الخريطة السياسية للانتخابات التركية

الخريطة السياسية للانتخابات التركية

لم يبق على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا إلا شهر واحد، واكتملت الاصطفافات والتحالفات وقوائم المرشحين، وبدأت الأحزاب السياسية حملاتها الشعبية بشكل رسمي، فامتلأت الشوارع والساحات ببوسترات كبيرة تحمل رسائل جذابة للناخبين، مع غياب الطريقة التقليدية حيث كانت سيارات المرشحين تجوب الشوارع، في الحملات السابقة، وتطلق أغاني تم تأليفها خصيصاً من أجل المناسبة. وسبب ذلك هو جو الأسى المستمر في الفضاء العام بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي أدت إليها الزلازل منذ السادس من شهر شباط.
ومن المحتمل أن تكون للزلزال المدمر تداعيات سياسية كبيرة قد تحسم قرارات كثير من الناخبين في لحظة إدلائهم بأصواتهم منتصف الشهر القادم. لكنها لن تشكل العامل الوحيد الحاسم، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ومن أبرز وجوهها التضخم وارتفاع معدلات البطالة وتآكل القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة، ستلعب دوراً لا يقل أهمية بل ربما تفوق مشاعر الغضب التي سادت في الرأي العام بسبب التداعيات الإنسانية للزلزال. لذلك يركز خطاب كل من السلطة والمعارضة على هاتين المسألتين في حملاتهما الانتخابية.
ويتفق الطرفان أيضاً على الأهمية المصيرية للانتخابات القادمة، كل من زاوية نظره الخاصة المتعارضة على طول الخط مع زاوية النظر الطرف الآخر. فهي مصيرية بداهةً من وجهة نظر تحالف السلطة لأنها ستحسم موضوع بقائه في السلطة من خسارتها، لكنه لا يقدمه بالطبع بهذه الصراحة، بل بدعاوى تطابق فيها بين سلطته والدولة، بحيث يصور بقاء الدولة مرتبطاً ببقاء السلطة السياسية القائمة، وكأن تركيا ستضيع هباءً بين الدول إذا انتصرت المعارضة. ومن هذا الباب إنما يتم تصوير تحالف المعارضة على أنه «مرشح القوى الخارجية والإرهاب» والمقصود بالأولى الولايات المتحدة، وبالثاني حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن، على غرابة هذه الاتهامات.
أما من وجهة نظر المعارضة فتكمن مصيرية الانتخابات القادمة ليس فقط في فوزها أو خسارتها في الانتخابات، بل لأنها ستحدد مصير تركيا في أحد اتجاهين: إما وضع حد لما تعتبره تدهوراً عاماً في جميع المجالات، وأولها النظام السياسي القائم على جمع كل السلطات في يد شخص واحد، وما أدى إليه من تفاقم النزعة السلطوية وتراجع مبدأ الفصل بين السلطات، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وتراجع دور الإعلام وغير ذلك. وإما اكتساب تحالف السلطة لخمس سنوات إضافية يعزز فيها هذا المسار ويكمل التحول إلى نظام لا ديمقراطي، يقضم كل مكتسبات الحقبة الجمهورية.

يخوض الرئيس أردوغان الانتخابات الرئاسية كمرشح لحزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور معاً في مواجهة ثلاثة مرشحين آخرين هم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو مرشحاً موحداً لتحالف الأمة، ومحرم إينجة مرشحاً عن حزب البلد، وسنان أوغان مرشح عن تحالف يقوده حزب النصر

