رغم مرور أكثر من عامين على إنهاء مقاطعة كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين لقطر، إلا أن العلاقات الدبلوماسية البحرينية القطريةلم تُستأنف إلا في 12 أبريل/نيسان الجاري، ما يعكس تعقيد الملفات الثنائية المشتركة مقارنة مع الدول الثلاثة الأخرى.
ففي بيانين منفصلين أعلن البلدان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد انعقاد لجنة المتابعة القطرية البحرينية في 12 أبريل، إثر اجتماعهما الثاني في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، بالعاصمة السعودية الرياض.
ولم يتضمن البيانان أي توضيحات بشأن أسباب تأخر عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، رغم استئنافها مع كل من الرياض وأبوظبي والقاهرة في يناير/كانون الثاني 2021، بعد قمة العلا في السعودية.
نقطة تحول
الاجتماع الأول للجنة المتابعة القطرية البحرينية انعقد في 13 فبراير/شباط الماضي، أي قبل شهرين من إعلان استئناف العلاقات.
وحينها أشار بيان للخارجية القطرية أن الاجتماع “بحث الإجراءات والآليات اللازمة والسبل الكفيلة لإنجاح المباحثات الثنائية لإنهاء الملفات الخاصة المعلقة (لم يذكرها) بين البلدين الشقيقين، وفقا لما تضمنه بيان العلا”.
وكانت محافظة العلا استضافت في 5 يناير 2021 قمة خليجية رأبت الصدع بين الفرقاء وأنهت مقاطعة قطر، واستأنفت كل من الرياض وأبوظبي وأيضا القاهرة علاقاتها الدبلوماسية وروابط السفر والتجارة مع الدوحة، بينما تعثرت الأمور مع المنامة.
وكانت الأزمة الخليجية قد بدأت في 5 يونيو/حزيران 2017، عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر واتهمتها بدعم الإرهاب وهو ما نفته الدوحة، واشترط الرباعي العربي عدة شروط بينها إغلاق قناة الجزيرة، وتخفيض علاقات قطر مع إيران وتركيا، وتسليم المعارضين الموجودين لديها، الأمر الذي رفضته قطر.
لكن نقطة التحول التي سرّعت عودة العلاقات البحرينية القطرية، هو الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في 25 يناير 2023، وتم فيه التأكيد على ضرورة “العمل على حل كافة القضايا والمسائل العالقة”.
وسبق هذا الاتصال، مشاركة أمير قطر وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في قمة عربية مصغرة بأبوظبي، في 18 يناير الماضي، حضرها كل من عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، وسلطان عُمان هيثم بن طارق، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى رئيس الإمارات محمد بن زايد.
قضايا ثنائية عالقة
وبينما عادت العلاقات الدبلوماسية والتجارية سريعا بين قطر وبقية الدول المقاطعة، بقيت العلاقات مع البحرين تراوح مكانها.
ولم يوضح البلدان الملفات العالقة بينهما، لكن مملكة البحرين (أغلبية سكانها من الشيعة ويحكمها السنة) تنظر بقلق لتطور علاقة جارتها بإيران، التي تعتبرها المنامة تهديدا وجوديا لنظام حكمها.
كما تتحفظ البحرين على الطريقة التي يتناول بها الإعلام القطري وعلى رأسه شبكة الجزيرة، للأوضاع الداخلية لديها، خاصة ما تعلق بتغطية الاحتجاجات التي قادتها المعارضة ذات الغالبية الشيعية ضد الحكومة منذ عام 2011، مع بدايات الربيع العربي.
ناهيك عن خلافات حدودية حول أرخبيل “حوار” المكون من 14 جزيرة، والذي لا يبعد عن السواحل القطرية سوى بنحو كيلومترين، والذي كاد يتسبب في نزاع مسلح بين البلدين في 1986، لولا تدخل السعودية لنزع فتيل الحرب، واقتراح قطر حل الخلاف سلميا بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية.
وفي مطلع 2001، صدر قرار نهائي من محكمة العدل الدولية بأن أغلب جزر أرخبيل حوار تعود للبحرين، وعلى رأسها جزيرة حوار الكبرى.
بينما أعطى الحكم لقطر ملكية منطقة الزبارة (شمال) وجزيرتي جنان، وفشت الديبل (شمال غرب)، والأخيرة لها أهمية اقتصادية استراتيجية حيث تشرف على حقل الشمال، أحد أكبر حقول الغاز في العالم.
ورغم أن قرار محكمة لاهاي نهائي ولا رجعة فيه ويفترض أنه طوى الخلاف، لكن صحيفة الوطن البحرينية لمحت إلى أن هذا الوضع ما زال “محل شك من قبل المملكة”.
وهذا “الشك” تسبب في العديد من الحوادث بين الطرفين في مناطق الصيد البحري لكليهما، خلال السنوات الأخيرة.
حيث تسبب تكرار خرق قوارب صيد بحرينية المياه الإقليمية القطرية، إلى تدخل خفر السواحل القطري.
ففي يناير 2021، أوقف خفر السواحل القطري بطل كمال الأجسام البحريني سامي الحداد، أثناء رحلة صيد بحرية.
وفي ديسمبر 2020، أوقف خفر السواحل القطري طرادا بحرينيا على متنه ثلاثة أفراد من طاقمه “كانوا يصطادون في المياه الإقليمية القطرية”، بينما قالت السلطات البحرينية إنها احتوت “موقفا مسلحا” مع خفر السواحل القطري في عرض البحر.
وليس من المستبعد أن يكون الخلاف حول تحديد “المياه الإقليمية القطرية” وراء تأخر استئناف العلاقات بين الدوحة والمنامة إلى غاية أبريل الجاري، خاصة أن بعض الجزر البحرينية لا تبعد عن البر القطري سوى نحو كيلومترين فقط.
إشكالية وضع آليات حل الخلافات
خلال حديثه عن المصالحة الخليجية في ندوة عقدت بمركز “تشاتام هاوس” في لندن، في 17 فبراير الماضي، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن: “ربما العلاقات مع البحرين متأخرة بعض الشيء، بسبب عدم اتفاقنا على الآليات التي ستوظف لحل الخلافات، ولكن هذا ليس بالضخامة التي يتم تصويرها”.
“فوضع آليات لحل الخلافات” السبب الرئيسي من وجهة النظر القطرية في تأخر استئناف العلاقات مع البحرين.
بينما قال وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، إن بلاده “ليس لديها خلاف حول آلية الحوار مع قطر بشأن القضايا العالقة، طبقا لبيان العلا”.
غير أن المنامة سبق وأن وجهت انتقادات لشبكة الجزيرة في ربيع 2021، بعد أن تناولت الشبكة القطرية الأوضاع الإنسانية لنزلاء سجن “جو” البحريني، ووصفت المنامة تلك التقارير بـ”الحملة العدائية التحريضية” ضد المملكة.
إذ تبدي البحرين حساسية شديدة من التقارير التي تبثها وسائل إعلام قطرية عن أوضاعها الداخلية، مقارنة بوسائل إعلام غربية.
والواضح الآن أن استئناف العلاقات بين البلدين مؤشر قوي على أنه تم تجاوز العقبات التي حالت دون إتمام المصالحة بينهما، وتم وضع آليات لحل الخلافات.
القدس العربي