوق عليه أن يتعامل مع تونس كملف اقتصادي واجتماعي، لكن المفاوضات تتخذ حاليا طابعا سياسيا”.
وبخصوص الخيارات الممكنة إذا ما لم يتم التوصّل إلى توافقات مع الصندوق، أوضح الرابحي أنه “لدينا تعاون إستراتيجي وعسكري مع أميركا، ولا أعتقد أنه سيتم رفض الملف بهذه السهولة، لأن واشنطن لا تريد أن تنهار تونس اقتصاديا واجتماعيا وبالتالي لن يكون هناك فشل للمفاوضات”.
وأردف “لدينا خيارات الصلح الجزائي (أكثر من 5 مليارات دولار)، وفق قوله، وأرفض الذهاب إلى صندوق النقد الدولي من أجل رهن الأجيال القادمة، ولكن إن اضطرت تونس لذلك، فعلينا أن نفاوض بشروطنا أو نعوّل على ذواتنا”.
وكان بعض النشطاء ومن بينهم المتحدث باسم “حركة 25 يوليو” التونسية الموالية للرئاسة، محمود بن مبروك، دعوا إلى التوجه شرقا والانضمام إلى مجموعة بريكس على خلفية تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وردا على هذه الدعوات أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج ون بين، الاثنين، أن بلاده ستتمسك بروح الانفتاح والشمولية في دول بريكس، وستعزز التعاون مع الدول النامية.
وقال الدبلوماسي الصيني “ستواصل الصين الحفاظ على روح الانفتاح والشمولية والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة لبريكس، والعمل مع شركاء بريكس لتعزيز التعاون مع الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى، والمساهمة بشكل مشترك في توسيع عضوية بريكس من خلال مناقشات شاملة وتوافق في الآراء”.
وجاءت تصريحات المسؤول الصيني في خضم تحذيرات أوروبية لاسيما من إيطاليا، التي تعد المتضرر رقم واحد على الضفة الأخرى من تدهور الوضع الاقتصادي في تونس، من أن عدم دعم تونس سيفتح المجال لروسيا والصين.
العرب