ويخوض الرئيس أردوغان الانتخابات الرئاسية كمرشح لحزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور معاً في مواجهة ثلاثة مرشحين آخرين هم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو مرشحاً موحداً لتحالف الأمة، ومحرم إينجة مرشحاً عن حزب البلد، وسنان أوغان مرشح عن تحالف يقوده حزب النصر. وقد نص الدستور الساري على وجوب حصول المرشح الرئاسي على نسبة خمسين في المئة زائد صوت واحد من أصوات الناخبين على الأقل ليفوز بالمنصب. وهو ما يصعّب من مهمة المرشحين الرئيسيين، أردوغان وكلجدار أوغلو، ويرفع من احتمال الاضطرار إلى جولة ثانية للانتخابات الرئاسية تعقد في 29 أيار. وذلك بافتراض المرشحَين الأخيرين، إينجة وأوغان، ستتم تصفيتهما في الجولة الأولى لأنهما لا يستندان إلى تحالفات واسعة.
يلاحظ من الأداء السياسي والإعلامي لكل من الفريقين أن تحالف السلطة أكثر قلقاً من احتمال الخسارة، لذلك فقد ضم، في الفترة القريبة الماضية أحزاباً جديدة إلى صفوفه على رغم أنها لا تتمتع بأوزان ذات شأن، الأول هو حزب «الرفاه مجدداً» بزعامة فاتح أربكان، نجل الزعيم التاريخي للتيار الإسلامي نجم الدين أربكان، وقد انشق عن حزب السعادة الإسلامي المعارض قبل سنوات قليلة، واجتذب بعضاً من عضويته المعارضة لتحالف «السعادة» مع حزب الشعب الجمهوري لأسباب أيديولوجية. والثاني هو حزب «خودا ـ بار» الذي يُنظر إليه باعتباره امتداداً لمنظمة إرهابية تدعى «حزب الله» نشطت في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية في التسعينيات، وارتكبت عدداً من الجرائم، فتم تفكيكها وحلها في مطلع الألفية، وأسس من بقي من كوادرها جمعية إسلامية تحولت لاحقاً إلى حزب سياسي. ويطمع تحالف السلطة من خلال هذا الحزب لكسب أصوات ناخبين كرد محافظين ممن يخاصمون حزب الشعوب الديمقراطي، الممثل الأبرز لكرد البلاد، وذلك بعد انحسار شعبية حزب العدالة والتنمية في البيئة الاجتماعية الكردية بالقياس لسنوات صعود نجمه. وفي اللحظة الأخيرة أعلن «حزب اليسار الديمقراطي» أنه لن يشارك في الانتخابات العامة المقبلة، ليدعم تحالف السلطة، مقابل ترشيح رئيس الحزب أوندار آكسكال للمجلس النيابي على قوائم «العدالة والتنمية». كان إعلاناً مفاجئاً لأن هذا الحزب الذي كان قد أسسه في التسعينيات الزعيم الكارزمي للتيار العلماني بولند أجاويد كان إلى حينه حزباً يسارياً معارضاً للتيارين الإسلامي والقومي، أما آكسكال نفسه فيعود تاريخه السياسي إلى منظمة «ديف سول» (اليسار الثوري) في السبعينيات وسُجن خمس سنوات بسبب انتمائه إليها.
إلى ذلك قد يشير الإقبال على الترشح على قوائم تحالف المعارضة مقابل ضعف الإقبال على الترشح على قوائم تحالف السلطة إلى أن احتمال التغيير يبدو أقوى في وعي الراغبين لدخول الحياة السياسية.
أما تحالف المعارضة فيبدو أكثر ثقة بالفوز بالقياس إلى التحالف الحاكم، لأنه من جهة أولى يخاطب حساسيات اجتماعية وأيديولوجية متنوعة (علمانية، قومية، إسلامية) كما تمكن من الفوز بدعم التحالف الثالث الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لصالح كلجدار أوغلو، ومن جهة أخرى يرى أن الأزمة الاقتصادية وأداء الحكومة في مواجهة الزلزال سيتكفلان بهزيمة التحالف الحاكم. غير أن القلق يساور التحالف بسبب عامل آخر هو دخول محرم إينجة حلبة التنافس على منصب الرئاسة. فعلى رغم ضعف حظوظه في الفوز، لكنه قد يقتطع قسماً مهماً من أصوات التيار العلماني من المستائين من حزبهم الأصلي «الشعب الجمهوري» سيكون بمثابة هدية مجانية لأردوغان.

القدس العربي