زيارة رئيسي إلى دمشق تتحول إلى احتفال بانتصار الأسد

زيارة رئيسي إلى دمشق تتحول إلى احتفال بانتصار الأسد

دمشق- شهد اليوم الأول من زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق ما يشبه الاحتفالية بانتصار الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب على معارضيه، وذلك بعد تسارع التقارب العربي مع دمشق وقرب عودتها إلى الجامعة العربية.

يأتي هذا فيما يعتقد متابعون للملف السوري أن زيارة رئيسي تهدف إلى قطع الطريق على أيّ مكاسب عربية من التطبيع مع دمشق، وخاصة في المجال الاقتصادي، وهذا ما يفسر التركيز في زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق على الجانب الاقتصادي.

وقال رئيسي خلال لقائه الأسد إن سوريا حققت “الانتصار رغم التهديدات والعقوبات”، واجتازت مصاعب كبيرة مفروضة عليها خلال 12 عاماً من نزاع دام، وقدّمت خلاله طهران دعماً كبيراً على مستويات عدة لحليفتها.

وزيارة رئيسي إلى دمشق هي الأولى لرئيس إيراني منذ أكثر من 12 عاماً، رغم الدعم الكبير، الاقتصادي والسياسي والعسكري، الذي قدّمته طهران لدمشق والذي ساعد على تغيير مجرى النزاع لصالح القوات الحكومية.

وأضاف رئيسي “اليوم نستطيع القول بأنكم قد عبرتم واجتزتم كل هذه المشاكل وحققتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم”.

وقال الأسد بدوره إن العلاقات السورية – الإيرانية “كانت خلال الفترات العصيبة علاقة مستقرّة وثابتة بالرغم من العواصف الشديدة السياسية والأمنية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط”.

وأوضح “عندما شُنّت الحرب ضد سوريا منذ 12 عاماً، لم تتردد إيران في الوقوف إلى جانب سوريا..، ولم تتردد في تقديم كل الدعم السياسي والاقتصادي، بل قدّمت دماء”.

ويضمّ الوفد الإيراني وزراء الخارجية والطرق وبناء المدن والدفاع والنفط والاتصالات.

وتأتي زيارة رئيسي، وفق تصريحات أدلى بها الأخير لدى مغادرته طهران، في سياق “تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية وتقويتها”، معتبراً أنه “بات واضحاً للجميع اليوم أن سوريا وحكومتها الشرعية يجب أن تمارس السيادة على كامل الأراضي السورية”.

ووقّع الرئيسان، وفق الإعلام الرسمي، مذكرة تفاهم لخطة التعاون الإستراتيجي الشامل طويل الأمد. وتشمل مجالات عدة بينها الزراعة وسكك الحديد والطيران المدني والنفط والمناطق الحرة.

ويقول المتابعون إن موعد زيارة رئيسي مدروس بدقة، وإن الهدف منها هو توقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة تكون من ناحية مكافأة لإيران على دورها في دعم الأسد، ومن ناحية ثانية قطع الطريق على أيّ اتفاقيات نوعية يمكن أن تتوصل إليها دمشق مع دول عربية قد تجد في عودة العلاقات فرصة لضخ الاستثمارات وإنشاء المشاريع والمساهمة بشكل فعال في إعادة إعمار سوريا.

وما يساعد إيران على وضع يدها على قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري هو انشغال روسيا بحرب أوكرانيا.

وتأتي زيارة رئيسي في خضمّ تقارب بين السعودية وإيران اللتين أعلنتا في مارس استئناف علاقاتهما بعد طول قطيعة، بينما يُسجّل انفتاح عربي متسارع تجاه دمشق التي قاطعتها دول عربية عدة منذ العام 2011.

ويتضمن جدول أعمال رئيسي في دمشق زيارة مقامات دينية في ضواحي العاصمة، أبرزها مقام السيدة زينب الذي يحظى بأهمية خاصة لدى الطائفة الشيعية وشكّل الدفاع عنه عامل استقطاب لمقاتلين تدعمهم طهران وقاتلوا إلى جانب القوات الحكومية.

وتشهد دمشق إجراءات مشددة وانتشاراً كثيفاً للقوى الأمنية. ورُفعت الأعلام الإيرانية على أعمدة الإضاءة على طريق المطار وآخر يؤدي إلى منطقة السيدة زينب. كما عُلقت صور للرئيسين الإيراني والسوري كتب عليها “أهلاً وسهلاً” باللغتين العربية والفارسية.

وهدأت الجبهات في سوريا نسبياً منذ 2019، وإن كانت الحرب لم تنته فعلياً. وتسيطر القوات الحكومية حالياً على غالبية المناطق التي فقدتها في بداية النزاع. وبات استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية لدمشق بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في طهران الاثنين إنّ “سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار، والجمهورية الإسلامية في إيران (…) جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً”، كما كانت إلى جانبها “في القتال ضد الإرهاب” والذي اعتبره “مثالاً ناجحاً على التعاون بين الدولتين”.

ومنذ سنوات النزاع الأولى، أرسلت طهران مستشارين عسكريين لمساندة الجيش السوري في معاركه ضدّ التنظيمات الجهادية والمعارضة، التي تصنّفها دمشق “إرهابية”، بينما تقاتل مجموعات من جنسيات أخرى موالية لإيران على رأسها حزب الله اللبناني إلى جانب القوات الحكومية.

وتُستهدف المجموعات الموالية لطهران غالباً بضربات إسرائيلية منذ سنوات، فيما تكرّر إسرائيل، العدوّ اللدود لإيران، أنّها لن تسمح للأخيرة بترسيخ وجودها على مقربة منها.

وتخضع سوريا بسبب مواجهتها الاحتجاجات ضد السلطة في بداية النزاع، وإيران بسبب برنامجها النووي، لعقوبات دولية قاسية تجعل كلّ التعاملات المالية والتحويلات المصرفية أمراً شبه مستحيل بالنسبة إلى حكومتيهما.

◙ موعد زيارة رئيسي مدروس بدقة، والهدف منها ضمان اتفاقيات اقتصادية كبيرة تكون مكافأة لإيران على دورها في دعم الأسد

وإضافة إلى الاتفاق السعودي – الإيراني، تأتي الزيارة على وقع وساطة روسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة التي دعمت من جهتها المعارضة السورية خلال سنوات النزاع، كما تأتي بعد أيام من اجتماع استضافته موسكو بحضور إيران وجمع مسؤولين سوريين وأتراكاً.

ويقول المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة لفرانس برس إن الزيارة “أصبحت أكثر ملاءمة بعد المصالحة السعودية – الإيرانية” التي اعتبر أنّها “تنعكس على كل بؤر التوتر التي لا تزال موجودة في المنطقة”.

وزار الأسد طهران مرتين بشكل معلن خلال السنوات الماضية، الأولى في فبراير 2019 والثانية في مايو 2022، والتقى خلالها رئيسي والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.

وكان الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد زار دمشق في 18 سبتمبر 2010 قبل ستة أشهر من اندلاع النزاع الذي أودى بأكثر من نصف مليون سوري، وتسبب بنزوح أكثر من نصف عدد السكان وتهجيرهم داخل البلاد وخارجها.

العرب