هل أصبحت الصين قوة شرق أوسطية إلى جانب أميركا وروسيا؟ السؤال ليس جديداً. لا بسبب العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين بكين وعواصم المنطقة منذ عقود بل بسبب المتغيرات الاستراتيجية والجيوسياسية في لعبة الكبار كما في لعب القوى الإقليمية بين الكبار.
التركيز عليه جاء مع مشروع “الحزام والطريق” الممتد من الشرق الأقصى إلى أوروبا والشرق الأوسطوأفريقيا، وهو النسخة العصرية من “طريق الحرير” القديم، ثم ازداد التركيز عليه بعد الدور الصيني في رعاية الاتفاق السعودي – الإيراني وضمانه. وقبله في أعقاب القمم الصينية السعودية والخليجية والعربية خلال زيارة الرئيس شي جينبينغ إلى الرياض، وهي ليست الأولى له، كما سبقتها زيارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز والملك سلمان بن عبدالعزيز إلى بكين، ذلك أن الصين لها علاقات قديمة مع مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن ثم مع لبنان والسعودية والإمارات العربية وبقية الدول الخليجية بعد الاعتراف الأميركي بها أيام الرئيس نيكسون وتسليمها مقعدها في الأمم المتحدة الذي كانت تحتله الصين الوطنية، أي تايوان.
وهي صارت تجري مناورات عسكرية مشتركة مع إيران ثم مع السعودية إلى جانب استيراد النفط. وكانت علاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية المبنية على الاهتمام بقضية فلسطين، ثم صارت مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وهي باختصار “تلعب مع الجميع في الشرق الأوسط”، كما تقول “الإيكونوميست” البريطانية. ويروى أنه حين زار وفد من حركة “فتح” الصين في ستينيات القرن الماضي للتعلم من تجربة الحزب الشيوعي في الحرب الشعبية، قابل الزعيم ماوتسي تونغ وسأله رئيس الوفد عن نصيحته للمقاتلين الفلسطينيين فرد ماو “الأمر بسيط جداً من دون حاجة إلى نصائح: أمسك البندقية، صوب، لا تخف، وأطلق النار”.
في البدء كان شي يقول إن “الاضطراب في الشرق الأوسط يأتي من نقص التطور، والصين لا تبحث عن مناطق نفوذ جيوسياسية بالوكالة في المنطقة”، ثم بدت الصين كأنها “تحاول أن تعيد اختراع ممارسات القوى العظمى في الشرق الأوسط” بحسب “الإيكونوميست”، لكن أدوار الآخرين كانت من العوامل المهمة في تحولات الدور الصيني. بين هذه العوامل انحسار الدور الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي بدأ الرئيس فلاديمير بوتين استعادته بالدخول العسكري في حرب سوريا إلى جانب النظام. وبينها بالطبع زيادة الصراع على النفوذ فوق المسرح العربي بين ثلاث قوى إقليمية، هي إيران وتركيا وإسرائيل. والعامل الأهم هو تراجع الدور الأميركي على يد الرئيس باراك أوباما.
ومن الطبيعي أن تكثر الشكوك في الضمانات الأمنية الأميركية والتزام الإدارات بها، بعد أن كشفت عنها التجارب العملية عندما وقفت واشنطن أيام رئاسة دونالد ترمب مكتوفة الأيدي أمام اعتداءات حوثية إيرانية على منشآت النفط في السعودية والإمارات. والرئيس جو بايدن كان نائب الرئيس أوباما، وعهده يبدو استمراراً لعهد سلفه، ولو بخطاب مختلف نتيجة خبرات سياسية عتيقة. وليس قليلاً ما يدعو دول الشرق الأوسط إلى تنويع العلاقات الدولية والالتفات إلى ترتيب الاستقرار والتركيز على التنمية.
راشل ميريث، وهي أستاذة علوم سياسية أميركية، تعترف مثل كثيرين سواها بأن “الاستقطاب الداخلي يقلل صدقية أميركا في الخارج”. والخبير جون ديكرسون يعتبر أن “رئاسة أميركا هي أصعب وظيفة في العالم”. لماذا؟ لأن الرئيس “يخوض معاركه على أساس السياسة الداخلية ثم يواجه تحديات في السياسة الخارجية” ليس مستعداً لها. والصين تتقدم، وسط قول الباحث في أكاديمية العلوم السياسية التابعة للحكومة في بكين بين غانغ “إن الشرق الأوسط مكان لفرصة، لكنه أيضاً فخ ومستنقع”. ولا أحد يستطيع أن يوقف التحولات.
اندبندت عربي